الحزب والكويت… تاريخٌ حافلٌ بـ”العَبَث بالخرائط”

مدة القراءة 7 د

يُعتبر الحكم الأخير الذي أصدرته محكمة التمييز الكويتية في 12 شباط 2024. وانفرد “أساس” بنشر تفاصيله الأحد الماضي. حلقة في سلسلة طويلة من حلقات تدخّل الحزب في شؤون الكويت وعدم احترام سيادتها. وذلك تطبيقاً للأجندة الإيرانية التي لا تُراعي حدوداً.

لطالما اتّسمت العلاقات بين الكويت والحزب بالسلبية الشديدة. بالنظر إلى تعامل الحزب مع بعض الدول الخليجية كـ”ساحات” لأنشطته التي تعتبرها هذه الدول “إرهابية” أو “مزعزعة للاستقرار”. فيما يضعها الحزب ومناصروه ومن يعملون معه في دائرة “نُصرة الشيعة” الذين لم يطلبوا أصلاً منه ذلك. ولم يعطوه أو يعطوا إيران وكالة بحمايتهم، لا في البحرين ولا في الكويت ولا في أيّ دولة خليجية أو حتى عربية.

في 2016، عندما صنّفت دول مجلس التعاون الحزب اللبناني منظّمة إرهابية. استناداً إلى تاريخ طويل من الأنشطة المشبوهة واعترافات موثّقة عن أعمال تشمل استثارة الفتن وتجنيد الجواسيس وجمع المعلومات. اعتبر البعض أنّ القرار فيه شيء من الشدّة بالنظر إلى وجود شعبية ومناصرين للحزب يؤيّدون مقاومته لإسرائيل. لكنّ الوقائع السابقة واللاحقة لصدور القرار تدحض وجهة النظر هذه. لتشير إلى أجندة إيرانية هدفها العبث بالخرائط في العالم العربي.

4 عقود

منذ الثمانينيات حتى 2024، تاريخ حافل من تدخّلات الحزب في الكويت. يمكن تلخيص أبرزها وفق الوقائع المُعلنة:

1983: شهدت الكويت سلسلة تفجيرات استهدفت منشآت حيوية، كان بينها مطار الكويت الدولي، ومصفاة نفط رئيسية. إضافة إلى سفارتَي الولايات المتحدة وفرنسا. واتّضحت لاحقاً مسؤولية تنظيمين مرتبطين بإيران عنها، وهما حزب الدعوة العراقي وجماعة مرتبطة حينها بالحزب الذي كان قَيْد التشكّل.

أجندة “الثورة الإيرانية” التي بدأ تطبيقها منذ الثمانينيات، ما زالت مستمرّة من دون تغييرات أو تعديلات جوهرية

1984: تعرّضت طائرة كويتية للاختطاف من قبل 4 لبنانيين، وأجبروها على تغيير مسارها إلى طهران. وطالبوا بالإفراج عن عدد ممّن اعتقلتهم الكويت لضلوعهم في التفجيرات، وبينهم مصطفى بدر الدين، أحد أبرز قياديّي الحزب.

1988: اختُطفت طائرة كويتية من قبل عناصر من الحزب، كانت قادمة من بانكوك إلى الكويت عبر مسقط. وذلك في أطول عملية اختطاف لطائرة في التاريخ. واتُّهم حينها القيادي في الحزب عماد مغنية بخطفها وإعدام اثنين من ركابها بعد إلقائهما من باب الطائرة، وفق ما أفادت معلومات نُقلت عن أحد الرهائن.

كان الهدف في ذلك الوقت الضغط على الكويت للإفراج عن عناصر من الحزب كانوا مسجونين لتورّطهم في تفجيرات إرهابية، عُرفت لاحقاً بقضية “طائرة الجابرية”.

2015: فكّكت الأجهزة الأمنيّة الكويتية خليّة إرهابية مدعومة من الحزب، قامت بتخزين وحيازة السلاح بكمّيات كبيرة وعشرة آلاف بذلة عسكرية كويتيّة في مزرعة بمنطقة العبدلي. في شمال الكويت قرب الحدود مع العراق. وهو ما عرف حينها بقضية “خليّة العبدلي”.

2016: قرّرت السلطات الكويتية ترحيل 11 لبنانياً و3 عراقيين اتّهموا بالانتماء إلى الحزب، وذلك بعد قرار دول الخليج اعتبار الحزب “منظمة إرهابية”.

2017: طلبت الكويت رسمياً من السلطات اللبنانية اتّخاذ موقف رسمي ووقف ممارسات الحزب التي تهدّد أمنها واستقرارها. وذلك عقب صدور الحكم القضائي الذي أثبت مشاركة ومساهمة الحزب في قضية “خلية العبدلي”.

2021: أعلنت السلطات الكويتية القبض على مجموعة متّهمة بالعمل والتعاون مع الحزب. بتهمة تجنيد الشباب للعمل في سورية واليمن، وتبييض الأموال، والمشاركة في أعمال إرهابية.

2024: صدر حكم عن محكمة التمييز الكويتية بحقّ مواطنَيْن كويتيَّيْن وامرأة لبنانية، على خلفية ضلوعهم بأنشطة مشبوهة في الكويت بأمر من الحزب وإيران. والعمل على جمع معلومات عن السعودية. والتخطيط لعمليات في البحرين. وتلقّي تدريبات في العراق. إضافة إلى تنظيم لقاءات في إيران، وإرسال أموال إلى لبنان، خلال الفترة من 2017 حتى نهاية 2022.

يصف الحكم الحزب بأنّه يعمل لمصلحة إيران ويؤمن بالثورة الإيرانية. وغرضه نشرها في الكويت

القواسم المشتركة

ما بين الحُكم الحديث في 2024 وواحد من أخطر الأحكام التي صدرت بقضية “خلية العبدلي” في 18 حزيران 2017 والواقع في 89 صفحة، الكثير من القواسم المشتركة التي يجب على “ما بقي من” لبنان الرسمي الوقوف عندها. وأهمّها توجيه أصابع الاتّهام للحزب بـ”العمل على نشر مبادئ ترمي إلى هدم النظام الأساسية بطرق غير مشروعة. والانقضاض بالقوّة على النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم”. و”ارتكاب أعمال تضرّ بالمصالح القومية لدولة الكويت”، من بينها “إشاعة الذعر والفوضى”. فضلاً عن التسليح والتجسّس والتدريب على استخدام الأسلحة والذخائر.

تكشف تفاصيل حكم “خلية العبدلي” حجم وخطورة ما يرمي إليه الحزب، من خلال التجسّس والتنصّت و”التخطيط لأعمال عدائية”. و”جمع المعلومات عن المعارضين للثورة الإيرانية”. في إشارة إلى الشيعة من غير المؤيّدين للخطّ الإيراني، وهم الغالبية من الشيعة في الكويت.

يصف الحكم الحزب بأنّه “تنظيم مسلّح يسيطر على المنطقة الجنوبية في جمهورية لبنان. ويعمل لمصلحة جمهورية إيران ويؤمن بالثورة الإيرانية ومبادئها. وغرضه نشرها في الكويت وكلّ الدول الإسلامية”، والسعي إلى “تكوين الجمهورية الإيرانية الكبرى”.

خرائط وتجسّس

على غرار الحكم الأخير، تكشف حيثيات حكم “خلية العبدلي” تفاصيل عن طرق التخفّي. والسفر عبر دول ثالثة. وتلقّي التدريبات بمعسكرات في لبنان وإيران والعراق تشمل “مهارات استخبارية، منها المراقبة وسبل كشفها”. وأساليب جمع المعلومات، وآليّات تحويل / نقل الأموال.

حينذاك، خرج الحزب لينفي أيّ علاقة له بالخليّة وأيّ تخطيط للإضرار بأمن واستقرار الكويت. لكنّه كان “نفياً بلا طعم” أمام الوقائع الدامغة والاعترافات. والكمّية الكبيرة من الأسلحة والذخائر التي تمّ ضبطها. والوثائق التي عُثر عليها بحوزة المتّهمين. وشملت “خريطة عسكرية خاصة تتضمّن القواعد العسكرية وميادين الرماية، ويمكن من خلالها تحديد آبار وخطوط النفط”. وخريطة مدنية “تُستعمل لبيان طوبوغرافية الكويت وحدودها ومياهها الإقليمية والقسائم السكنية فيها”.

تكشف حيثيات حكم “خلية العبدلي” تفاصيل عن طرق التخفّي. والسفر عبر دول ثالثة. وتلقّي التدريبات بمعسكرات في لبنان وإيران والعراق

ذريعة “داعش”

دافع المتّهمون حينذاك بأنّهم كانوا يتسلّحون استعداداً للدفاع عن أنفسهم بمواجهة تنظيم “داعش” (إذا ما دخل أرض الكويت). لكنّ هذا القول “لا محلّ له، ويدحضه عدم ظهور داعش في تاريخ بدء جريمة التخابر مع جمهورية إيران”. وفق ما ورد في الحكم النهائي الصادر عن محكمة التمييز، والذي قضى بأحكام تراوحت بين السجن 10 و15 سنة والمؤبّد.

إقرأ أيضاً: “أساس” ينفرد بنشر التفاصيل الكاملة لقضية الحزب في الكويت

حسب أوراق القضية، فإنّ “التخابر” لم يبدأ في 2014، وهي السنة التي تعاظمت فيها خطورة “داعش” بعدما احتلّ مناطق شاسعة في العراق وسورية. وإنّما منذ عام 1988 حتى عام 2015، وهو ما يؤكد عمق وخطورة التدخّل الإيراني (وعبر الحزب) في الكويت.

يشي كلّ ذلك بأنّ أجندة “الثورة الإيرانية” التي بدأ تطبيقها منذ الثمانينيات، ما زالت مستمرّة من دون تغييرات أو تعديلات جوهرية. وأنّ الحزب في لبنان ما زال رأس الحربة في تلك الأجندة (انضمّ إليه الحوثيون في السنوات القليلة الماضية). وأنّ التغيير الوحيد يطرأ حصراً على الأشكال والشخوص مثل رئيس بعمامة (حسن روحاني ومحمد خاتمي وإبراهيم رئيسي). أو رئيس ثوري من غير رجال الدين (محمود أحمدي نجاد). أو قائد “عابر للحدود” (قاسم سليماني). وقائد آخر “عابر للحدود” أيضاً لكن دون تصوير فيديوهات وتوثيق “لحظات الانتصار” على أنقاض دول المنطقة (إسماعيل قاآني).

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…