مع تعثّر هدنة غزة تتراجع فرص استحقاقات، منها تمهيد الغرب مع الدول العربية لمسار سياسي لحلّ القضية الفلسطينية. ميزان القوى يغلِّب الخيبة حيال هذا الهدف، وترافق ذلك صعوبات توحيد الموقف الفلسطيني… مع ذلك ما زالت القاهرة تأمل ما سمّته “جَسر الهوّة” بين حماس وإسرائيل حول صفقة تبادل الرهائن.
لم يجد الرئيس جو بايدن سوى بدعة إقامة ميناء عائم لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزّة بحراً، فيما لا بديل عن المعابر البرّية التي تقفلها إسرائيل. وما يراه البعض ضعفاً من الدولة العظمى لعجزها عن إيصال المساعدات إلا عبر إسقاطها من الجوّ، يعتبره الفلسطينيون تغطية لاستمرار الحرب. هكذا بدت رغبة بعض الدول الأوروبية والعربية في وقف الحرب عالقة بين معطيات متضاربة:
الأولويّات الأميركيّة… تتضارب مع وقف الحرب
– الدعم الأميركي لهدف حكومة بنيامين نتنياهو المتمثّل في القضاء على قدرات حماس العسكرية، وهدف اليمين المتطرّف تحويل الفلسطينيين إلى شعب بلا مأوى. أولوية إدارة بايدن ضمان صمود أوكرانيا بعدما أفادت روسيا من حرب غزة لتحسين مواقعها العسكرية.
– خضوع المواقف الأميركية المناوِرة حيال المجازر والمساعدات الإنسانية لمنطق المنافسة في الانتخابات الرئاسية. بايدن الساعي إلى إرضاء الجناح اليساري الديمقراطي المعترض على سياسته الفلسطينية، يزايد عليه دونالد ترامب لمصلحة اللوبي اليهودي. ونتنياهو يتقن المماطلة في التوصّل إلى هدنة بالإفادة من هذا التنافس لإطالة الحرب. وكلّ يوم يمرّ ويقرِّب أميركا من تاريخ الانتخابات في 8 تشرين الأول المقبل، يخفف الضغط على واشنطن بشأن غزة.
التكتّل العربيّ الإسلاميّ و”إدارة الصراع”
– تمسك الدول العربية بثوابت وقف الحرب… والحلّ السياسي وصولاً إلى صيغة الدولتين، يخضع لميزان قوى، يُجهِض أيّ نتيجة مأمولة. ولذلك يستحيل إحداث أيّ تغيير في جوهر الموقف الأميركي. وأثبتت وقائع الأشهر الخمسة الماضية أنّ التحوّلات في الموقف الغربي تضع كلّ التكتّلات الدولية في كفّة وانحياز أميركا لإسرائيل في كفّة. وقد يدفع ذلك التكتّل العربي-الإسلامي الجديد بقيادة السعودية نحو تعزيز العلاقة مع الصين وروسيا في سياق “إدارة الصراع” الإقليمي والدولي وموقع العرب فيه.
تلفت أوساط فلسطينية إلى المزيد من الوضوح في الموقف العربي الإسلامي، في ظلّ العجز عن فرض توجّهاته على واشنطن
يشير فلسطينيون معنيّون بتوظيف الموقف العربي للتخفيف من معاناة غزة إلى أنّ اختلال ميزان القوى يفرض التواضع في التوقّعات.
في هذا السياق تلفت أوساط فلسطينية إلى المزيد من الوضوح في الموقف العربي الإسلامي، في ظلّ العجز عن فرض توجّهاته على واشنطن. وتقول إنّ المطلب السعودي الفلسطيني بالحصول من واشنطن على خطّة عمليّة من أجل الانتقال إلى حلّ الدولتين لم يلقَ تجاوباً. وتركّز على فعّاليّتين انعقدتا هذا الأسبوع:
– الأولى: اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الستّ في السعودية، الذي أعقبه اجتماعهم مع وزراء خارجية مصر، الأردن والمغرب. دعا وزراء مجلس التعاون في بيانهم إلى “توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني”… انتقدوا نقض أميركا لمشروع القرار الذي قدّمته الجزائر لوقف النار في غزة، في مجلس الأمن. وأيّدوا كلّ الإجراءات المتّخذة دوليّاً لمحاكمة إسرائيل على جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها. بما فيها الدعوى المقدّمة من قبل جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية. وفي وقت كرّروا المواقف المبدئية والثوابت كافّة حيال القدس وانتهاكات إسرائيل في الضفة الغربية والمسجد الأقصى… فإنّ التوقيع على البيان شمل دولاً لديها اتفاقات تطبيع مع إسرائيل. وتحول هذه المواقف دون أيّ تطبيع سعودي مع الدولة العبرية، سعت إليه واشنطن في الأشهر الماضية. وهو أمر يخالف الترويج الأميركي لاستعدادات الرياض للتطبيع.
تلويح بمقاضاة أميركا؟
– الثانية: الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي في جدّة. واللافت أنّ البيان الختامي، الذي كرّر بدوره الثوابت حيال القضية الفلسطينية، تضمّن تلويحاً بمقاضاة أميركا والدول الداعمة لإسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. فقد حذّر “كلّ الدول التي تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في ارتكاب الإبادة الجماعية ضدّ الشعب الفلسطيني ويعتبرها شريكة بصورة مباشرة في هذه الجريمة النكراء”. ورحّب، في هذا الصدد، بـ”الخطوة التي أقدمت عليها جمهورية نيكاراغوا (ضدّ ألمانيا لتسليحها إسرائيل) أمام محكمة العدل الدولية”.
شروط حماس مقابل الورقة الأخيرة
بالعودة إلى تعثّر مفاوضات الهدنة في القاهرة تشير مصادر فلسطينية إلى تفسيرات عدّة لذلك وإلى أنّ السلطات المصرية تأمل استئنافها الأسبوع المقبل:
إنّ حماس اشترطت وقفاً دائماً لإطلاق النار وانسحاباً إسرائيلياً من شمال غزة على الأقلّ مقابل تبادل الرهائن مع أسرى فلسطينيين
– إنّ حماس اشترطت وقفاً دائماً لإطلاق النار وانسحاباً إسرائيلياً من شمال غزة على الأقلّ مقابل تبادل الرهائن مع أسرى فلسطينيين. إذ لن يعود في حوزتها أيّ ورقة للمطالبة بالانسحاب. إذا سلّمت الرهائن لإسرائيل. ولا حتى حماية كوادرها في رفح، ما دام نتنياهو يهدّد باقتحامها وبمواصلة الحرب.
– تشير مصادر غربية إلى أنّ حماس لم تردّ على مطلب نتنياهو الحصول على تأكيدات تتعلّق بمَن مِن الرهائن على قيد الحياة، وهو ما أوحى بأنّ عدداً لا بأس به منهم قد قُتل، ليس فقط بفعل القصف الإسرائيلي، بل لأنّ مقاتليها أدخلوهم مقتولين إلى غزة بعد غزوة “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
مصر للتواصل مع السنوار
– إنّ التواصل بين حماس الخارج وحماس الداخل بقيادة يحيى السنوار انقطع منذ أيام عدّة. وهذا يحول دون تحديد المطالب النهائية للجانب الفلسطيني. فهناك لغطٌ حول حقيقة ما قبلت به قيادة الخارج في مفاوضات الهدنة، بعدما تسرّب أنّ الحركة وافقت على الهدنة المؤقّتة. ونتنياهو يدرك التباينات ويلعب على التناقضات بطرح شروط للإفراج عن بعض الأسرى الفلسطينيين. إذ طالب بأن يُنقل بعض الرموز إلى خارج الأراضي الفلسطينية مثل مروان البرغوتي.
إقرأ ايضاً: غارة شارع الرشيد: تجاذب بين الهدنة والضربة العسكريّة
– إنّ الجانب المصري أوفد أحد قادة حماس الموثوقين من قبل السنوار إلى غزة، من أجل التفاوض مع الأخير والحصول على موقفه النهائي. وتمّ إدخال الموفد القيادي عبر معابر سرّية من سيناء. هذا على الرغم من تسريبات سابقة مصادرها استخبارية بأنّ السنوار بات في سيناء بفضل نفق طويل يصل رفح بالصحراء المصرية.
كلّ تلك الصعوبات في شأن الهدنة تمهّد للمرحلة الأخيرة من الحرب الإسرائيلية على غزة، في رفح. فهي التي ستحدّد ما سيليها من عناوين، ومنها تكثيف جهود إنهاء الانقسام الفلسطيني المؤجّل إلى أن تتّضح نهاية الحرب. هذا بالإضافة إلى مصير خيار الحرب على الحزب ولبنان.
لمتابعة الكاتب على X: