روسيا وفلسطين: حوار في مبنى ستالينيّ.. بين حنين و”لطشة”

مدة القراءة 5 د

ماذا بين روسيا وفلسطين؟

روسيا تدخل على خطّ فلسطين. وموسكو تنظّم حواراً بين السلطة الفلسطينية وحركة “حماس”. كخطوة أولى من جهتها، للبحث في خارطة طريق لليوم التالي في غزة وما بعد “طوفان الأقصى”.

الموعد في اليومين المقبلين. والمكان مرتبط مباشرة بالزعيم السوفيتي الراحل ستالين. أمّا الأجندة ففيها شيء من حسابات الكرملين الخاصة، وقراءته لما فيه خير القضية الفلسطينية. مع حنينه إلى زمن فلسطيني قديم، و”لطشة” موسكوفيّة لمناضلي القضيّة الراهنة.

 

كشفت أوساط موسكوفيّة مطّلعة على أجواء وزارة الخارجية الروسية أنّ النصاب بات مكتملاً لحوار فلسطيني فلسطيني تستضيفه العاصمة الروسية، يومَي الخميس والجمعة، آخر يوم من شباط وأوّل يوم من آذار. هو باكورة مشهد جديد سنراه بين روسيا وفلسطين.

وعن الحضور أكّدت هذه الأوساط لـ”أساس” أنّ السلطة الفلسطينية ستتمثّل بشكل رئيسي بعضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزّام الأحمد، ووزير الخارجية الفلسطيني السابق ناصر القدوة. أمّا عن “حماس” فسيشارك عضو المكتب السياسي للحركة موسى أبو مرزوق. على أن يكون ضمن الوفدين طبعاً، مسؤولون آخرون من الطرفين.

روسيا وفلسطين

كما حرصت موسكو على دعوة مصطفى البرغوثي، الأمين العام لـ”حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية”. وذلك نظراً إلى العلاقة الوثيقة التي تربطه بجهات روسية دبلوماسية وبحثية ناشطة في موضوع  فلسطين والمنطقة.

روسيا ستشارك “في غرفة أخرى”

أمّا من الجهة المضيفة، فلن يكون هناك أيّ مسؤول روسي مشارك مباشرة في المباحثات. لكنّ الخارجية الروسية كلّفت البروفسور فيتالي نعومكين بالحضور، من دون المشاركة في اللقاءات. على أن يكتفي بالوجود في غرفة أخرى بعيدة عن قاعة اللقاءات. بحيث يكون دوره حتّى أقلّ من “مسهّل”. وأقرب إلى “صديق يمكن الاستعانة به”، إذا رغب الطرفان بذلك.

نعومكين هو أحد أبرز الخبراء الروس الحاليين بشؤون الشرق الأوسط. وبالتالي هو خبير بشؤون روسيا وفلسطين. مستشرق عتيق، يتقن اللغة العربية. يدير حالياً “معهد الاستشراق” التابع لأكاديمية العلوم الروسية الحكومية في موسكو. وكان قد تولّى مهمّة مماثلة في التفاوض بين النظام السوري ومعارضيه القريبين من موسكو. وذلك طوال سنوات لم تنتج خطوات عمليّة ملموسة.

في تلك الداتشا الستالينية لن يكون غير الفلسطينيين وجهاً لوجه. والروسي قربهم يستمع ويراقب ويترقّب التدخّل. ستكون روسيا وفلسطين في غرفتين متجاورتين

أمّا مكان اللقاء فتكشف الأوساط نفسها لـ”أساس” أنّه سيكون في فيللا صغيرة تقع على مسافة نحو 50 كيلومتراً غرب موسكو. وتسمّى الفيللا في اللغة الروسية “داتشا”. وهي واحدة من عشرات مثيلاتها كان يستخدمها الزعيم السوفيتي الراحل ستالين للنقاهة والراحة في محيط عاصمة دولته. وهي مكان يضفي على المباحثات جوّاً تاريخياً مكثّفاً بالإيحاءات والأفكار عبر المراحل الغابرة.

“حماس” في السلطة… وفي “الدولة”

يبقى مضمون المباحثات، وهو ما ترجّح الأوساط نفسها أن يكون متروكاً للمشاركين.

لكنّها تسارع إلى الكشف أنّ موسكو حريصة على تحقيق أمرين اثنين:

أوّلاً، انضواء “حماس” ضمن السلطة الفلسطينية.

وثانياً، أن تقدّم السلطة هذه، بتركيبتها الجديدة، وبمشاركة “حماس” بالذات، تصوّراً عمليّاً لمشروع حلّ الدولتين. بحيث يصبح هذا المقترح ملزماً للجميع.

في هذا السياق تلفت الأوساط نفسها إلى أنّ تشكيلة المتفاوضين مميّزة ولافتة. فممثّل “فتح” عمليّاً، عزّام الأحمد، كان قد تناول “حماس” بانتقادات عنيفة. قبل أن يكلّفه أبو مازن التواصل معها بعد عملية “طوفان الأقصى”.

أمّا ممثّل الحركة، موسى أبو مرزوق، فكان قد أدلى بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)، بتصريحات معتدلة جدّاً، فُهِم منها الاعتراف الصريح بقبول “حماس” بحلّ الدولتين. وهو ما أثار بوجهه عاصفة انتقادات، جعلته يتراجع موضحاً ومصحّحاً.

في تلك الداتشا الستالينية لن يكون غير الفلسطينيين وجهاً لوجه. والروسي قربهم يستمع ويراقب ويترقّب التدخّل. ستكون روسيا وفلسطين في غرفتين متجاورتين.

سيكون الروسي حتماً أقرب إلى وجهة النظر التسوويّة. فهو أبلغ وفد “حماس” في زيارته السابقة لموسكو بأنّه يؤيّد قضية فلسطين بشكل كامل. لكنّه يُعلن صراحة أنّ إسرائيل دولة صديقة، ولو توتّرت علاقاته معها بعد طوفان الأقصى. كما أبلغ الحركة أنّه يملك معلومات مؤكّدة ومقدّمة له من مختلف الجهات المعنيّة، بأنّ قرشاً واحداً لن ينفق على إعادة إعمار غزة، إذا ظلّت الحركة مسؤولة عن إدارتها. وهي المعطيات التي تدفع موسكو للضغط على الحركة للقبول الكامل بالانخراط جزءاً لا كلّاً ولا بديلاً، ضمن هيكلية السلطة الفلسطينية.

خلال هذين اليومين، ستدخل موسكو مجدّداً على خطّ فلسطين وغزة وقضاياهما. وذلك من ضمن قرار موسكو بالعودة قطباً عالميّاً ضمن سياسات العالم

يضاف إلى ذلك حنين موسكو الدائم إلى رفاق “أبي عمّار”. في مقابل عتبها على رفاق السنوار الجدد. ذلك أنّ المسؤولين الروس كانوا قد أثاروا مع قيادة “حماس” في لقائهما الأخير أيضاً، إمكان إطلاق الرهائن لديها، ممّن يحملون الجنسية الروسيّة. فكان الجواب الحمساوي بأنّ “علينا رفع الطلب والعودة بجواب”. وفيما لم يأتِ الجواب المنتظر بعد، رأت موسكو على الأرض أنّها يجب أن تقدّم مفاوضات مماثلة لتحرير الرهائن الأميركيين.

إقرأ أيضاً: خطّة واشنطن لغزّة: حكومة فلسطينية تكنوقراط نصفها “غزاوي”؟

في كلّ الأحوال، خلال هذين اليومين، ستدخل موسكو مجدّداً على خطّ فلسطين وغزة وقضاياهما. وذلك من ضمن قرار موسكو بالعودة قطباً عالميّاً ضمن سياسات العالم.

وهل أعلى من منبر فلسطين لإعلان ذلك؟

مواضيع ذات صلة

لبننة “الحزب”؟

منذ نشأته كانت لبنانية “الحزب” مسألة إشكالية، في الشكل كما في المضمون. والمضمون والشكل هنا متلازمان متساويان في الدلالة والمعنى. اليوم لم يعد من هامش…

“سمفونيّة الأمل” في السعوديّة.. والقوّاس: لعودة لبنان للحضن العربي

“لبنان جريح، وشفاؤه بالعودة إلى الحضن العربي”. هذه خلاصة كلمة رئيسة المعهد الوطني اللبناني العالي للموسيقى السوبرانو هبة القوّاس في حفل موسيقي ضخم نظّمته في…

الياس خوري: 12 تحيّة لبنانية وعربية (2/2)

في الجزء الثاني من هذه التحية إلى المثقف الراحل الياس خوري، يكتب كلٌّ من: علوية صبح، وواسيني الأعرج، ويوسف المحيمد، وليانة بدر، وطالب الرفاعي، وسمر…

نداءٌ ثانٍ ودائم إلى دولة “النبيه”

هو صاحب الفكرة، حامل القلم، إبرة الميزان، والممسك بخيوط كثيرة. لا تخطئ بوصلة نبيه بري. السياسة عنده احتراف. أحد أبرز صنّاع الاستثناء في التاريخ اللبناني…