تريد الإدارة الأميركيّة أن تكون “حرب غزّة” آخر الحروب في المنطقة. من هذا المُنطلق كلّف الرّئيس الأميركيّ جو بايدن رئيس دائرة الشّرق الأوسط في مكتب الأمن القومي بريت ماكغورك إعداد خطّة أميركيّة لمُعالجة الحرب وأسبابها والذّهاب نحوَ حلٍّ طويل الأمد للقضيّة الفلسطينيّة. وذلك بحسب ما ذكر مصدر مسؤول في مكتب الأمن القوميّ الأميركيّ لـ”أساس”. أبرز بنود هذه الخطة تشكيل حكومة فلسطينية جديدة بعد إعلان الهدنة، والاعتراف بدولة فلسطين.
ناقشَ رئيس دائرة الشّرق الأوسط في مكتب الأمن القومي بريت ماكغورك خطّة الرئيس جو بايدن مع 6 دول عربيّة. وهي: المملكة العربيّة السّعوديّة. ودولة الإمارات العربيّة المُتحدة. وجمهوريّة مصر. ودولة قطر. والمملكة الأردنيّة. والسّلطة الفلسطينيّة. وتتضمّن الخطّة مراحل عديدة. تبدأ بصفقة تبادل الأسرى وهُدنٍ إنسانيّة، وتشكيل حكومة فلسطينية جديدة. وتنتهي بالاعتراف بدولة فلسطينيّة، وذلك وفق جدول زمنيّ مُحدّد.
يؤكّد المصدر الأميركيّ وآخر عربيّ مُطّلع على مسار المفاوضات بين حماس وإسرائيل، أنّ أساس هذه الخطّة هو نجاح صفقة التّبادل الأوّليّة التي تشمل “وقفاً مبدئيّاً لإطلاق النّار في غزّة”.
المرحلة الأولى: تبادل الأسرى والتهدئة
تبدأ الخطّة من المفاوضات الجارية حاليّاً. وهي مرحلة صعبة ومُعقّدة على حدّ قول المصدر العربيّ، الذي يُلخّص النّقاط الجاري بحثها حاليّاً بالآتي:
1- انسحاب الجيش الإسرائيلي إلى خارج المُدن الأساسيّة والمُكتظّة. ووقف الطّلعات الاستطلاعيّة لمُدّة تراوح بين 6 و8 ساعات يوميّاً.
2- وقف القتال بين الجانبيْن. بما في ذلك “عمليّة رفح”. ولمدّة 6 أسابيع قابلة للتمديد.
3- عودة جزئيّة لسكّان شمال غزّة. وهذه النّقطة دونها عقبتان يجري العمل على حلّهما:
الأولى: تتمسّك حماس بمطلب عودة كلّ سكّان الشّمال الذين نزحوا إلى مناطق الجنوب.
الثّانية: إصرار إسرائيل على عدم عودتهم قبل نهاية الحرب. لكنّ المصدر يؤكّد أنّ تل أبيب أظهرت مرونة في ما يخصّ عودة النّازحين من النّساء والأطفال والرّجال “غير المُؤهّلين للقتال والخدمة العسكريّة”.
تتضمّن الخطّة مراحل عديدة. تبدأ بصفقة تبادل الأسرى وهُدنٍ إنسانيّة، وتشكيل حكومة فلسطينية جديدة. وتنتهي بالاعتراف بدولة فلسطينيّة
4- تُفرج حركة حماس عن 40 من الأسرى المستوطنين من نساء وأطفال وكبار سنّ. وكانت الحركة قد طلبت في وقت سابق أن تُفرِج إسرائيل في المُقابل عن 1500 – 2000 أسير. منهم “أسرى بارزون” و”عناصر من النّخبة” وقعوا في الأسر بعد عمليّة طوفان الأقصى في 7 .أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي.
رفضَت تل أبيب مطلب حماس. لكنّ واشنطن تدخّلت وأرسلت إلى الحركة عبر الوسيطين المصري والقطري أنّها ستضغط على إسرائيل للقبول بالإفراج عن “مئات الأسرى” (أقلّ من 1,000). وستتضمّن اللائحة “أسماء بارزة” من دون الخوض في مصير “أسرى النّخبة” في هذه المرحلة.
زيادة تدفّق المساعدات الإنسانيّة من غذاء ودواء إلى شمال القطاع وجنوبه. وترميم بعض المنشآت الصّحيّة وتعزيزها.
تشكيل حكومة فلسطينيّة جديدة
أثناء تنفيذ المرحلة الأولى من الخطّة، وربّما قبل ذلك، ستعمل واشنطن على دعم السّلطة الفلسطينيّة لتشكيل حكومة فلسطينية جديدة مؤقّتة من التكنوقراط، وحشد الدّعم الدّوليّ لها. يدخل أيضاً في المُقترح الأميركيّ لتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينيّة توسيعُ صلاحيّات رئيس الوزراء “بالتّراضي” مع رئيس السّلطة.
تعدّ واشنطن هذا الاقتراح حلّاً وسطاً بعدما رفضت حكومة بنيامين نتنياهو أيّ دورٍ للسّلطة الفلسطينيّة في إدارة قطاع غزّة. وقد وجدَ ذلك دفعاً ترحيباً بعد اجتماعٍ خماسيّ عُقِدَ قبل أيّام في العاصمة السّعوديّة الرّياض. وقد ضمّ مسؤولين سعوديين وقطريين وإماراتيين وفلسطينيين. إذ ناقش ضرورة تشكيل حكومة فلسطينيّة جديدة بأسرع وقتٍ مُمكن. وحسمت السعودية النقاش لصالح أن يتولّى الرئيس أبو مازن إدارة الأوضاع في غزّة حتى إشعار آخر.
لكن حتّى اللحظة لم تستطع الولايات المُتحدة أن تحصل على موافقة إسرائيليّة على المُقترح. خصوصاً أنّ خطّة واشنطن تتضمّن إخلاء الكثير من مستوطنات الضّفّة الغربيّة، وتعهّداً إسرائيلياً رسمياً واضحاً بعدم إعادة احتلال أو إعادة الاستيطان في قطاع غزّة.
يقول المصدر العربيّ لـ”أساس” إنّ رئيس صندوق الاستثمار الفلسطيني محمد مصطفى، المُقرّب من أبي مازن، هو رئيس الحكومة المكلّف بتشكيل حكومة التكنوقراط الفلسطينيّة. وستحمل هذه الأخيرة “أثقال ما بعد الحرب”، وهي: إعادة الإعمار، وإصلاح السّلطة الوطنيّة الفلسطينيّة.
أثناء تنفيذ المرحلة الأولى من الخطّة، وربّما قبل ذلك، ستعمل واشنطن على دعم السّلطة الفلسطينيّة لتشكيل حكومة فلسطينية جديدة مؤقّتة من التكنوقراط
تكنوقراط: شخصيات اعتبارية علميّاً ومهنيّاً من غزّة
كما يكشف أنّ الدّوحة والقاهرة تعملان حثيثاً بين حركتَيْ “فتح” و”حماس” لتشكيل الحكومة من شخصيّات بعيدة عن “المشهد الفصائلي”. وأنّ رئيس المكتب السّياسيّ لحماس إسماعيل هنيّة أعرب لأمير دولة قطر الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني عن انفتاح الحركة لتشكيل حكومة فلسطينية جديدة من التكنوقراط. وأنّه أبدى موافقة مبدئيّة للدخول تحت مظلّة “مُنظّمة التحرير الفلسطينيّة”. وذلك ضمن مشروع سياسيّ واضح يفضي إلى إنشاء دولة فلسطينيّة على حدود حزيران 1967.
يقول المصدر إنّ كلّ هذا هو ضمن مسار عربيّ منبثق من المُقترح الأميركيّ، ويفضي إلى تبنّي ورقة مبادئ بين فتح وحماس تشمل النّقاط الآتية:
1- تشكيل حكومة فلسطينيّة جديدة ومُستقلّة بالتّوافق بين الفصائل. على أن يكون نصف أعضائها شخصيّات اعتباريّة علميّاً ومهنيّاً من غزّة.
2- العمل على وقف الحرب على قطاع غزّة وإطلاق عمليّة إعادة الإعمار وتعزيز الأمن والاقتصاد في قطاع غزّة بدعم عربيّ. في هذا الإطار، تكشف مصادر “أساس” أنّ أموال إعادة الإعمار ستكون في حسابٍ مُحايدٍ بإشراف الأمم المُتحدة وشركة تدقيق عالميّة.
3- تحقيق المصالحة الفلسطينيّة عبر انضمام حماس لمنظّمة التحرير.
زيارة رئيس السّلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس للعاصمة القطريّة الدّوحة الأسبوع الماضي تدخل في هذا الإطار. ولئن لم يلتقِ أبو مازن بإسماعيل هنيّة في قطر، إلّا أنّ الدّوحة والقاهرة لا تقفان عند “الشّكليّات”. والأهمّ هو التّوصّل إلى اتفاق فلسطينيّ.
إسرائيل أفرجت عن الأموال الفلسطينية
في هذا السّياق، علمَ “أساس” أنّ محمّد مصطفى أرسل إلى رئيس السّلطة محمود عبّاس لائحة بأسماء الوزراء المُقترحين بصيغة اسميْن لكلّ وزارة. على أن يختار أبو مازن منها الاسماء التي يراها مُناسبة. وقد تُبصر الحكومة النّور خلال أسبوع إن لم يطرأ أي جديد.
يكشف المصدران العربيّ والأميركيّ أنّ الخطّة مُعرّضة لعدّة عقبات أساسيّة. يمكن اختصارها باسمَيْ نتنياهو ويحيى السّنوار
كما أنّ وزارة الماليّة الإسرائيليّة حوّلت يوم الاثنيْن، بعد ضغوط أميركيّة، المُستحقّات الماليّة للسّلطة الفلسطينيّة عن عام 2023 في الضّفّة الغربيّة. أما حصّة غزّة فحُوِّلَت إلى حسابٍ مصرفيّ منفصل في النرويج. وذلك تفادياً لتحويل أيّ مبالغ قد تصل إلى حركة حماس أو مناصريها هُناك.
وتضمّ المرحلة الثّانية توسعة المفاوضات بين حماس وإسرائيل لإتمام صفقة التبادل حول الأسرى العسكريين. وتشمل أيضاً تمديد الهدنة وصولاً لوقفٍ لإطلاق النّار يكون مُعزّزاً لإطلاق عمليّة سياسيّة تطمح إليها واشنطن.
المرحلة الثّالثة: عمليّة سياسيّة واسعة وتطبيع
في حال كُتِبَ النجاح في المرحلتيْن، خصوصاً لناحية تمديد الهدنة عبر إطلاق مُفاوضات تبادل بقيّة الأسرى العسكريين بين حماس وإسرائيل، تبدأ المرحلة الثّالثة، التي تتضمّن إطلاق عمليّة سياسيّة واسعة النّطاق. أبرز بنودها هي تشكيل حكومة فلسطينية جديدة.
بحسب المعلومات تضمّ هذه المرحلة الآتي:
1- إعطاء ضمانات أمنيّة من الحكومة الفلسطينيّة الجديدة والولايات المُتحدة لإسرائيل، تتعلّق بعدم شنّ أيّ هجمات من قطاع غزّة نحوَ المُستوطنات والعمق الإسرائيليّ.
2- تعترف الولايات المُتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وعدد من الدّول الغربيّة بالدّولة الفلسطينيّة. ولم يكشف المصدر إن كانَ هذا الاعتراف سيأخذ بعين الاعتبار حدود الدّولة الفلسطينيّة.
3- تضغط واشنطن على تل أبيب لتفكيك عدد من مستوطنات الضّفّة الغربيّة. وهذه نقطة شائكة بحسب الأميركيين. إذ يصعب أو “يستحيل” إقناع حكومة اليمين الإسرائيلي بخطوة كهذه لسببَيْن:
الأوّل: الأيديولوجية اليمينيّة المُتطرّفة القائمة على ضمّ الضّفّة الغربيّة وغور الأردن، ورفض تقديم أيّ تنازل للفلسطينيين.
الثّاني: ينتمي أكثر مستوطني الضّفّة للأحزاب اليمينيّة مثل “الليكود” و”إسرائيل بيتنا” و”الحركة الصّهيونيّة الدّينيّة” و”شاس”.
لا يستبعد المصدر الأميركيّ أن تلجأ الإدارة الأميركيّة، إن فاز بايدن في الانتخابات الأميركيّة، إلى فرض “عقوبات قاسية” على مُعرقلي عمليّة السّلام من فلسطينيين وإسرائيليين.
1- سحب السّلاح من الفصائل الفلسطينيّة غير الرّسمية وتعزيز أجهزة أمن فلسطينيّة تتولّى الأمور في الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة.، بعد تشكيل حكومة فلسطينية جديدة.
علمَ “أساس” أنّ محمّد مصطفى أرسل إلى الرئيس عبّاس لائحة بأسماء الوزراء المُقترحين بصيغة اسميْن لكلّ وزارة. على أن يختار أبو مازن منها الاسماء التي يراها مُناسبة
2- تُقدّم تل أبيب ضمانات بعدم احتلال أيّ جزءٍ من قطاع غزّة، وعدم ضمّ أيّ أراضٍ في الضّفة الغربيّة وغور الأردن.
3- إعادة الزّخم للمفاوضات الأميركيّة مع السّعودية بشأن الاتفاق الاستراتيجي الذي يتضمّن تطبيعاً للعلاقات بين تل أبيب والرّياض. لكنّ هذه النّقطة أيضاً دونها عقبة أساسيّة. وهي إصرار المملكة على التزام تل أبيب إنشاء دولة فلسطينيّة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشّرقيّة. وهذا يتطلّب سحباً أميركيّاً للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. كما أنّ الحكومة الإسرائيليّة الحاليّة والمُستقبليّة ليسَت بوارد المُضيّ بطرح كهذا بسبب طغيان اليمين عليها.
لكنّ واشنطن تعتبر أنّ التطبيع مع السّعوديّة عامل مُغرٍ لإسرائيل. إذ تُعتبر هذه الخطوة مفتاحاً أساسيّاً في إطار حلّ الصّراع العربيّ – الإسرائيليّ، والإسلاميّ – اليهوديّ. وذلك نظراً لدور المملكة ومكانتها على السّاحتيْن العربيّة والإسلاميّة، ورمزيّتها الدّينيّة لدى المُسلمين.
قلق أميركيّ – عربيّ: عقبتا السنوار وبيبي
يكشف المصدران العربيّ والأميركيّ أنّ الخطّة مُعرّضة لعدّة عقبات أساسيّة. يمكن اختصارها باسمَيْ بنيامين نتنياهو ورئيس حماس في غزّة يحيى السّنوار. إذ إنّ كلا الرجلين يملكان أدوات “تخريب الاتفاق”:
الأوّل: رهينة طموحه إلى الخروج الآمن من السّلطة، وضمان مستقبله السّياسيّ، وهذا لا يعطيه إيّاه أحد سوى واشنطن.
الثّاني: قد لا يكون راضياً عن حلّ كهذا إذا لم يأخذ بالاعتبار رأي الجناح العسكريّ لحماس. فهذا الأخير يُعتبر أكثر تشدّداً من الجناح السّياسيّ الذي بات يُظهر ليناً بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السّياسيّ صالح العاروري في لبنان.
إسرائيل ليست بوارد التنازل عن الشّطر الشرقي من القدس للفلسطينيين، ولا سحب المستوطنات من الضّفّة الغربيّة
قد تكون خطّة ماكغورك طموحة. لكنّ الأيديولوجية اليمينيّة المُتصاعدة في إسرائيل قد تكون أوّل المطبّات أمامها.
إذ إنّ الكنيست الإسرائيليّ وافق على مُقترح نتنياهو وبيني غانتس لرفض الاعتراف الأحادي الجانب بالدّولة الفلسطينيّة.
يُضاف إلى كلّ هذا خطّة نتنياهو لليوم التّاليّ، التي تُناقض روحيّتها المُقترح الأميركيّ وفيها تصرّ إسرائيل على تعيين سلطة تُدير قطاع غزّة بعيداً عن رغبة الفلسطينيين. في صورةٍ تعكس نيّة إعادة احتلال سياسيّ وأمنيّ لغزّة. بغضّ النظر عن السعي لتشكيل حكومة فلسطينية جديدة تحكم غزّة.
إقرأ أيضاً: غزّة: إعلان “الحركة” حكومة يكشف خلافات قادتها على الهدنة؟
كما أنّ إسرائيل ليست بوارد التنازل عن الشّطر الشرقي من القدس للفلسطينيين، ولا سحب المستوطنات من الضّفّة الغربيّة. خصوصاً بعد موافقة الحكومة على إنشاء 3,000 وحدة استيطانيّة جديدة، وتشديد الإجراءات لدخول المُصلّين إلى المسجد الأقصى في شهر رمضان وإصرارها على عمليّة رفح بمعزلٍ عن نجاح التهدئة أو عدمه.
لمتابعة الكاتب على X: