غزّة: إعلان “الحركة” حكومة يكشف خلافات قادتها على الهدنة؟

مدة القراءة 8 د

تحت غبار مفاوضات الهدنة وخطط “اليوم التالي” وتوقّع حكومة فلسطينية جديدة، وتعثّر هدف بنيامين نتنياهو المتمثّل في القضاء على “حماس”، بشهادة المستوى العسكري في الدولة العبرية… نجحت “حرب التجويع” والقتل للغزّيّين بانتزاع تنازلات من الحركة حول شروطها لصفقة التبادل، وخلقت إرباكات داخل قيادتها.

كان لافتاً بروز عدّة ظواهر في الأيام الماضية، عن واقع غزّة المأساوي وعن الصعوبات السياسية التي تحاصر جهود وقف الحرب. أهمّها السباق بين “فتح” و”حماس” على تشكيل حكومة فلسطينية جديدة تتصدّى لـ”اليوم التالي” في القطاع. من هذه الظواهر نعدّد الآتي:

حملة ضدّ حماس في القطاع؟

أوّلاً: انتشار لقطات فيديو على بعض مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها منصّة “إكس”، لشبّان ورجال في غزة، على قلّة أعدادهم، يتظاهرون ويهتفون مطالبين بـ”كيس طحين”. ويدعون “حماس” إلى وقف الحرب لأنّهم لم يعودوا يحتملون دمويّة إسرائيل المتصاعدة والجوع.

فيديو آخر يدعو “حماس” إلى الرحيل طالب فيه المتحدّث بـ”السلام”، اعتراضاً على منع المساعدات الإنسانية عن النازحين والمنكوبين… هذا على وقع استمرار المجازر التي يسبّبها القصف الإسرائيلي على مدار الساعة. وتُبرِز الفضائيّات مناظرها القاسية في ما بقي من مستشفيات، في شمال ووسط وجنوب غزة وفي مدينة النازحين رفح. يقود ذلك إلى جملة استنتاجات، قبل الخوض في موضوع حكومة فلسطينية جديدة:

– لا شكّ أنّ الدعاية الإسرائيلية التقطت المناسبة وروّجت لهذه الفيديوهات. لكنّ ذلك لا ينفي وجود حالة إعياء ويأس لدى شريحة من الغزّيين، الذين أنهكت الآلة العسكرية الإسرائيلية صمودهم.

– معارضو الحركة ومنافسوها فعلوا الشيء نفسه من منطلقات مختلفة… تتعلّق بالخلافات الفلسطينية الداخلية حول اتّخاذ قرار عملية “طوفان الأقصى” من دون التهيّؤ للعواقب.

تراجع في المطالب… وعجز عربيّ وإيرانيّ

– فعلت “حرب التجويع” فعلها، على الرغم من احتفاظ المقاومة، باعتراف جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالمبادرة في مواصلة العمليات ضدّ وحداته، وذلك في شمال ووسط القطاع. وهي أنزلت خسائر بشرية مهمّة في صفوفه.

نفى رموز حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية الاتفاق على الحكومة، وتعاطوا مع هذا الإعلان باتّهام “حماس” بالتفرّد

كما تقصّدت إسرائيل منع دخول مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية المصطفّة عند معبر رفح. والهدف هو إضعاف الجبهة الداخلية للفصائل وبيئتها الشعبية الحاضنة وتأليب جزء من الغزّيين عليها. وربّما هذا ما سرّع في إعلان “حماس” تشكيل حكومة فلسطينية جديدة في غزّة. فقد أعلن مصدر قيادي في “حماس” التالي: “تعاملنا بإيجابية مع مفاوضات الهدنة لإنهاء معاناة شعبنا ووقف حرب الإبادة”. وأوضح مصدر قيادي في الحركة لتلفزيون “الشرق” أنّها “أبدت مرونة في ثلاث نقاط هي:

– مدّة وقف إطلاق النار في غزة.

– وعدد أسرى المرحلة الأولى من اتفاق التبادل المحتمل مع إسرائيل.

– وحدود الانسحاب الإسرائيلي من القطاع”.

بدا واضحاً التراجع عن الشروط السابقة، أي وقف الحرب والانسحاب الإسرائيلي من كلّ المناطق وعودة النازحين وإدخال المساعدات… حيث ساهم الوسيطان مصر وقطر في تليين موقف “حماس” بناء على طلب من الولايات المتحدة الأميركية.

– “حرب التجويع” كرّست فشلاً دولياً وعربياً وإيرانياً في الضغط لإدخال المساعدات الإنسانية. وهذا سينعكس على الأدوار السياسية اللاحقة، إن في إدارة الصراع أو في شأن الحلول المطروحة للحرب.

التباينات حول إعلان الحكومة

ثانياً: أعلن عضو قيادة “حماس” أسامة حمدان من بيروت يوم الجمعة الماضي عن اتفاقها مع “الفصائل” على تشكيل حكومة فلسطينية. وستكون “مهمّتها إغاثة الشعب الفلسطيني وإطلاق عملية إعمار قطاع غزة، والإعداد لانتخابات فلسطينية”.

ظهر تناقض بين ما قاله حمدان وبين ما أعلنه قياديون آخرون وما تسرّب من معلومات عن بعضهم، سواء بالنسبة إلى مفاوضات الهدنة أو بالنسبة إلى تشكيل الحكومة. من هذه الوقائع:

– لم يحدّد حمدان هل كانت الحكومة لغزّة أم تشمل الضفة الغربية. ولم يشِر إلى الفصائل التي اتّفق معها عليها.

– تبرّأ القيادي في “حماس” محمد النزّال في حديث لمحطة “العربية” من هذا الإعلان حين سُئل عنه، إذ أجاب: “اسألوا أسامة حمدان… الأولوية بالنسبة للحركة هي إنهاء العدوان، وانسحاب قوات الاحتلال، ووقف التجويع وإدخال الإغاثة والمساعدات الإنسانية. وعندها ننتقل إلى مسألة حكومة فلسطينية جديدة. وهي ليست مسألة عاجلة”.

تقصّدت إسرائيل منع دخول مئات الشاحنات المحمّلة بالمساعدات الإنسانية المصطفّة عند معبر رفح. بالهدف إضعاف الجبهة الداخلية للفصائل وبيئتها الشعبية الحاضنة

– نفى رموز حركة “فتح” والسلطة الفلسطينية الاتفاق على الحكومة، وتعاطوا مع هذا الإعلان باتّهام “حماس” بالتفرّد، لأنّ أيّ حكومة يفترض أن تنبثق من منظمة التحرير الفلسطينية.

رسالة للأميركيّين أم تباين داخل القيادة؟

– قالت مصادر فلسطينية حيادية لـ”أساس” إنّ إعلان حكومة فلسطينية جديدة من جانب “حماس” لم يأتِ نتيجة التوافق المطلوب، الذي تعمل لأجله أكثر من دولة: من قطر إلى القاهرة وموسكو وأنقرة… وأوضحت المصادر أنّ الحوار يُفترض أن يتمّ بدايةً حول موقف الحركة من منظمة التحرير الفلسطينية وكيفية انضواء الحركة في مؤسّساتها والأسس السياسية لذلك، ثمّ معالجة مسألة الاعتراف بإسرائيل في إطار حلّ الدولتين.

ذهبت هذه المصادر إلى التكهّن بأنّ مبادرة فريق في الحركة إلى هذا الإعلان هي “رسالة موجّهة للأميركيين حول استعداد الحركة أو بعض قادتها للانضواء في حكومة جديدة، وإعادة ترتيب أوضاع السلطة الفلسطينية” التي تطالب بها واشنطن منذ شهر تشرين الأول الماضي.

– صنّفت مصادر عدّة مواكِبة للجهود المبذولة لتوحيد الموقف الفلسطيني، هذا الإرباك في شأن مواقف قادة الحركة إزاء الهدنة والحكومة، بأنّه أحد أوجه التباين بين قيادة غزة في الخارج وقيادتها في الداخل التي يتزعّمها يحيى السنوار.

استباق لحوار الدوحة أم لاجتماع موسكو؟

– استبق حمدان بإعلانه تشكيل حكومة فلسطينية جديدة في غزّة الجهود التي وعدت قطر الرئيس الفلسطيني محمود عباس حين زارها في 11 شباط الجاري ببذلها لأجل توحيد الموقف الفلسطيني. كما استبق إعلان رئيس حكومة فلسطين محمد اشتيّة وضع استقالته بتصرّف عباس أمس.

حكومة فلسطينية

وعلم “أساس” أنّ الدوحة أبلغت عباس بأنّها ناقشت الأمر مع قيادة “حماس” المقيمة في الدوحة. وأنّها لمست استعداداً إيجابياً من هذه القيادة لتوحيد الموقف الفلسطيني وإنهاء الانقسام. لكنّها ستفعِّل مساعيها حوله بعد الانتهاء من ترتيب الهدنة المؤقّتة التي يجري التفاوض في شأنها.

– الإعلان الحمساويّ عن تشكيل حكومة فلسطينية من جانب واحد، استبق بثلاثة أيام الحوار الذي تستضيفه وزارة الخارجية الروسية منذ أمس. وهو يشمل الفصائل الفلسطينية كافّة، ولا سيما “فتح” و”حماس”.

 مصادر فلسطينية حيادية لـ”أساس”: إعلان “حماس” حكومة فلسطينية لم يأتِ نتيجة توافق تعمل لأجله أكثر من دولة

لفتت موسكو، حسبما نقل عنها زوّارها لـ”أساس”، انتباه قادة حماس إلى “أنّكم تطلعون بآراء متضاربة”، في إشارة إلى الوقوف تارة مع حلّ الدولتين، وتارة أخرى مع الدولة. وفي شأن وحدة المرجعية قالت موسكو: “لا بدّ لكم من أن تتّفقوا ليكون الموقف موحّداً في أيّ مفاوضات”. ولذلك دعت الفصائل إلى الحوار آملةً الخروج بإنهاء الانقسام، وسيعقب اجتماع الفصائل محادثات روسيّة مع الرئيس عباس لهذا الغرض.

إسرائيل في وادٍ آخر

جرى كلّ ذلك، من مشادّات فلسطينية حول حكومة فلسطينية جديدة. في وقت كانت أحداث الميدان بعيدة عمّا يضمره الفرقاء الفلسطينيون والدول المعنيّة وعمّا تخطّط له إسرائيل. سواء ميدانياً أو في صدد المرجعية الفلسطينية في غزة.

هناك خطّة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لـ”اليوم التالي” التي تبنّتها حكومته الأسبوع الماضي ولقيت رفضاً مبدئياً من دول غربية. وقد نصّت على أنّ “الإدارة المدنية والمسؤولية عن النظام العامّ في القطاع سترتكز على مسؤولين محلّيين ذوي خبرة إدارية غير مرتبطين بدول أو كيانات تدعم الإرهاب، ولن يتلقّوا أيّ أموال منها”.

شرح مسؤول إسرائيلي للقناة 12 الإسرائيلية المقصود بالحديث عن “تعيين فلسطينيين لا ينتمون إلى حركة “حماس” لإدارة الشؤون المدنية”. فأعلن أنّها ستكون في مناطق من غزة يتمّ تحديدها لتكون “أرض اختبار” لإدارة القطاع بعد الحرب. وأشار إلى أنّه “سيتمّ منع السلطة الفلسطينية من أن تكون شريكاً في هذه المناطق، التي وصفها بـ”الجيوب الإنسانية”، بسبب عدم إدانتها لهجوم السابع من أكتوبر”.

إقرأ أيضاً: هل ثمّة شيء اسمه “وكلاء إيران”؟

أوضحت القناة 12 الإسرائيلية أنّ “حيّ الزيتون بشمال مدينة غزة مرشّح لتنفيذ الخطّة، ففيه سيقوم التجّار المحلّيون وقادة المجتمع المدني بتوزيع المساعدات الإنسانية”. وهذا ما يفسّر أحد أسباب اشتداد المعارك في حيّ الزيتون في الأيام الماضية.

هكذا يكون نتنياهو في وادٍ، و”حماس” و”فتح” في وادٍ آخر. ويلتقي الواديان في “من سيحكم غزّة”: حكومة فلسطينية جديدة تديرها الحركة أم حكومة وحدة وطنية يعيّنها محمود عباس أم حكومة محلّية “بلديّة” يعيّنها نتنياهو؟

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

عشتم وعاش لبنان

الأخبار تقول إن المبعوث الأمريكي هوكستين عائدٌ إلى لبنان ومنها إلى إسرائيل، حاملاً معه بشائر وقف الحرب، والذهاب إلى تسوية سياسية، أساسها تطبيق القرار 1701،…

هل يقدّم ترامب هدايا لروسيا والصّين وإسرائيل؟

تتحدّث وسائل الإعلام عن مسار جديد للسياسات الأميركية في عهد الرئيس المنتخَب دونالد ترامب تجاه سائر المشكلات. ويستندون في ذلك إلى تعييناته للمتطرّفين في إدارته،…

وقف النّار: خِدَع أميركا ومناورات إسرائيل وإيران؟

تواجه أجواء التفاؤل بالتوصّل إلى وقف النار بين إسرائيل ولبنان أسئلة حول فرص نجاح الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين بالمهمّة. ومع اعتقاد البعض بأنّ المحاولة…

إيران ولبنان… في انتظار لحظة الحقيقة!

جاء علي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي إلى بيروت ليؤكّد أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” حاضرة في لبنان، بل حاضرة أكثر من أيّ وقت. قال…