لم يكن مجرّد مصادفة تزامُن الحديث عن تقدّمٍ على خطّ الحوار الرئاسي بين النائب جبران باسيل والرئيس نبيه بري مع تجاوز الخلاف بين باسيل والحزب الخطوط الحمر إلى حدّ التسليم بكسر الجرّة بين الحليفين. فهل نقل باسيل البارودة من الضاحية إلى عين التينة؟
حَمل الخطاب الأخير للنائب باسيل جملة رسائل بكلّ الاتجاهات زبدتها تحذيره الحزب من أنّه “سيتحمّل وحده مسؤولية الحرب إذا وقعت… وسأكون ضدّك”، إضافة إلى مسؤولية الحزب عن “اختياره رئيساً نيابة عن المسيحيين وتغطية المسار الانحرافي والمتسلّط لحكومة نجيب ميقاتي”.
اللافت في كلام باسيل تحييده الرئيس برّي واتّهامه الحزب، أقلّه علناً، دون غيره من القوى السياسية بتغطية ممارسات الحكومة و”إنو بتقدروا تحكموا سنين بلانا وبلا رئيس، وإلا اقبلوا بالرئيس يللي اخترنالكم ياه”.
كان نائب “التيار الوطني الحر” سيزار أبي خليل أكثر وضوحاً في حديثه إلى برنامج “أساس الحكي” بالحديث صراحة عن “عملية ابتزاز يمارسها الحزب علينا بتغطيته المجزرة الدستورية التي تَحدُث في الحكومة للضغط علينا من أجل القبول بمرشّحه الرئاسي”، ذاهباً أبعد من ذلك باتّهام الحزب بشكل غير مباشر بمساعدة إسرائيل في تنفيذ سياساتها عبر القول: “السياسة المُتَّبعة (من قبل الحزب) بضرب الشراكة الوطنية عبر تغطية استباحة صلاحيات رئيس الجمهورية تعزّز شعور الفرقة بين اللبنانيين، وهو المشروع الإسرائيلي لتقسيم المنطقة الى دويلات طائفية”.
قمّة المفارقات أنّ من نَسَف باسيل بسَبَبه تفاهم “مار مخايل” متّهماً الحزب بأنّه “سَكَت عن ارتكابات أزلامه داخل الدولة فأطاح ببند بناء الدولة ومحاربة الفساد في وثيقة التفاهم”، يشبك اليدَ معه اليوم أملاً بالوصول إلى تفاهم رئاسي مع “دولة الرئيس برّي”.
تقول مصادر مقرّبة من باسيل لـ “أساس” إنّ “القاضي الياس أصبح في ملعب ميقاتي منذ فترة طويلة
جولة “الملاكمة” من طرفٍ واحد، بعدما أصدرت قيادتا الحزب و”حركة أمل” تعميماً بعدم الانجرار إلى السجال مع باسيل، تشكّل جزءاً من مشهد أوسع يتجاوز الداخل نحو أصحاب الحلّ والربط في الخارج، لكن يعود في نهاية المطاف لتصبّ نتائجه الحتمية في لبنان. وربّما إحدى أهمّ ركائز هذا المشهد عودة الحيويّة إلى مفاصل عمل “اللجنة الخماسية” فرع بيروت من دون تلمّس أيّ أفق لها حتى الآن.
بين قطر وباسيل
بعد لقاء قصر الصنوبر لم يكن أمراً عابراً استضافةُ السفير السعودي وليد البخاري مجموعة من الصحافيين في دارته لوضعهم في آخر أجواء نشاط الخماسية و”مطبخها الداخلي” بالتزامن مع استضافة السفير الإيراني مجموعة أخرى من الإعلاميين.
يتوقّف مصدر مطّلع على كواليس حراك الخماسية عند معطيَين لافتين في الأيام الماضية:
– الأوّل: تقدّم محور التنسيق السعودي-الإيراني في شأن أيّ خطوة رئاسية جدّية قد تفضي إلى الوصول إلى اسم “المرشّح الثالث“، بعدما وضعت الخماسية مرحلة فرنجية-أزعور خلف ظهرها، وهنا الاحتمالات الرئاسية مفتوحة وغير محصورة باسم واحد. للمفارقة نُقل عن مرجعية لبنانية قولها: “معادلة فرنجية-أزعور سقطت حتماً منذ جلسة 14 حزيران، لكنّ هذا لا يعني أنّ الخيارات الرئاسية المفتوحة ستستثني اسم فرنجية، وذلك حتى لحظة الحسم الأخيرة”.
– الثاني: في مقابل تأكيد “مطبخ باسيل” أنّ ورشة الحوار، خصوصاً على خطّ برّي-باسيل، وإدارة المرحلة تتمّان برعاية قطريّة مع نعي الدور الفرنسي، تنفي الدوحة عبر وزير خارجيّتها وسفيرها في لبنان أيّ “نشاط رئاسي” لموفدها في لبنان جاسم بن فهد آل ثاني، وتحرص على تأكيد عدم وجود “مشروع قطريّ” لقيادة “اللجنة الخماسية” باتّجاه رئاسي محدّد.
نقمة على “الريّس فادي“
هذه المعطيات المُستجدّة التي قد تكون مقرّرة في تحديد مصير باسيل الرئاسي لا تحجب المدى الذي ذهب إليه الأخير في فتح جبهات في الداخل.
باسيل يوسّع جبهات المواجهة ضدّ الحزب والفرنسيين وصولاً إلى آخر رجالات ميشال عون في “منظومة العهد” القاضي فادي الياس
يبدأ الأمر من كسر آخر الجسور مع الحزب والرهان على “وصفة” قطرية تحديداً تزكّي خيار موافقة باسيل أوّلاً على المرشّح ثمّ “التصديق” عليه في الضاحية، ولا ينتهي بفتح معركة ضدّ أحد الرجالات الذين اختارهم ميشال عون في بداية عهده ليكونوا إلى جانبه ثمّ انقلبوا عليه، وفق التوصيف العوني، وهو رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس.
هكذا أقحم باسيل “الريّس فادي” في معركته المفتوحة ضدّ الحزب وميقاتي حين لوّح أخيراً بالطعن أمام مجلس شورى الدولة بقرار تعيين رئيس أركان تمّ بتغطية الحزب قائلاً: “إذا بالشورى ما بيوقف قرار أو مرسوم مأخوذ من دون اقتراح وتوقيع الوزير يعني ما في شورى دولة. ونحن ما رح نسكت على رئيسه وقضاته. نحن سنطعن حتى إذا لم يصدر المرسوم، ولن نسكت على أيّ قرار مسيّس للشورى”.
… حتّى وزير العدل!
تقول مصادر مقرّبة من باسيل لـ “أساس” إنّ “القاضي الياس أصبح في ملعب ميقاتي منذ فترة طويلة. نحن نعلم أنّه فجأة “رِكِب الموجة العونيّة” حين تبيّن أنّ لديه فرصة لتعيينه رئيساً للشورى، فوضع الرئيس عون ثقته به، لكن لم يطُل الأمر حتى انقلب عليه. وآخر مآثره تنسيق القاضي الياس المفضوح مع ميقاتي في شأن تغطيته، بالقانون، لتعيين رئيس أركان فقط دون بقيّة أعضاء المجلس العسكري. ونحن لن نسكت”.
فادي الياس الذي يوصف بالقاضي “الآدميّ وصاحب الخبرة” ترك لمكتب ميقاتي أن يردّ على ما سيق ضدّه من اتّهام باسيليّ، فنفى السراي في بيان “استشارة رئيس الحكومة للقاضي الياس في شأن مسألة التعيين، وعدم حصول تواصل بينهما في شأن هذا الملفّ أو غيره”.
جولة “الملاكمة” من طرفٍ واحد، بعدما أصدرت قيادتا الحزب و”حركة أمل” تعميماً بعدم الانجرار إلى السجال مع باسيل
كما كان لافتاً أنّ وزير العدل هنري خوري المحسوب ضمن الحصّة الباسيليّة في الحكومة، لكن المتّهم من العونيين أيضاً بـ “نقل البارودة”، أصدر بياناً تحدّث فيه عن “افتراءات وافتراضات للتأثير على نتيجة الطعن وقرار “الشورى” في حال تقديم دعوى قضائية بتعيين رئيس الأركان”، معتبراً أنّ “هذه المحاولات لن تجدي نفعاً لدى القاضي الياس وأعضاء المجلس المعروفين بمناقبيّتهم واحترامهم تطبيق القوانين والأصول”.
إقرأ أيضاً: قضاة وأمنيّون يَحكمون “دولة بالوكالة”
في المقابل، يحمل الباسيليّون مضبَطة اتّهام بحقّ الياس بدءاً من “دوره المشبوه في تمديد عقد سوليدير عبر نقل الملفّ من يد المستشارة المقرّرة في الشورى القاضية ريتا كرم إلى يد القاضية فاطمة الصايغ عويدات المقرّبة من سعد الحريري، و”أخِذ طرف” مع المصارف في حربها ضدّ مصرف لبنان والمودعين، وتغطية مخالفة الدستور بتعيين رئيس الأركان”.
لمتابعة الكاتب على X: