أوكرانيا تهدّد مستقبل بايدن والناتو

مدة القراءة 5 د

يبدو أنّ ورقة أوكرانيا ستكون رابحة بيد حملة المرشّح الرئاسي دونالد ترامب. فهو يسعى إلى سحبها من منافسه الرئيس جو بايدن. وفي حال فاز في الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإنّه قد يهدّد مستقبل حلف الناتو. وليس فقط علاقة أميركا لهذا الحلف.

أعادت الحرب في أوكرانيا الحرارة والأهمّية إلى حلف الناتو. وعزّزت وحدة أوروبا في مواجهة الخطر الروسي. لكنّها قد تكون سبباً لزعزعة العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. بعدما تحوّل الاستمرار في دعم الحرب إلى موضوع خلافي داخلي أميركي في سنة الانتخابات الرئاسية. وإلى موضوع أساسي في المواجهة بين المرشّحين، دونالد ترامب وجو بايدن.

الانتقادات القاسية التي وجّهها دونالد ترامب إلى حلف الناتو حين كان رئيساً لم تندثر. بل عادت مجدّداً إلى الظهور بقوّة مع احتدام السجال في الحملات الانتخابية.

أثار ترامب قلقاً بين أعضاء حلف الناتو من خلال انتقاداته المتكرّرة للحلف وأعضائه. وخاصة في ما يتعلّق بإنفاقهم الدفاعي.

أحد أبرز تصريحاته كان تهديده بتقليل الدعم العسكري الأميركي أو الانسحاب المحتمل من الناتو إذا لم يزِد أعضاء الحلف الآخرون إنفاقهم الدفاعي لتحقيق الهدف الموصى به من قبل الناتو. وهو 2% من إجمالي الناتج المحلّي. كان هذا الموقف انحرافاً كبيراً عن سياسة الولايات المتحدة السابقة، التي كانت تؤكّد عادةً على التضامن والدفاع الجماعي تحت مظلّة الناتو.

أعادت الحرب في أوكرانيا الحرارة والأهمّية إلى حلف الناتو. وعزّزت وحدة أوروبا في مواجهة الخطر الروسي

“لن نساند دولة لم تدفع”

تصريحاته الأخيرة لمّحت إلى أنّ الولايات المتحدة لن تهبّ لمساعدة أيّ دولة من الناتو تتخلّف عن دفع مستحقّاتها. هذا في حال عاد إلى البيت الأبيض، وفي حال تعرّضت لهجوم من قبل روسيا. تصريحات أثارت مخاوف بشأن التزام الولايات المتحدة بمبدأ الدفاع الجماعي. وهو حجر الزاوية في الناتو.

وأدّت تصريحاته إلى خلق حالة من عدم اليقين حول مستقبل الحلف ودور الولايات المتحدة داخله. دفع هذا القلق أعضاء الناتو إلى بدء النقاش الجدّي بشأن التغيّرات المحتملة في السياسة الخارجية الأميركية وتأثيرها على الأمن والاستقرار العالميَّين. قد يكون الرئيس جو بايدن آخر الساسة الأميركيين الذين عايشوا الحرب الباردة ويدرك أهمّية التحالف العسكري مع أوروبا. وهو ما قد يدفع دول الاتحاد الأوروبي إلى البحث جدّياً عن خيارات أخرى لتعزيز أمنها في مواجهة تهديدات روسيّة مستقبلية.

حلف الناتو، الذي أُسّس على مبدأ الدفاع الجماعي، واجه اختباراً حاسماً في الردّ على العدوان الروسي في أوكرانيا. الولايات المتحدة، تحت إدارة بايدن، أعادت تقويم موقفها تجاه الناتو. فعزّزت التزامها بالحلف من خلال قيادة استجابة متناسقة لدعم أوكرانيا.

لكنّ معارضة الحزب الجمهوري لتقديم مساعدات جديدة لدعم أوكرانيا، تشير بوضوح إلى أنّ مستقبل العلاقات مع الناتو ومقاربة الحرب في مواجهة لا يخضعان فقط لوجهة نظر ترامب. إنّما أصبحا من المواضيع التي ينقسم حولها الديمقراطيون والجمهوريون.

أوكرانيا

سحب ورقة أوكرانيا من بايدن

تعتقد إدارة بايدن أنّ هزيمة روسيا في أوكرانيا قد تكون أهمّ إنجاز لإدارة بايدن في السياسة الخارجية. خصوصاً بعد اندلاع الحرب في غزة وفشل التوصّل إلى اتفاق مع إيران في ما يخصّ ملفّها النووي.

فشل الهجوم العسكري الأوكراني في العام الفائت في تحقيق الأهداف المرجوّة، شجّع الجمهوريين وحملة ترامب على التركيز على الكلفة الباهظة لتمويل الحرب دون نتيجة حاسمة من أجل سحب ورقة أوكرانيا من لائحة إنجازات بايدن. وستتلازم المعارضة الجمهورية لتمويل الحرب في أوكرانيا مع التشكيك في الاستمرار بدعم الناتو، وتؤسّس لمزيد من التباعد عن دول الحلف.

يبدو أنّ ورقة أوكرانيا ستكون رابحة بيد حملة المرشّح الرئاسي دونالد ترامب. فهو يسعى إلى سحبها من منافسه الرئيس جو بايدن

سارعت إدارة بايدن إلى احتواء انتقادات ترامب وتعثّر إرسال المساعدات لكييف. فكانت تطمينات نائبة الرئيس كاميلا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى التزام واشنطن بمبادئ حلف الناتو. وبالعلاقات مع أوروبا، في مؤتمر ميونيخ للأمن.

العلاقة تنتظر تحدّياً استراتيجياً جديداً

كانت علاقة الولايات المتحدة بحلف الناتو معقّدة بشكل كبير. خاصة في أعقاب الحرب الأوكرانية وخلال الفترة المضطربة لإدارة الرئيس السابق ترامب. بعد أن نجح في زرع القلق لدى الدول الأعضاء من إمكانية الاعتماد على واشنطن على المدى الطويل.

تاريخياً، كانت الولايات المتحدة عضواً رئيسياً في الناتو. حيث لعبت دوراً محوريّاً في القرارات الاستراتيجيّة ومبادرات الدفاع للحلف. وتراجع واشنطن عن دعمها وقناعتها بأهميّة دور الناتو في حماية أمنها ومصالحها الحيوية، سيكون له تأثير كبير على مستقبل الحلف. وعلى العلاقات الأميركية مع الحلفاء التقليديين في أوروبا.

إقرأ أيضاً: لماذا اشترطت “حركة غزّة” أن تضمن روسيا اتّفاقها مع إسرائيل؟

تلجأ الدول الغربية، وتحديداً الولايات المتحدة، إلى حلف الناتو عند كلّ حادث أمنيّ كبير. مثل اعتداءات 11 أيلول. وأخيراً اجتياح روسيا لأوكرانيا. أمّا في ما يخصّ الصراعات الإقليمية فإنّ دول الحلف كانت دائماً على خلاف فيما بينها. كما حصل حين قرّرت واشنطن اجتياح العراق. بانتظار تحدٍّ جديد للمصالح الغربية في العالم فإنّ التشكيك في أهمّية حلف الناتو ومستقبله سيبقيان موضوع قلق في أوروبا، وملفاً شائكاً في واشنطن.

لمتابعة الكاتب على X:

 mouafac@

 

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…