إسقاط رفح للهدنة يخذل رغبة الحزب بالانكفاء جنوباً

مدة القراءة 6 د

سيحاول رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو استثمار العملية الخاصة التي نجح الجيش في تنفيذها بتحرير اثنين من الرهائن المحتجزين لدى “حماس” في رفح أول من أمس، من أجل تبرير إصراره على اقتحام منطقة رفح التي باتت محطّ أنظار العالم، نظراً إلى ما يمكن أن تخلّفه عمليّته هذه من مجازر، وسط مئات آلاف المدنيين الفلسطينيين النازحين من جحيم الآلة العسكرية الإسرائيلية في شمال ووسط غزة، ظنّاً منهم أنّ رفح آمنة على حدود مصر.

سقوط زهاء مئة قتيل فلسطيني، كما أعلنت حكومة غزة، أثناء تحرير الرهينتين الذي استغرق ساعتين، نموذج مصغّر عمّا يمكن أن تخلّفه عملية عسكرية واسعة على رفح.

هذا والصورة ما زالت غير مكتملة للحكم هل كان اقتحام رفح سيحصل فعلاً وبتأييد أميركي، مع ما يمكن أن يتسبّب به من رفع لمنسوب توسيع الحرب، أم التلويح بالاقتحام هدفه الضغط من أجل خفض مطالب “حماس” في مسوّدة صفقة التبادل والهدنة التي سيناقشها اجتماع أميركي مصري قطري إسرائيلي في القاهرة اليوم؟

تهديد القاهرة بتعليق معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل سيشكّل في حال بلغت الأمور هذا الحدّ نتيجة الجموح الإسرائيلي نحو اقتحام رفح، يعود إلى تسريبات بأنّ العملية العسكرية الإسرائيلية تشمل تنفيذ اقتحام من محاور عدّة

 نتنياهو يتقن استثمار الانتخابات الأميركيّة

يشتهر نتنياهو بأنّه أقدر المسؤولين الإسرائيليين على مخاطبة الرأي العامّ الأميركي، ولذلك يتقن وضع الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي بات أسير الانتخابات الأميركية، بين خيارين من أجل انتزاع تأييده للعملية العسكرية التي ينوي شنّها على رفح:

– إمّا أن يراعي الرئيس الأميركي الموجة التي تنامت وسط مناصري الحزب الديمقراطي المعترضة على دعم واشنطن لمواصلة إسرائيل حربها في غزة. وهي موجة تشمل أربعاً إلى خمس ولايات أميركية حيث أصوات الأميركيين المسلمين أو من أصل عربي، والمواطنين السود، فضلاً عن قطاع الشباب الذين شاركوا في تظاهرات التنديد بالمجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في غزة. وجميع هؤلاء يطالبون بايدن بلجم الدولة العبريّة.

– أو أن يراعي بايدن الثقل الانتخابي للّوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، وبالتالي خطط إسرائيل لاقتحام رفح من دون التوقّف أمام الخسائر الإضافية بين المدنيّين الفلسطينيين.

تأييد أميركيّ للاقتحام… ومفاوضات التبادل تترنّح

استبق نتنياهو المكالمة الهاتفية التي جرت بينه وبين بايدن بإجراء مقابلتين مع محطّتين أميركيّتين خاطب من خلالهما الرأي العامّ الأميركي، قال فيهما إنّ دعوة إسرائيل إلى عدم دخول رفح لتدمير أربع كتائب لـ”حماس”، يعني خسارة الحرب… وأنّ النصر بات قريباً. دفع ذلك بايدن إلى أن يقول له، كما جاء في بيان البيت الأبيض عن مكالمتهما الهاتفية الأحد، إنّ “هدفنا المشترك هزيمة حماس وضمان أمن إسرائيل وشعبها على المدى الطويل”. جاء ذلك في معرض إشارة بايدن إلى وجوب ألّا يتمّ اقتحام رفح من دون ضمان أمن المدنيين فيها.

الحصيلة أنّ بايدن بموقفه المتناقض سعى إلى إرضاء المعسكرين في الجمهور الانتخابي وأطلق جملة تكهّنات حول المرحلة المقبلة:

1- نبّه إلى حماية المدنيين، لكنّه أيّد مواربة اقتحام رفح، وهذا هو الأساس.

2- ما يدور من مناورات حول اقتحام رفح يُسقط المفاوضات على صفقة الرهائن والأسرى، بعد إعلان “حماس” أنّها ستتوقّف إذا حصل الاقتحام.

رفح قد توسّع الحرب… فيما الحزب يريد الانكفاء

1- ينذر موقف بايدن بانعكاسات خطيرة على الصعيد الإقليمي لأنّه يُنتظر أن يتسبّب بتصعيد مقابل ينقل المنطقة إلى درجة عالية من الخطورة. إذ إنّ الجبهات المساندة لغزّة المفتوحة من قبل الميليشيات الحليفة لإيران ستشتعل أكثر، سواء في البحر الأحمر واليمن من قبل الحوثيين، أو في العراق أو سوريا، وخصوصاً في جنوب لبنان.

2- اقتحام رفح يعاكس سعي إيران إلى عدم تو

سيع الحرب ومراهنتها على أنّ “التطوّرات في غزة اليوم تتّجه نحو حلّ سياسي”، وأنّ “الحرب ليست الحلّ ولم نكن بتاتاً نتطلّع إلى توسيع نطاقها”، على ما قال وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان خلال زيارته بيروت يوم السبت الماضي. فطهران تتطلّع إلى اشتراكها في التسوية التي يمكن أن تقود إليها الهدنة، على أن تكون شريكاً فيها استناداً إلى ما أعلنه عبد اللهيان من اتصالات بينها وبين واشنطن، أكّدت فيها القيادة الإيرانية وقوفها مع حلّ سياسي للمواجهات الدائرة.

3- يعزّز الاقتحام المخاوف من انفلات الجبهة بين إسرائيل والحزب في جنوب لبنان… فالحزب حسب المطّلعين على الأوضاع الميدانية ينتظر الهدنة في غزة من أجل وقف انغماسه في الحرب لمساندة غزة والانكفاء العسكري الذي يوفّر عليه المزيد من الخسائر التي يتكبّدها مقاتلوه في الجنوب جرّاء الاغتيالات الإسرائيلية بالمسيّرات، ويحدّ من الخسائر في ممتلكات المدنيين في جنوب لبنان ويخفض نسبة الخلافات مع خصومه اللبنانيين الرافضين لتوريط لبنان في الحرب.

4- يزيد احتمالات الاحتكاك السياسي والأمنيّ بين مصر وإسرائيل.

ينذر كلّ هذا بتمديد انخراط الولايات المتحدة في مواجهات عسكرية بدأت في خوضها في العراق وسوريا والبحر الأحمر، ضدّ أذرع إيران من دون التسبّب بمواجهة معها. وثمّة من يقول إنّ واشنطن بدأت تهيّئ لمثل هذا الاحتمال منذ قرّرت توجيه ضربات ضدّ الحوثيين في اليمن وبعض تشكيلات الحشد الشعبي في العراق. وهو ما دفع بعض المراقبين المتّصلين بالإدارة الأميركية إلى الاستنتاج بأنّ أميركا لا تستبعد الانخراط في الحرب، بمواجهة إضعاف وجودها الإقليمي.

إقرأ أيضاً: علاقات مصر وإسرائيل على حافة الهاوية؟

مصر: تعليق “كامب ديفيد” جدّيّ

تتوقّف أوساط وثيقة الاطّلاع على جهود واشنطن لخفض التوتّر بين إسرائيل ومصر عند الآتي:

– إنّ تهديد القاهرة بتعليق معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل سيشكّل في حال بلغت الأمور هذا الحدّ نتيجة الجموح الإسرائيلي نحو اقتحام رفح، يعود إلى تسريبات بأنّ العملية العسكرية الإسرائيلية تشمل تنفيذ اقتحام من محاور عدّة تشمل شريط فيلادلفيا الواقع تحت السيادة المصرية والذي رفضت القاهرة أيّ دخول إسرائيلي إليه.

– إنّ واشنطن سعت إلى تخفيف التوتّر بين القاهرة وتل أبيب بسبب ادّعاءات الأخيرة أنّ تهريب السلاح يتمّ عن طريق شريط فيلادلفيا، بأن اقترحت أن تبني مصر حاجزاً إلكترونيّاً عليه يمتدّ تحت الأرض بعمق 40 متراً، ووافقت إسرائيل على هذا المخرج بحيث لا تدخل تلك المنطقة بحجّة منع تهريب السلاح.

– إنّ حديث تل أبيب عن إخراج المدنيين من رفح بهدف تنفيذ العملية العسكرية لم يطمئن القاهرة إلى نيّة إسرائيل التي سبق أن عبّرت قيادتها وبعض المسؤولين الأميركيين عن توجّههم إلى تهجير جزء من الغزّيّين إلى سيناء، الأمر الذي رفضته القاهرة بشدّة تدعمها في موقفها هذا المملكة العربية السعودية وسائر الدول العربية. وهذا يعني أنّ الضغوط التي ستمارسها إسرائيل على مصر كي تفتح معبر رفح للنازحين الغزّيين سيستفزّ سائر الدول العربية، ولا سيما السعودية.

لمتابعة الكاتب على تويترChoucairWalid@

مواضيع ذات صلة

قمّة الرّياض: القضيّة الفلسطينيّة تخلع ثوبها الإيرانيّ

 تستخدم السعودية قدراً غير مسبوق من أوراق الثقل الدولي لفرض “إقامة الدولة الفلسطينية” عنواناً لا يمكن تجاوزه من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، حتى قبل أن…

نهج سليم عياش المُفترض التّخلّص منه!

من جريمة اغتيال رفيق الحريري في 2005 إلى جريمة ربط مصير لبنان بحرب غزّة في 2023، لم يكن سليم عياش سوى رمز من رموز كثيرة…

لبنان بين ولاية الفقيه وولاية النّبيه

فضّل “الحزب” وحدة ساحات “ولاية الفقيه”، على وحدانية الشراكة اللبنانية الوطنية. ذهب إلى غزة عبر إسناد متهوّر، فأعلن الكيان الإسرائيلي ضدّه حرباً كاملة الأوصاف. إنّه…

الأكراد في الشّرق الأوسط: “المايسترو” بهشلي برعاية إردوغان (1/2)

قال “أبو القومية التركية” المفكّر ضياء غوك ألب في عام 1920 إنّ التركي الذي لا يحبّ الأكراد ليس تركيّاً، وإنّ الكردي الذي لا يحبّ الأتراك…