تحالف إسقاط دياب أم ثورة تنزلق نحو الفوضى الشاملة؟

مدة القراءة 6 د


تسابقت الإشاعات مع الوقائع في تفسير ما بعد زيارة الرئيس حسان دياب للرئيس الأسبق سليم الحص في منزله. فقد سبقت الزيارة وتزامنت معها، مواقف وتحرّكات لبعض أركان الطبقة السياسية، فُهم منها، أو يُراد أن يُفهم منها حالياً في أقل تقدير، أن زمن حسان دياب قد انتهى أو شارف على النهاية. لكأن كلَّ ذلك مبرمج مع قرب انتهاء مهلة المائة يوم، ابتداء من نيل الحكومة ثقة البرلمان في 11 شباط الماضي، قبل بدء الحملة، بانقضاء مدّة السماح للحكومة. وقد لا يكون مستغرباً أيضاً، أن يترافق الحراك السياسي من فوق، مع استئناف للحراك الشعبي من تحت، فترتسم علامة استفهام: هل هو تحريك مبطّن للشارع واستغلال له، أم تحالف غير معلن بين الثورة وبعض الطبقة الحاكمة القديمة، أم هما خطان متوازيان لا يلتقيان إلا أن يشاء الله؟

من المؤكد أنّ الصورة ليست مسطّحة بهذا الشكل، بل هي شديدة التعقيدة كالعادة، ولا بدّ من تفكيكها إلى مكوّناتها الأساسية، ثم تقدير التداخلات فيما بينها لحظياً وبنيوياً في الوقت نفسه، في محاولة لاستخلاص نتائج مفيدة.

إقرأ أيضاً: دياب أشهرَ “أنتي حريريته”؟

لنبدأ من السهل الممتنع تدريجياً نحو المعقّد الهشّ، أي من مواقف قادة المعارضة التقليدية الجاري تشكّلها حول خطاب تصاعدي، إلى الخطاب الثوري، البالغ الضبابية، والقابل لشتى التأويلات.

أولاً، يبدو معسكر المعارضة بحسب طلائعه الظاهرة حتى الساعة، متكوّناً من الزعيم وليد جنبلاط كرأس حربة، ومن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، كقاعدة شعبية أعرض. وأطلق جنبلاط شرارة المعركة، بانتقادات لاذعة للرئيس حسان دياب، ليس أقلّها أنه تابع لضابط مخابرات، وأنّه حقود، متهماً الحكومة باندراجها في مخطط انقلابي على النظام الاقتصادي والسياسي للبنان، ومحاولة تطويع طائفي ومذهبي من أجل الانقضاض على اتفاق الطائف. لكن بعد أسبوع، عمد جنبلاط إلى تخفيف التوتر وإشاعة التهدئة في تغريدة دعت وسائل الإعلام إلى توخّي الدقة. وبما أنّ جنبلاط خبير عتيق في التلاعب ببارومتر الحرارة صعوداً وهبوطاً، فلا مؤشرات جادّة على أن المعارضة الحقيقية قد انطلقت. وبما أنّ الرئيس السابق سعد الحريري، لا حَوْل له، في الأزمة الخانقة التي تمرّ بها بيئته الشعبية في مختلف المناطق لا سيما في طرابلس وصيدا، بسبب قرارات الحَجْر والعَزْل والتعطيل، المؤدية جميعها إلى التجويع، فكم بمقدوره في هذه اللحظة السياسية الحرجة، أن يكرّر ما جرى عام 1992، عندما أسقطت الدواليب المشتعلة حكومة الرئيس الراحل عمر كرامي، وكان سعر الدولار آنذاك كما أصبح اليوم؟

وإن كان الحريري، افتراضاً يتشوّف إلى التصدّي للأزمتين المالية والصحية، كرئيس حكومة أصيل، فلِمَ تمنّع عن تولّي المسؤولية نهاية العام الماضي، وارتضى مجيء حسان دياب رئيساً مؤقتاً للحكومة حتى شهر حزيران كأقصى حدّ؟ هل هو دخان من دون نار؟ وهل يكفي الحريري أن يقوم جنبلاط بمهمة إسناد المؤسسات الإسلامية بدلاً منه ولو بمبالغ بسيطة لا يتجاوز مجموعها مليون دولار ومشكور عليه، لكي يحتفظ بموقعه في الزعامة السنية؟ ولماذا عاد بالأمس فقط، ولم يعد من أسابيع ليكون بين أهله ومحبّيه؟ أسئلة ينتابها الضجر ولا تبحث عن أجوبة!

فضلاً عن ذلك، وحتى لو كانت القوى السياسية الأخرى، هي معارِضة في العمق لهذه الحكومة، ولمن جاء بها، على هذه السويّة “التكنوقراطية”، لامتصاص غضب الشارع، وشرذمة مكوّنات الثورة وقواها المبعثرة أصلاً، فهل اللحظة السياسية مؤاتية، لإسقاط حكومة والإتيان بأخرى، تكون تظهيراً فاقعاً للطبقة السياسية التي شتمها الشارع على مدى أشهر دون ملل ولا كلل؟ وهل نحن في ترف الوقت لإضاعته على التكليف، والتشكيل، وفتح بازار الحصص الوزارية، وكتابة البيان الحكومي، ثم نيل الثقة، بدلاً من العمل على خطوات جذرية لإعادة تكوين السلطة من جهة، وتشجيع الاستثمار والإنتاج من جهة أخرى؟ فلا الحكومة خرجت بأفكار جريئة للحفاظ على الرأسمال الوطني، ولا المعارضة الحالية تملك مشروعاً اقتصادياً ومالياً للأزمة الكبرى التي نعيشها، يعطيها الشرعية الشعبية الكافية كي تطرح بدائلها التنفيذية.

ثانياً، ومن جهة الثورة بأطيافها المتنوّعة والمتضادّة بطروحها، وبرامجها، وخطاباتها، وأولوياتها، فلم تخرج بعد من عنق الزجاجة، ومن ثنائياتها المتهالكة. أي من كان يريد إعطاء حسان دياب فرصة كاملة، ومن لم يكن يريد ذلك. من كان يريد المشاركة في حكومة دياب لتكون الثورة في قلب صناعة القرار والرقابة عليه من الداخل، ومن كان لا يريد أن يلوّث نفسه بالسياسة للحفاظ على “نقائه” الثوري. من كان يتمسّك بسلمية الثورة ويرفض أساليب العنف في الشارع، ومن يزايد على الثوار السلميين ولا يرى مناصاً من العنف الثوري حتى لو سالت دماء، بل حتى لو أفشل التجمعات الكبرى في الساحات. من كان يريد توسعة نطاق الاحتجاج كي يطال كل السياسيين، ومن يريد حصر الامتعاض، برياض سلامة، وشارع المصارف في شارع الحمرا.

لقد زعمت الحكومة أنها جاءت من رحم الثورة، وأنها تمثّل تطلّعاتها. لكنها لم تتوانَ عن قمعها تدريجياً، حتى أزالت معالمها الظاهرة، ولاحقت أبرز ناشطيها الميدانيين

وعلى هذا، كيف يمكن استئناف الثورة، بل تحوّلها إلى ثورة جياع، أي بترجيح العنف الثوري على ما سواه، إن لم تكن مكوّناتها الواسعة متوافقة على الأسلوب والبرنامج والخطاب، كي تحظى “بمناعة القطيع الكوروني”، بإزاء اختراقات الأحزاب لأنشطتها ومواقيت احتجاجاتها، ولائحة أهدافها، وبرامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إن هشاشة الثورة، سمحت في الماضي، بتجيير بعض تحرّكاتها لتصفية حسابات سياسية، أو لمعارضة مجيء حسان دياب رئيساً للحكومة تحت عنوان سني عريض. فما هي قدرتها اليوم على الوعي والصمود كي لا تكون مطيّة للمخطّطات السياسية الآيلة إلى الانقلاب على الثورة نفسها، واستعادة الحياة كما كانت قبل 17 تشرين؟

لن يكون هناك جواب قريب…

لقد زعمت الحكومة أنها جاءت من رحم الثورة، وأنها تمثّل تطلّعاتها. لكنها لم تتوانَ عن قمعها تدريجياً، حتى أزالت معالمها الظاهرة، ولاحقت أبرز ناشطيها الميدانيين. ومن هذه الناحية أيضاً، لا شكّ بأنها كانت تنفّذ انقلاباً صامتاً على الثورة، لأنّ مشروعها للإنقاذ الوطني، كفيل بإشعال مئة ثورة!

حتّى الآن، يبدو أن الثورة بعيدة عن الخروج برأي واحد قريباً، بإزاء التطوّرات الخطيرة في المسار الحكومي وما يطرحه فريق حسان دياب من سيناريوهات بدليل الصمت المطبق منذ أشهر. بالمقابل، هي واعية بقدر كبير لمخاطر الإصلاحات المنقوصة والمشاريع الإنقاذية المبتورة، كما لكمائن الطبقة السياسية سابقاً وراهناً، دون أن تكون محصّنة تماماً من الانزلاق إلى الفوضى الشاملة. 

مواضيع ذات صلة

لبنان والسّيادة… ووقاحة “الشّعب والجيش والمقاومة”

جاء المبعوث الأميركي آموس هوكستين أخيراً. لا يزال يعمل من أجل وقف للنّار في لبنان. ليس ما يشير إلى أنّ طرفَي الحرب، أي إيران وإسرائيل،…

أرانب نتنياهو المتعدّدة لنسف التّسوية

إسرائيل تنتظر وصول المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، بعدما بات ليلته في بيروت لتذليل بعض العقد من طريق الاتّفاق مع لبنان والحزب، على وقع الانقسام…

كيف ستواجه تركيا “فريق ترامب الصّليبيّ”؟

عانت العلاقات التركية الأميركية خلال ولاية دونالد ترامب الأولى تحدّيات كبيرة، لكنّها تميّزت بحالة من البراغماتية والعملانيّة في التعامل مع الكثير من القضايا. هذا إلى…

حماس وأزمة المكان

كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس. كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو…