“البنك الدولي”: أموال “بسري” لمواجهة كورونا بدلاً من خوري – دنش

مدة القراءة 8 د


بينما ينشغل لبنان بحلّ أزمة كورونا وتأمين المواد الأوّلية ليقي الناس من شرّ مجاعةٍ مقبلة، عاد سدّ بسري إلى الواجهة من جديد، ومن البوابة نفسها: “كورونا”. في محاولةٍ من “البنك الدولي” لحفظ ماء وجهه أمام سيل الاعتراضات التي انهالت عليه بعد قرار الحكومة اللبنانية في جلسة 2 نيسان بالموافقة على إكمال المرحلة الثانية من المشروع، بالحصول على قرض إضافي بقيمة 625 مليون دولار، من أصل مليار و200 مليون دولار كلفة المشروع العامة المصرّح عنها. هذا المبلغ ليس “هبة” بل هو “قرض”، سيحصل عليه منفّذو سدّ بسري، وسيدفع ثمنه اللبنانييون من ضرائبهم وجيوبهم. هم المفلسون، في دولة مفلسة.

ففي بيان طويل ومفصّل من “البنك الدولي”، أبدى الأخير انفتاحه على اقتراحات الحكومة اللبنانية حول كيفية استخدام المحفظة الحالية من القروض، “بما فيها الأموال غير المنفقة ضمن مشروع سدّ بسري، بشكل أكثر فعالية للاستجابة لاحتياجات الشعب اللبناني الملحّة والناشئة حديثاً، في إشارة مباشرة، ودعوة صريحة إلى صرف الأموال “خارج المشروع” على “احتياجات اللبنانيين الملحّة”، وهي اليوم ضرورات مواجهة انتشار فيروس كورونا، في ظلّ عجز الدولة عن شراء الأجهزة المطلوبة للمستشفيات الحكومية.

إقرأ أيضاً: دياب وباسيل وثالثهما “سلعاتا”

وكان “البنك الدولي” قد تطرّق في بيانه لأهمية السدّ أولاً “الذي يوفّر مياهاً نظيفة وموثوقة لأكثر من 1.6 مليون شخص يعيشون في منطقة بيروت الكبرى وجبل لبنان، بينهم 460 ألف شخص يعيشون على أقل من 4 دولارات في اليوم، ويتكبّدون حالياً ثلاثة فواتير مختلفة للحصول على المياه”. وأوضح البيان أنّه “نظراً للمعارضة التي شهدها المشروع، طلب البنك الدولي من الحكومة اللبنانية إطلاق حوار عام وشفّاف لمعالجة الاعتراضات التي أثارها حوله المواطنون ومؤسسات من المجتمع المدني”.

لكن الحكومة بدلاً من إطلاق الحوار، أقرّت في آخر جلسة لمجلس الوزراء استمرار العمل في سدّ بسري بعيداً عن كلّ ما يقال خارج قاعة مجلس الوزراء، بفعل “الطَرَش” الذي أصاب “العونية السياسية”، عن آراء الناس واستسلام رئيس الحكومة لهذا المفهوم الديكتاتوري لأولويات الدولة.

في المقابل بات معروفاً أنّ سدّ بسري سيدمّر 6 ملايين متر مربع من المناطق الطبيعية والأراضي الزراعية، وهو يؤدّي حالياً إلى قطع 120 ألف شجرة، ويتطاول على إرث ثقافي حضاري عريق يعود إلى العصور الرومانية عبر تفكيك أكثر من 50 موقعاً تاريخياً. وهو ملف مثير للجدل كغيره من السدود، انطلاقاً من “نهم الحكومات” الذي هو “غير علمي”، بحسب معارضي المشروع، على إنشاء السدود التي أثبتت الدراسات أنّها لا تتجاوز كونها وسيلة لهدر الأموال وتعطيل النظام البيئي والجيولوجي، وإما لزوم ما لا يلزم في أفضل الأحوال.

البنك الدولي لم يقل شيئاً جديداً، وكلّ ما فعله أنّه رمى الكرة بملعب الحكومة، بعد كمّ الضغوط والاتصالات التي وردت إلى البنك الدولي عقب قرار الحكومة الأخير بإكمال المشروع

وبينما رأى بعض البيئيين في بيان “البنك الدولي” انتصاراً لنضالهم المستمرّ ضد سدّ بسري، يرى عضو لجنة أهالي سدّ بسري، “اختصاصي الجودة” رجا نجيم، أنّ البيان لم يأتِ بجديد، “بل يأتي في إطار القرار الصادر من الإدارة العامة لكلّ مكاتب البنك الدولي في العالم بتجيير قسم من القروض في الدول لمواجهة كورونا، وفي إطار إرضاء الجهات المعارضة للمشروع مثل البيئيين والحزب التقدمي الاشتراكي”. وعلى هذا، فهو محاولة “للتنصّل من الجرم ورمي الكرة في ملعب الحكومة التي أصدرت قراراً بإكمال المشروع قبل أيام. وهو القرار الذي جاء بعد كتاب من البنك الدولي طالب الحكومة باتخاذ قرارها حول إكمال سدّ بسري أو إلغاء القرض”. ويسأل نجيم هنا: “ألم يكن كورونا موجوداً عند إرسال هذا الكتاب والإصرار على إكمال مشروع سدّ بسري؟!”.

ويؤكد نجيم المتابع للملف ولهبات “البنك الدولي” في لبنان لـ”أساس” أنّ “أيّ مساعدات قد ترصد من البنك الدولي لمواجهة كورونا لن تكون من أموال بسري، بل من أصل الـ120 مليون دولار التي رصدت لدعم القطاع الصحي في لبنان من أيام الوزير غسان حاصباني، والتي رفض الوزير السابق جميل جبق الاستفادة منها لاشتراط البنك بالتدخّل في صرفها. فالأكيد أنّ البنك الدولي ليس بوارد توقيف فساد سدّ بسري.

وفي الإطار نفسه، يرى مصدر في “مجلس الإنماء والإعمار”، المسؤول عن تنفيذ المشروع، أنّ “البنك الدولي لم يقل شيئاً جديداً، وكلّ ما فعله أنّه رمى الكرة بملعب الحكومة، بعد كمّ الضغوط والاتصالات التي وردت إلى البنك الدولي عقب قرار الحكومة الأخير بإكمال المشروع في “عزّ” أزمة كورونا التي فاقمت الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تضرب لبنان”. وذلك بقرار الـ650 مليون دولار.

ويستبعد المصدر نفسه في حديثه لـ”أساس” أن تتوجّه الحكومة إلى إعادة النظر بقرارها الأخير (استكمال المشروع) “وإن كانت هي المرّة الاولى التي يقول البنك الدولي إنّه مستعدّ لمناقشة أموال قرض معيّن لغايات أخرى. فالعادة أن نكون أمام إما استكمال المشروع أو إلغاء القرض من أساسه علما أن للحكومة القرار بإلغاء أيّ مشروع”.

وبدورها مصادر مقرّبة من بعبدا استبعدت أيضاً إيقاف المشروع، ورأت في البيان على عكس ردود الفعل المنتشرة حوله “إيضاحاً لأهمية السدّ ودعماً له” عبر تبريز أهدافه في مقدّمة البيان.

من ناحية تقنية، يوضح الخبير الهيدروجيولوجي سمير زعطيطي أنّ “كلّ المراجع الفرنسية ومن بينها خريطة جزين الصادرة عن البعثة الفرنسية التي بقيت في لبنان من العام 1928 وحتى 1955، ووضعت أسس العلم الجيولوجي لبلدنا، تؤكد أنّ وادي الأوّلي الواقع بين مرتفعات باتر شمالاً ومرتفعات جزين جنوباً هو وادي انخسافي انهدامي وانبساطه بهذا الشكل لم يكن من عدم، بل بسبب طبيعة صخوره، حيث إنّ المياه الجوفية تتركّز تحت جرفيات النهر. بدليل أن مجلس الإنماء والإعمار قد حفر 4 آبار من أصل 6 في المنطقة لمصلحة إقليم الخروب. وبيّنت هذه الآبار كمية المياه الجوفية في المنطقة حيث انخسف البئر عند عمق 120 متر ووصل إلى الصخر الكلسي القاسي بفراغ 3 أمتار، ما يدلّ على غزارة المياه الجوفية الموجودة في المنطقة، وتم تسكير الآبار والتعتيم عليها لعدم ضرب أهمية مشروع بسري”.

والمشروع برأي زعطيطي “فاشل ولا أساس علمياً له”، ولا بدّ أن “يُخسف حكماً بسبب ثقل الباطون والحديد وأوزان الجدار الكبيرة”. ويؤكد أنّ كلّ المعطيات العلمية والدراسات وضعها  بين يدي الحزب التقدمي الاشتراكي .

الشيطان الكامن في تفاصيل بيان “البنك الدولي”، لن يزيح كابوس سدّ بسري عن المنطقة، بل تتخوّف مصادر مطلعة من أن تتحوّل المعركة إلى سياسية شرسة ما بين الحزب التقدمي الاشتراكي وبين التيار الوطني الحر

ويؤكد لـ”أساس” أن السدود “تدرّ الأموال على جيوب السياسيين ولذلك الإصرار على إنشائها، والابتعاد عن الآبار الجوفية الأوفر والأنظف والمتجدّدة أكثر، لأنّها أقل ربحاً للسياسيين”. ويعطي مثالاً على ذلك سدّ شبروح بكلفة 100 مليون دولار يخزّن 5 ملايين متر مكعب سنوياً، بينما يؤمّن بئران مدروسان بكلفة 200 ألف دولار هذه الكمية من المياه للمنطقة: “فخزّان مياه لبنان هو جوفي باعتراف الدراسات الفرنسية والدراسات المحلية لابراهيم عبد العال والأمم المتحدة التي تقول إن 75 % من ثروة لبنان المائية هي في الآبار الجوفية”.

وكأنّ الشيطان الكامن في تفاصيل بيان “البنك الدولي”، لن يزيح كابوس سدّ بسري عن المنطقة، بل تتخوّف مصادر مطلعة من أن تتحوّل المعركة إلى سياسية شرسة ما بين الحزب التقدمي الاشتراكي وبين التيار الوطني الحر، لا سيما بعد أن قطع الرئيس ميشال عون الطريق على الرافضين لسدّ بسري قبل يومين عندما قال: “التكاليف بلغت حتى الآن 340 مليون ?دولار، وتمّت الاستملاكات، ودفع ثمنها، لكنّنا نسمع من حين الى آخر اعتراضات على هذا المشروع الحيوي الذي يسقي مليوني لبناني من ساحل صيدا وحتّى ?نهر الموت?، لذلك تترتّب مسؤولية كبيرة على من يرفضه”.

وبدوره يصرّ الحزب الاشتراكي على رفض مشروع سدّ بسري، الأمر الذي كان واضحاً في موقفه الأخير من قرار الحكومة، علماً أن المشروع يقع ضمن بلديات الشوف وإقليم الخروب بنسبة 85 % منه، وهي البلدات التي أعلنت بمعظمها، أو تتجه لإعلان، رفض المشروع وفي مقدّمتها: مزرعة الشوف، عماطور، باتر، سابا، الميدان، بسري، مزرعة الضهر والميدان.

هذه المرة “العونية التقنية” تقف في وجه الناس والتاريخ وآراء الاختصاصيين والبنك الدولي، إلا أنّها كما لم تنجح في السياسة، فإنها لن تربح الرهان على تقنية فاسدة عنوانها ثنائية متعهدّي المشروع خوري – دنش، أيّاً كانت حمايتهما السياسية و”أفضالهما” على من يحميهما.

مواضيع ذات صلة

إسرائيل تضرب حيّ السّلّم للمرّة الأولى: هل تستعيده الدّولة؟

بقي حيّ السلّم على “العتبة”، كما وصفه عالم الاجتماع وضّاح شرارة ذات مرّة في كتابه “دولة حزب الله”. فلا هو خرج من مجتمع الأهل كليّاً…

أمن الحزب: حرب معلومات تُترجم باغتيالات (2/2)

لا يوجد رقم رسمي لمجموع شهداء الحزب في حرب تموز 2006، لكن بحسب إعلان نعي الشهداء بشكل متتالٍ فقد تجاوز عددهم 300 شهيد، واليوم بحسب…

أمن الحزب: ما هو الخرق الذي سهّل مقتل العاروري؟ (2/1)

سلسلة من الاغتيالات طالت قيادات من الحزب وحركة حماس منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) على وجه التحديد توّجت باغتيالين كبيرين. الأوّل اغتيال نائب رئيس…

النزوح السوريّ (3): النظام لا يريد أبناءه

12 سنة مرّت على وصول أوّل نازح سوري قادم من تلكلخ إلى عكار في لبنان. يومها اعتقدت الدولة اللبنانية أنّها أزمة أشهر، أو سنة كأبعد…