عبد الحليم: نار يا خدام نار!

مدة القراءة 3 د


يصف آلان مينارغ في كتابه “أسرار حرب لبنان” عبد الحليم خدام بأنه رجل قصير القامة، رياضي المظهر، وذو عينين زرقاوين و”هو أحد القادة السوريين النادرين الذين لا يحتفظون بشاربين”. وهي ملاحظة ملفتة، وتنسحب إذا ما دقق فيها واحدنا إلى غيره من وزراء خارجية سوريا، الذين جميعاً، في عهد الأسد الأب والأسد الإبن، كانوا من دون شوارب. وسوريا منذ العام 1970 حتى اليوم لم تغيّر سوى ثلاث وزراء خارجية، إذ تعاقب على المنصب لأربعة عشر عاماً عبد الحليم خدام (1970-1984)، ولاثنين وعشرين عاماً فاروق الشرع (1984- 2006) ووليد المعلم يتولى المنصب منذ العام 2006. وثلاثتهم يحلقون شواربهم. غالباً يرتبط هذا الأمر بالصورة التي يراد لها أن تتظهر للنظام السوري في الخارج، بالتماس مع دول العالم، فيما الشوارب، بما تختزنه من شحنات ذكورية وسلطوية، تبقى للداخل.

إقرأ أيضاً: غود بوي زياد… غوود بوي

وعبد الحليم خدام الذي توفي أمس في باريس، كان شخصية ملتبسة في خليط تركيبتها بين الديبلوماسية والأمنية، وإن كانت ديبلوماسيته “صارمة” كما يصفها مينارغ الذي يشير إلى أن خدام، الذي امتهن المحاماة قبل عمله في السياسة، كان يحمل دائماً مسدساً، إثر تعرضه مراراً وتكراراً لمحاولات اغتيال. وكما هو واضح، فإنها جميعاً فشلت في تصفيته، ليموت عن عمر ناهز ثمانية وثمانين عاماً، بعد حياة حافلة بالأحداث.

بعدما قرأت خبر وفاة الرجل، الذي مات في اليوم التالي لذكرى وفاة العندليب الأسمر سميّه عبد الحليم حافظ، تذكرت مقالة كتبتها في صحيفة “المستقبل” في العام 2006، عن حليم. وقمت حينذاك في سياق بحثي عن معلومات عن حليم، قبل كتابة المقالة، بإدخال اسم عبد الحليم حافظ على موقع “غوغل”. وأذكر يومها أن مقالات وأخباراً خرجت من بين النتائج تتعلق إما بعبد الحليم خدّام، وإما بحافظ الأسد. فاسم “حليم” يجمع بين اسمّي الخدام والأسد. عاد خدام ليموت بعد يوم واحد من ذكرى “حليم” ليلتصق أكثر فأكثر هذا الالتباس في البحث عن اسميهما. أما حافظ الأسد الذي رحل في العام 2000، وكان لا يكبر خدام إلا بسنتين، فإن اسمه سيبقى ملتصقاً بعبد الحليم المغني، مثلما سيبقى أثره ملتصقاً بعبد الحليم السياسي.

لن يحقق غوغل إنصافاً عادلاً لحليم. قدره أن يبقى اسمه مرتبطاً بشخصين ملوثين بالسياسة والحروب والمكائد والانقلابات والقمع. لكن الأمل يبقى في عدالة السماء من بابيها الواسعين، أن يكون عبد الحليم حافظ قد سبق قلبه من الباب الأول “عالجنّة الحلوة”، فيما عبد الحليم خدام وحافظ الأسد يعبران الباب الثاني إلى… “نار يا حبيبي نار”.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…