كتب الزميل زياد عيتاني في أساس أنّ الحريري واقعٌ في الفخ فهو لا يستطيع الاعتذار، لأنّ الثنائي الشيعي الذي حصل من طريقه على التكليف سينزعج منه، كما أنه لا يستطيع التشكيل لأنّ “وطاويط الليل”، كما قال مكتب الحربري، لا يريدون تمكينه من التشكيل.
?وأنا لا أرى ذلك. فالثنائي الشيعي أراد هدنةً وفسحةً في الزمان والمكان بانتظار ما يحصل في العلاقات الأميركية – الإيرانية. وفي الوقت نفسه إذا تشكلت الحكومة اليوم أو بعد سنة فحصته الطائفية مؤمَّنة وقد تجرع الحريري من أجلها السُمَّ كما قال، ووجود الحريري يخدمهم بالطبع لأنه يصرف الأنظار عنهم إلى صراعات ميشال عون وجبران باسيل وسعد الحريري.. وحتى نبيه بري، خصوصاً بعد مواجهتهم الثورة، وبعد انفجار المرفأ. ولذلك يفضّلون بالطبع أن لا يعتذر، لكنه إذا اعتذر فهم يستطيعون إعادته إن احتاجوا لذلك، باعتبار أنّه صارت عنده” مناعة” من كثرة ما تجرّع.
إقرأ أيضاً: سعد الحريري في الفخّ الكبير
?أين كان يمكن للحريري أن يقع في الفخ؟ كان يمكن ذلك لو أنّ الوطاويط تنازلوا عن بعض مطالبهم المستحيلة التي لا يمكن تشكيل أي حكومة في ظلها(!). وعندها تقع المسؤولية على أكتاف سعد الحريري العريضة، فيخابط لوقف الانهيار، ولإعادة الإعمار، وهما مهمتان شديدتا العسر والصعوبة، ولا تستطيعهما أي حكومةٍ في العالم في مثل ظروف لبنان إلاّ بإجراءات وصلاحيات وقوانين استثنائية هائلة، ليس بوسع أي حكومةٍ لبنانيةٍ السير باتجاهها فضلاً عن الوصول.
?كنت أتجادل مع البطريرك الراحل صفير عام 1994 بشأن التذمّر المسيحي، وبشأن الطائف وانتخابات العام 1992، فقطع الجدال وقال لي: “لقد قاوم المسيحيون الطائف وما قبله بشراسة، وثارت بينهم حروب بسبب التنافس على الرئاسة، فالطائف كان ضرورةً لحفظ النفس. وما بعده أسوأ كما يرى الجميع، فزعماء المسيحيين إمّا في المنافي أو في السجن، والانتخابات كلام فارغ. إنّما المهم أنّنا لم نعُد مسؤولين لا عن استمرار الحرب الداخلية، ولا عن الوضع الحاضر في البلاد. كل الأمور الآن هي على أكتاف رفيق الحريري، والفشل سيكون فشله، ونجاحه سيكون نجاحاً لكل لبنان”.
الثنائي الشيعي أراد هدنةً وفسحةً في الزمان والمكان بانتظار ما يحصل في العلاقات الأميركية – الإيرانية. وفي الوقت نفسه إذا تشكلت الحكومة اليوم أو بعد سنة فحصته الطائفية مؤمَّنة وقد تجرع الحريري من أجلها السُمَّ كما قال
إنّ الذي حصل، أنّ العونيين، وحتى الثنائي، لا يعتبرون ما قام به الحريري الكبير نجاحاً، بل وصْفة فساد على مدى حوالى الثلاثين عاماً. وهكذا فالذي أقصده هو أنهم وقد انتهوا أمام الجمهور المسيحي، وانتهوا في العالم وحتى في الفاتيكان وعلى لسان البطريرك الراعي، لو أتاح القَدَرُ لهم بعض التبصُّر لتركوا الحريري الابن يشكّل حكومته العتيدة والعجائبية من الاختصاصيين وغير الحزبيين اسماً وإعلاناً (وأكثر من نصفهم بالفعل من جماعة المذهبيات أو المحاصصات)، ولصار هو المسؤول الوحيد، ولنسي الناس الفساد وإجهاض مشروع الدولة وكل السياسات الخرقاء التي اجترحها وابتدعها الطفل المعجزة، وأدت إلى الانهيارات في البلاد.
?سعد الحريري نجح ولم يقع في الفخ، وسواء شكّل أم لم يشكّل. وقد كان النجاح معروضاً عليه في السنوات الثماني الأخيرة، لكنه أبى. قال جبران باسيل مرةً بل مراراً: يا جماعة نحن لم نطلب من سعد الحريري كل هذا التنازل.
هذه المرة صمد الحريري نصف صمود، ولم يصل إلى درجة الثبات. لكنه بهذا النصف كسب المعركة قبل أن يخوضها. أما الذين وقعوا في الفخ فهم المتشاطرون والظانون أنهم بهذه الطريقة الوطواطية، طريقة غادة عون وجريصاتي والقاضي صوان، يستيطعون إنقاذ أنفسهم أمام الجمهور المسيحي على الأقلّ. وها هو عيد الميلاد يشهد على أنّ ظنهم قد خاب.
?سعد الحريري نجح ولم يقع في الفخ، وسواء شكّل أم لم يشكّل. وقد كان النجاح معروضاً عليه في السنوات الثماني الأخيرة، لكنه أبى. قال جبران باسيل مرةً بل مراراً: يا جماعة نحن لم نطلب من سعد الحريري كل هذا التنازل.
لقد قلت في مقالتي الأخيرة في أساس بعنوان: “إلى سعد الحريري، ضرورة الثبات”، إنّ سعداً عنده فرصة فريدة هذه المرة، أو يضيع المستقبل كما ضاع الماضي. وقد كسبها بمنتهى السهولة ونجح لا بتشكيل الحكومة بل بعدم تشكيلها، بسبب حمق مخاصميه وتذاكيهم واستعصائهم على التعقل والصلاح والإصلاح:
?أرضى ويغضب قاتلي فتعجبوا، ?يرضى القتيل وليس يرضى القاتلُ.