بقلم جوشوا ميسيرفي (The National Interest)
ظهر خلال الأسبوع الماضي تقرير كشف أنّ قراصنة، هم غالباً من الصين، قاموا بتصوير لقطات كاميرا الأمن من داخل مبنى مقرّ الاتحاد الأفريقي في إثيوبيا.
قبل سنوات، اكتشف فنّيو الاتحاد الأفريقي أنّ الخوادم التي توفرها شركة Huawei للمبنى كانت تصدر بياناتها يوميًا إلى شنغهاي، وأنّ جدران المقرّات التي بنتها الصين زرعت فيها أجهزة تنصّت.
“مانشن غلوبال”
هي طريقة غريبة بالنسبة إلى بكين في التعامل مع قارّة ظهر حكّامها كداعمين رئيسيين لأجندتها الدولية. لكنّ تجسّس الحكومة الصينية، والممتدّ بشكل شبه مؤكّد إلى ما هو أبعد من مقرّ الاتحاد الأفريقي، قد يكون في الواقع أحد الأسباب التي تجعل الحكام الأفارقة على استعداد للدفاع عن تصرفات بكين التي لا يمكن الدفاع عنها بشكل متزايد.
قبل سنوات، اكتشف فنّيو الاتحاد الأفريقي أنّ الخوادم التي توفرها شركة Huawei للمبنى كانت تصدر بياناتها يوميًا إلى شنغهاي، وأنّ جدران المقرّات التي بنتها الصين زرعت فيها أجهزة تنصّت
تمتلك بكين فرصًا هائلة للتنصّت في إفريقيا. قامت الشركات الصينية – والعديد منها مملوك للدولة، وكلها ملزمة قانونًا بالتعاون مع الحزب الشيوعي الصيني في المسائل الاستخباراتية – ببناء ما لا يقلّ عن 186 مبنى حكوميًا في إفريقيا. ومن بينها مساكن رئاسية ووزارات بينها الخارجية، ومباني البرلمان .
وقامت شركة “هواوي Huawei” ببناء أكثر من 70% من شبكات 4G في القارة وما لا يقلّ عن 14 شبكة من شبكات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الحكومية، وشملت مراكز البيانات في كينيا وزامبيا التي تضم جميع سجلات تلك الحكومات.
التقرير الذي أكدته وسيلتان إعلاميتان، والذي خرق القصة الأصلية للتجسّس التابع للحكومة الصينية في الاتحاد الأفريقي، يوضح ما يمكن أن تفعله بكين في مبنى إحدى شركاتها. كما قامت شركة Huawei بتوفير نظام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المخترق في الاتحاد الأفريقي. وغالبًا ما تكون أجهزة الشركة محمّلة بالثغرات الأمنية السويسرية التي تجعلها قابلة للاستغلال بسهولة. ونظرًا لارتباط Huawei بوزارة أمن الدولة الصينية، فإنّ الاعتقاد بوجود تنصّلت من الأبواب الخلفية هو فكرة منطقية.
لدى بكين أسباب عديدة للاستفادة من فرص التجسّس التي توفرها أنشطة شركاتها في إفريقيا. يمكنها التنصت على المحادثات الحسّاسة التي تجريها مع نظرائها من غير الأفارقة، وقد تتمكن الحكومة الصينية من جمع معلومات اقتصادية مفيدة تنقلها إلى العديد من الشركات العاملة في القارّة.
في المقابل، نظرًا لأنّ الحكومة الصينية أصبحت أكثر عدوانية على المستوى الدولي، فمن المرجح أنها تثمّن بشكل متزايد المعلومات التي تجمعها في إفريقيا، لاستخدامها في الحفاظ على دعم صانعي القرار الأفارقة لأجندة بكين العالمية وتوسّعها. لقد رفضت الدول الافريقية باستمرار إدانة اضطهاد النظام الصيني للأقليات العرقية والدينية، وتصوّت بشكل متكرّر مع بكين في الأمم المتحدة (غالبًا في معارضة الولايات المتحدة)، وعادةً ما تدعم المرشحين الصينيين الذين يتنافسون على قيادة الوكالات الدولية المهمة.
ويُظهر الكشف عن الاختراقات الأخيرة التزام بكين بالتأثير على القادة الأجانب. فقد أمضت جاسوسة صينية تدعى كريستين فانغ سنواتٍ في تطوير علاقات شخصية مع سياسيين محليين من كاليفورنيا بشكل أساسي. رتبت فانغ التبرعات للنائب الأمريكي إريك سوالويل الذي أصبح الآن عضوًا في لجنة الاستخبارات الحسّاسة بمجلس النواب، وتمكّنت من تعيين متدرب واحد على الأقلّ معه (قطع سوالويل العلاقات مع فانغ بعد تلقّي معلومات من مكتب التحقيقات الفيدرالي تفيد بأنّها جاسوسة).
في أوائل كانون الأوّل الجاري، كتب مدير الاستخبارات الوطنية جون راتكليف عن حملة التأثير الصيني التي استهدفت “العشرات” من أعضاء ومساعدي الكونغرس. وفقًا لراتكليف، تستهدف الصين الكونغرس بمعدل ستة أضعاف أكثر مما تفعل روسيا. وفي الوقت نفسه، يدّعي فرع من الحزب الشيوعي الصيني يعرف باسم “الإدارة الدولية”، وهو المسؤول عن تنمية تعاطف السياسيين الأجانب مع الحزب الشيوعي الصيني، أنّ له علاقات مع أكثر من 600 مجموعة سياسية في أكثر من 160 دولة.
كشف المصدر أنّ بريطانيا تُخلي قسمًا كبيرًا من الحيّز السّياسي الذي كانت تشغله في لبنان لمصلحة الولايات المُتحدّة
بطبيعة الحال، لا يحتاج القادة الأفارقة إلى الإقناع للتكيّف مع الصين في بعض القضايا. تواجه العديد من بلدانهم فجوة هائلة في البنية التحتية، وعادة ما تسَرّ بكين بفتح محفظتها لمشاريع البنية التحتية. فالمنتجات الصينية ذات الأسعار المعقولة، وخاصة التكنولوجيا مثل الهواتف الذكية، تُحظى بشعبية في إفريقيا أيضًا.
تنفق الحكومة الصينية الكثير من الوقت والطاقة في محاولة للتأثير على القادة الأفارقة لدعم أجندة بكين على مستوى يتجاوز مجرد الاهتمام بالمصالح الوطنية لبلدانهم. تشمل حملات الإغراء هذه كلّ شيء، من الرشوة إلى طرح مشاريع البنية التحتية البرّاقة خلال أوقات الانتخابات، إلى تقديم مساعدات “بلا قيود” للحكام كي يغذّوا شبكات المحسوبيات الخاصّة بهم.
المعلومات التي يبدو أنّ بكين تكتفي بها يوميًا مفيدة بشكل واضح لتلك الأنواع من عمليات التأثير. تستطيع من خلالها أن تستنتج تصوّراتٍ حول عادات المسؤول وشخصيته وميوله. وهذا من شأنه أن يساعد بكين بشكل فعال في التملّق له أو إخضاعه.
كان العنصر الأساسي في أسلوب كريستينا فانغ هو الاقتراب قدر الإمكان من الأشخاص المستهدفين، وهو ما يوفر وصول المراقبة الإلكترونية إلى أكثر الأماكن الحسّاسة للأشخاص المستهدفة نوعًا من المراقبة المكثّفة، التي تعتبر تحقيقاً لأحلام أيّ جاسوس.
تمكنت الصين من الوصول إلى الزعماء الأفارقة إلى حدّ سيكون من المستحيل التراجع عنه في المدى القريب. إنّما يمكن لواشنطن أن تبدأ في بناء ردّ فعل يتّسم بالصبر وبُعد النظر، كما كانت استراتيجية الصين. أحد عناصر هذه الخطة يجب أن يتمثل في عرقلة قدرة بكّين على مراقبة إفريقيا بدون قيود جديّة.
*جوشوا ميسيرفي هو محلّل سياسي متخصص في إفريقيا والشرق الأوسط في The Heritage Foundation.
لقراءة النص الأصلي: اضغط هنا