في الجزء الثّاني من مقابلته مع “أساس”، التي كانت جولة أفق على أبرز أحداث العام 2020 السياسية، تطرّق سفير لبنان السّابق لدى الولايات المتحدة الأميركية عبدالله بوحبيب إلى تداعيات الإنتخابات الأميركية على النّظام العالمي وعلى النّهج الذي ستتبعه إدارة بايدن في الملفين اللبناني والسّوري، وكذلك أبرز ما شهده الشّرق الأوسط خلال العام.
الانتخابات الأميركية والنظام العالمي
“نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية وفوز جو بايدن يصبّان في مصلحة النّظام العالمي”، يقول بو حبيب: “الرّئيس ترامب لم يكن عنده اعتبار للنّظام، ويظنّ أنّه باستطاعته القيام بما شاء من موقعه الرّئاسي. أمّا اليوم، فهناك رئيس مُنتَخَب سيعمل على توحيد الأجواء في الولايات المُتحدة التي انقسمت بشكلٍ غير مسبوق، كما سيعمل على استعادة صداقات واشنطن التي كانت قائمة قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، خصوصًا مع الأوروبيين والكنديين. وكذلك سيعمل على حلّ المسائل العالقة مع الصّين بدبلوماسيّة بعيدًا عن المقاطعة، إلا أنّ المهمّة الصعبة ستكون مع روسيا بعد الهجوم السيبراني الذي طال عددًا من الوزارات والمؤسسات الأميركية”.
ويضيف السفير السابق: “لو عرف ترامب كيف يعالج قضيّة كورونا لكان فاز بولاية ثانية، هو تجاهل الفيروس وعامله بنكران ما أثّر على حظوظه في الولايات الحاسمة. ترامب رئيس غير اعتيادي، والحزب الجمهوري يعاني في الوقت الحالي من أزمة وجود، إذ كان تاريخيًا هو “الحزب المُحافظ والفيدرالي وحزب الموازنة وحزب السّياسة الخارجية”، إلّا أنّ الأمر كان مُختلفًا تمامًا في ولاية ترامب الذي “فضح الولايات المتحدة”، وكشف عن كمٍّ كبير من العنصرية لا تزال متجذّرة بقوّة لدى الكثيرين في البلاد التي يظنّها العالم تغلّبت عليها”.
الرّئيس ترامب لم يكن عنده اعتبار للنّظام، ويظنّ أنّه باستطاعته القيام بما شاء من موقعه الرّئاسي. أمّا اليوم، فهناك رئيس مُنتَخَب سيعمل على توحيد الأجواء
لا يغفل السّفير بوحبيب محاولة الكشف عن مصدر “قوّة” ترامب، واصفًا إيّاها بأنّها تعتمد على ركيزتين: “العنصريّة والإنجيليون الأميركيين، وهما يشكّلان ثلثي قوّة ترامب الانتخابيّة. أمّا الثّلث الثالث فهم الملتزمون بمرشّح الحزب الجمهوري كائنًا من كان”.
نفوذ إيران، تركيا، وإسرائيل على حساب العرب
في الشّرق الأوسط: “أهم ما شهدته المنطقة هو تمادي النّفوذ غير العربي في المشرق العربي، و تحديدًا نفوذ إيران وتركيا وإسرائيل. هذه القوى تلعب أدورًا أقوى من أي دور لأيّ بلد عربي، وهذا يشير إلى نوع من “الإفلاس العربي” في معالجة قضايا العرب، بحسب بو حبيب.
وبرأيه أنّ “نفوذ إيران في العالم العربي هو بطبيعة الحال بسبب الارتباط العقائدي بكثير من الشّيعة العرب، أمّا تركيا فقد دخلت سنّيًا بسبب غياب الإيديولجيا عند الدّول العربية، وهذا الفراغ أدّى إلى دخول تركيا على الخطّ. وأوّل الدّخول التركي إلى لبنان كان عبر التركمان الذين لا يتجاوز عددهم عشرة آلاف شخص، إلّا أنّ هذا النّفوذ زاد مع الوقت وقد شوهد واضحًا في تظاهرات جابت طرابلس ورفع كثيرون خلالها العلم التركي”.
ويُفسّر رئيس البعثة الدبلوماسية اللبنانيّة السّابق لدى واشنطن تطبيع الإمارات والبحرين مع إسرائيل بـ”الخوف من التمدّد التركي المُتمثّل بالتحالف مع تنظيم الإخوان المسلمين والتمدّد الأخطر المُتمثّل بإيران في الخليج على قاعدة “عدو عدوّك صديقك”.
أهم ما شهدته المنطقة هو تمادي النّفوذ غير العربي في المشرق العربي، و تحديدًا نفوذ إيران وتركيا وإسرائيل. هذه القوى تلعب أدورًا أقوى من أي دور لأيّ بلد عربي
“الإمارات والبحرين بعد أن وجدتا نفسيهما بين دولتين قويتين فقدتا الحماية المطلوبة، خصوصًا منذ ما بعد ولاية الرئيس الأميركي السّابق باراك أوباما وعهد الرئيس الحالي ترامب. إذ إنّ أوباما كان يسأل: لماذا نُقدّم الحماية والنّفط موجود في الولايات المتحدة بوفرة، بينما خلفه ترامب كان يريد البدل المالي مُقابل الحماية، وكان هذا واضحًا بعد الهجوم الذي استهدف منشآت آرامكو قبل عام ونصف. ولم يسبق أن قال رئيس أميركي ما قاله كلّ من أوباما ومن بعده ترامب”، يقول بو حبيب: “ترك الضّعف العربي انسحب أثرًا واضحًا على محاور المنطقة التي بات فيها:
– محور الخليج وإسرائيل
– محور إيران ولبنان وسوريا
– محور تركيا وقطر والإخوان
– وقد حاولت دول مصر والأردن والعراق إنشاء محور عربيّ لم يتحقق حتّى الساعة، وذلك بسبب الضعف الاقتصادي وحاجة الدّول هذه للمساعدات الخارجية”.
الإمارات والبحرين بعد أن وجدتا نفسيهما بين دولتين قويتين فقدتا الحماية المطلوبة، خصوصًا منذ ما بعد ولاية الرئيس الأميركي السّابق باراك أوباما وعهد الرئيس الحالي ترامب
إيران: بايدن يريدها غير نووية… وسوريا
في الملف الإيراني استبعد السّفير بو حبيب احتمال انعقاد مفاوضات أو محادثات بين إدارة بايدن وبين إيران، لأنّ ترامب لا يزال رئيسًا للبلاد: “والأميركيون يحترمون قاعدة: One President at the time. إلّا إنّه بعد ذهاب ترامب سيفاوض بايدن إيران خلال 2021، وهو يريدها غير نووية وكلّ ما تبقّى تفاصيل. لكن أستبعد نشوب حرب بين أميركا وإيران قبل رحيل ترامب، والدليل هو العداء الذي استمرّ سنيناً طويلة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، ولم ينتج عنه حرب. في حال أراد ترامب توجيه ضربة لإيران فالجيش سيخالفه. ترامب لا يعنيه اليوم سوى نتائج الانتخابات وكيف سيخرج من البيت الأبيض”.
إقرأ أيضاً: بوحبيب لـ”أساس” (1/2): لبنان ليس على شاشة بايدن
أمّا سوريا، فيرى بو حبيب أنّها “منذ خمسينات القرن الماضي لم تكن مع الولايات المتحدة. إلّا أنّها لطالما اعتُبرت دولةً مهمّةً من أجل السّلام في المنطقة وفي القرار العربي، وخير دليل على ذلك إشراك سوريا أيّام الرئيس السّابق حافظ الأسد في حرب تحرير الكويت. بايدن سيُركّز على القضايا الدّاخلية في بادئ الأمر خصوصًا كورونا والاقتصاد والوحدة الدّاخلية. واليوم ليس واضحاً ماذا يريد بايدن في سوريا لانشغاله في الدّاخل ووجود روسيا وإيران في سوريا، لكن في الماضي طُلِبَ من المعارضة السّورية العمل على دستور جديد إلا أنّها منشغلة في الفنادق. وفي الوقت عينه أميركا تعاونت مع الأكراد في شرق سوريا، وهي لن تتركهم دون مُقابل لكن لن تعطيهم دولة مستقلّة على الإطلاق”.
وسأل ختامًا: “ما الذي يمنع إنشاء دولة فيدرالية ضعيفة في سوريا كما في العراق؟”.