يسود الاعتقاد في بعض الأوساط السياسيّة أنّ قوى الثامن من آذار ستحرص على أن يتولّى المجلس النيابي الحالي إجراء الانتخابات الرئاسيّة، بشكل لا يترك هذا الاستحقاق لما بعد الانتخابات النيابيّة، خصوصاً وأنّ نتائجها غير مضمونة. ولأنّ هذا الفريق يخشى من خسارته الأغلبيّة النيابيّة التي تتيح له اختيار رئيس للجمهوريّة من “صلبه”، في تكرار لمشهدية انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهوريّة. فقد تكون الانتخابات النيابية هي الثمن الذي سيُدفع في المرحلة المقبلة، لتكون الأولوية للاستحقاق الرئاسي.
رغم ذلك، لا ضمانات جديّة تؤكد أنّ عهد ميشال عون لن ينتهي الى شغور طويل، لا بل هو السيناريو المرجّح، ولهذا تحمل المعركة حول تأليف الحكومة أبعاداً معقّدة لقناعة طبّاخيها أنّها ستتحوّل عاجلاً أم آجلاً إلى “حكومة رؤساء” لا وزراء. ومع ذلك، يتحكّم الاستحقاق الرئاسي بحركة الموارنة، سواء كانوا من الصفّ الأول أو الثاني.
لا بل يمكن القول إنّ موارنة الصف الثاني تملأهم الثقة بأنّ هذه الدورة ستكون من نصيب أحد أعضاء هذا النادي، ويعتقدون أنّ تجربة “الرئيس القوي”، أو بالأحرى الأقوى، تمثيلاً، لن تتكرّر، ولذا قد يقع الخيار على مارونيّ من خارج “نادي الأقوياء”، لاعتبارات عديدة.
لا ضمانات جديّة تؤكد أنّ عهد ميشال عون لن ينتهي الى شغور طويل، لا بل هو السيناريو المرجّح، ولهذا تحمل المعركة حول تأليف الحكومة أبعاداً معقّدة لقناعة طبّاخيها أنّها ستتحوّل عاجلاً أم آجلاً إلى “حكومة رؤساء” لا وزراء
بهذا المعنى، يُفهم حراك بعض النواب الموارنة الحاليين والسابقين، حيث يسود الاعتقاد بين عدد كبير من هؤلاء أنّ الظروف ستكون هذه المرّة لمصلحتهم وقد ترسو بورصة التفاهمات الإقليمية، التي تبقى العامل الأكثر تأثيراً في مجريات الرئاسة، على اسم من خارج نادي “الديوك”. ولهذا يتصرّف هؤلاء على أساس معادلات جديدة يعتقدون أنّها قد توصلهم الى بعبدا.
ضمن هذا السياق، “يُقرّش” خروج بعض النواب من كتلهم الأساسية التي خاضوا على أساسها الانتخابات النيابية. منهم على سبيل المثال النائبان نعمت افرام وميشال معوض اللذين سارعا إلى فصل مساريهما، والنائبان شامل روكز وميشال ضاهر، عن مصير التكتل العوني، ولو أنّ لكلّ منهم حساباته واعتباراته.
فميشال معوض، ومنذ لحظة ترشحه ضمن “لوائح العهد”، حرص على ترك مسافة فاصلة في المواقف والخيارات بينه وبين “تكتل لبنان القوي”، وهو الذي كان في الأساس يفاوض “القوات” على التحالف معها نيابياً. ولذا كان تمرّده على “التكتل العونيّ”، بديهياً ومتوقّعاً عند كل اختبار صعب. وهذا ما حصل فعلاً تحت عنوان تأييده لانتفاضة 17 تشرين الأول، خصوصاً وأنّ الرجل ليس أصلاً ابن هذه البيئة السياسية فيما كان خوضه الانتخابات متحالفاً مع “التيار الوطني الحر” فيه شيء من اللا انسجام مع مساره السياسي.
بهذا المعنى، يُفهم حراك بعض النواب الموارنة الحاليين والسابقين، حيث يسود الاعتقاد بين عدد كبير من هؤلاء أنّ الظروف ستكون هذه المرّة لمصلحتهم وقد ترسو بورصة التفاهمات الإقليمية، التي تبقى العامل الأكثر تأثيراً في مجريات الرئاسة
نعمت افرام بدوره قرر بعد 17 تشرين تثبيت استقلاليته أكثر فخرج من “التكتل” بهدوء وبلا إثارة الضجيج أو تكبير حجر خلافاته مع من جلس وإيّاهم على طاولة واحدة طوال أكثر من سنة، لينحو أكثر باتجاه تكريس تمايزه السياسي من خلال العمل على تأسيس تيار خاص به يجعله بعيداً عن الاصطفافين المسيحيين، أي “التيار الوطني الحر” و”القوات”، ولكن من دون رفع المتاريس بوجهيْهما.
إقرأ أيضاً: عونيون سابقون ومستقلّون في ورشة تنظيميّة… لتأسيس جبهة
لذلك فإنّ خروج معوّض من “التكتل” لم يدفعه إلى أحضان معراب، لا بل يسعى إلى تثبيت استقلاليته أكثر والعمل على التماهي أكثر مع مجموعات الحراك المدني من خلال مؤسساته الاجتماعية. لكنّه بالتوازي يحرص على عدم خوض أي اشتباك مع القوات، لا بل يحاول إبقاء خطوط التودّد معها، وهذا ما استنتجه بعض من شاركوا في جلسة عقدت منذ فترة على شرف الدبلوماسي الأميركي ديفيد شينكر في زيارته الأخيرة الى بيروت. إاذ بينما كان رئيس حزب الكتائب سامي الجميل يسجّل الانتقادات على القوات بسبب عدم استقالة نوابها، كان معوّض يطالب بوحدة الموقف والتلاقي معها.
من يرصد مواقف بعض موارنة الصف الثاني خلال الفترة الأخيرة، سيلاحظ بسهولة أنّ هؤلاء يتجنّبون اللغة العدائية تجاه “حزب الله” ويحرصون على اختيار تعابيرهم بدقّة لكي لا تحسب على أنّها مواجهة بلا خطّ للرجعة. كما يؤكد متابعو هؤلاء أنّ خطوط التواصل مفتوحة مع بيت الوسط، لأنّ ترتيب العلاقة مع سعد الحريري ممرّ إلزامي طالما أنّ الحسابات الرئاسية هي الحكم، ولكي تكون لعبة إمساك العصا من الوسط… مجديّة.