“نزاعنا مع أميركا سيكون في مكان آخر غير العراق”. هذا ما قاله سفير إيران لدى العراق إيرج مسجدي خلال حفل أقامته السفارة الإيرانية في العاصمة بغداد بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس السّابق قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشّعبي أبو مهدي المُهندِس.
يتوقّف العديد من المراقبين عند هذا التصريح الذي تبعه بعد ساعات قليلة تصريحٌ لرئيس رئيس هيئة الاستخبارات والاستطلاع في مليشيات الحوثي عبد الله يحيى الحاكم زعم فيه أنّ قوّات الحوثي “ترصد كلّ تحركات إسرائيل في المنطقة وتتابع جميع خططها العدائية ضد اليمن”. حديث الحاكم، تزامن مع وصول غوّاصة إسرائيلية إلى مياه الخليج وكلامٍ للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، هيداي زيلبرمان، في حوار مع موقع “إيلاف” قال فيه إنّ تل أبيب تتابع عن كثب تحركات إيران في المنطقة، وخصوصاً في اليمن.
ومع تصاعد التوتّر بين إيران وأذرعها من جهة، وبين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى بعد اغتيال العالم النووي الإيراني مُحسن فخري زاده الذي وجّهت طهران أصابع الاتهام لإسرائيل بالوقوف خلفها، وتزامناً مع الذّكرى السّنويّة الأولى لعملية اغتيال سليماني التي أكّدت إيران أنّها سترُدّ عليها ردًا “مُتناسبًا”… تتجه الأنظار نحو اليمن، الذي يُعتبر في صلب نقاط الاشتباك الأميركي – الإيراني في المنطقة، والذي يمتدّ من الخليج العربي إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن، وحتى شبه القارة الهندية.
“نزاعنا مع أميركا سيكون في مكان آخر غير العراق”. هذا ما قاله سفير إيران لدى العراق إيرج مسجدي خلال حفل أقامته السفارة الإيرانية في العاصمة بغداد بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لاغتيال قائد فيلق القدس السّابق قاسم سليماني
احتمال استعمال الإيرانيين اليمن كقاعدة انطلاق للرّد على مقتل فخري زاده وسليماني يتزايد يومًا بعد يومٍ بسبب مؤشّرات وأسباب عديدة أبرزها:
1- تأكيد السّفير الإيراني في بغداد والميليشيات الموالية لها “رفضهم واستنكارهم لاستهداف البعثات الدّبلوماسيّة” بعد القصف الأخير الذي طال السّفارة الأميركية في بغداد.
2- زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني الأخيرة إلى العاصمة العراقية ولقائه برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. وكشفت مصادر خاصّة بـ”أساس” أنّ قاآني طلب من الكاظمي إبلاغ الأميركيين أن لا علاقة لطهران بالقصف الذي طال السّفارة الأميركية.
تأكيد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في مقابلته الأخيرة أنّ الرّد على مقتل سليماني ليس محصورًا بإيران، وهذا الكلام يعني أنّ إيران ستتجنّب الرّد بشكلٍ مباشر على مقتل كلّ من سليماني وفخري زاده.
3- حاجة إيران سياسيًا إلى توجيه ضربة لإسرائيل، ولو بالوكالة، وذلك بسبب الاتهامات التي توجّهها طهران إلى “تل أبيب” حول دورها في اغتيال سليماني، واغتيال فخري زاده، والهجوم الذي طال منشأة نطنز النووية، وبعض المنشآت العسكريّة التابعة للحرس الثّوري، والغارات التي تستهدف مخازنها وموقعها بشكل شبه دائم في سوريا.
4- تجنّب الرّد أقلّه حتّى السّاعة من لبنان أو سوريا أو العراق لعوامل عدّة أبرزها:
– الوضع الاقتصادي والسّياسي في لبنان الضّاغط على حليف إيران الأوّل في المنطقة “حزب الله”، وخصوصًا بعد انفجار مرفأ بيروت والتدهور الكبير بسعر صرف الدّولار والعقوبات الأميركية على حلفائه، ما يجعل وضعه السّياسي الداخلي يُجنّبه الدّخول في أي نزاع أو مواجهة مع إسرائيل.
– السّاحة المكشوفة في سوريا، والتي تسبّبت أكثر من مرّة في إحباط الجيش الإسرائيلي لعدد من المحاولات الإيرانية لاستهداف جنود إسرائيليين في الجولان المُحتل عبر زرع عبوات ناسفة أو تركيز منصات لإطلاق الصّواريخ، كانت عرضة لضربات إسرائيلية استباقيّة. إذ إنّ إحباط عمليّة من الأراضي السّورية التي هي تحت العين الإسرائيلية والأميركية والرّوسية سيكون أمرًا مُحرجًا لإيران التي تحتاج إلى ضمان نجاح العملية والإبقاء على تأثير كبير في الدّاخل السّوري.
كشفت مصادر خاصّة بـ”أساس” أنّ قاآني طلب من الكاظمي إبلاغ الأميركيين أن لا علاقة لطهران بالقصف الذي طال السّفارة الأميركية
– في العراق فإنّ النزاعات القائمة بين الفصائل الموالية لإيران، وعدم قدرة اسماعيل قاآني على “دوزنة” الإيقاع فيما بينها على عكس سلفه قاسم سليماني. وهو كان يضبط إيقاع قادة الفصائل العاملة تحت إدارته بمجرّد إبلاغهم بمجيئه إلى العراق ولقائهم لبضعة دقائق. وهذا يتسبّب بتعقيدات لوجستية كبيرة لإيران. بالإضافة إلى الضّغط الذي تُمارسه الحكومة الأميركية على حكومة الكاظمي لملاحقة المتورطين بقصف سفارتها وتحرّك بعض الأجهزة القضائية والأمنية العراقية بهذا الاتجاه. ما سبّب تضييقًا إضافيًا على هامش تحرّك طهران على السّاحة العراقيّة.
5- تزويد إيران لميليشيات الحوثي بطائرات مسيّرة وصواريخ مُجنّحة من طراز (قدس وقدس2) يبلغ مداها أكثر من 1500 كلم، ما يجعل السّفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ومناطق جنوب فلسطين المُحتلة في مرمى هذه الصّواريخ، التي استعملتها ميليشيات الحوثي في قصف منشآت أرامكو ومدينة جدّة السّعوديّة.
6- تصريح رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عام 2019: “إيران تطمح الآن للحصول على سلاحٍ دقيق يمكنه ضرب أي هدف في الشرق الأوسط بدقة 5 – 10 أمتار، إنها تطمح لتطوير هذا وأدخلته (الصواريخ الدقيقة) إلى اليمن بهدف استهداف إسرائيل من هناك أيضاً“.
7- النّشاط الأخير لميليشيات الحوثي في زرع ألغام بحريّة في البحر الأحمر، ما يعني ارتفاع نسبة إمكانية استهدافه لسفنٍ حربية أو تجاريّة إسرائيلية التي تعبر في المنطقة.
إقرأ أيضاً: لماذا ردّت إسرائيل على نصر الله بقصف مخزن صواريخ دقيقة؟
كل هذه المؤشّرات، تدلّ على أنّ إيران قد تستغل السّاحة اليمنية التي يُشكل الحوثي امتدادها فيها، لمحاولة توجيه ضربة بالوكالة لإسرائيل وبشكل غير مباشر لأميركا.