تعاملت القوى السياسية مع مجريات تأليف الحكومة خلال الأيام الأخيرة، مع دخول بكركي على خطّ تذليل العقبات الواقعة بشكل أساسيّ بين رئاسة الجمهورية ومعها “التيار الوطني الحرّ” من جهة، ورئاسة الحكومة من جهة أخرى، على أساس أنّها عقد محليّة الطابع. وأوحى الطبّاخون بأنهم عزلوا أنفسهم واعتباراتهم عن أيّ عوامل خارجيّة من شأنها أن تُثقل المشاورات… إلى درجة أنّ المحيطين برئيس الحكومة المكلّف كانوا ينتظرون فعلاً خروج الدخان الأبيض من مدخنة قصر بعبدا لتعلن مراسيم الحكومة على أثر اللقاء – القمة رقم 13! ولو أنّه رقم يجلب وفق البعض، النحس، لكن يبدو أنّ هناك من راهن على حسن طالعه.
ولأنّ عزل ملف الحكومة عن “البهارات” الخارجية، يحتاج إلى “معجزة إلهية” تحمي اللاعبين المحليين من تأثيرات المتغيّرات الحاصلة في العالم، وأهمها في البيت الأبيض، يقول أحد المتابعين عن كثب لطبخة التأليف، إنّه كان من غير المتوقع حدوث أي خرق نتيجة اللقاء بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري. بنظره، الأجواء لم تنضج بعد لكي يتبادل الفريقان التنازلات التي من شأنها أن تسهّل الولادة الحكومية.
لكن قبل الموعد المرتقب، كيف كانت الأجواء؟
وفق المتابعين، كان “التيار الوطني الحر” قد سجّل خطوة نوعية في تنازلاته وتحديداً بشأن الثلث المعطّل، بحيث رست المشاورات العابرة للمقار الرئاسية على صيغة الـ”3 ستات”، لتكون حصّة رئاسة الجمهورية مع فريقه السياسي، مؤلّفة من ستة وزراء بمن فيهم الوزير الأرمني، وستّة وزراء للثنائي الشيعي وحلفائهما (تيار المردة والحزب السوري القومي الاجتماعي)، بالتوازي مع ستة وزراء لرئيس الحكومة مع الحزب التقدميّ الاشتراكيّ.
يقول أحد المتابعين عن كثب لطبخة التأليف، إنّه كان من غير المتوقع حدوث أي خرق نتيجة اللقاء بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري. بنظره، الأجواء لم تنضج بعد لكي يتبادل الفريقان التنازلات التي من شأنها أن تسهّل الولادة الحكومية
ولهذا يعتقد المقرّبون من “التيار الوطني الحرّ” بدورهم أنّ الأجواء كانت صبيحة أمس إيجابية، تتمتّع بالقدر الكافي من الزخم الذي يسمح لها بتسجيل خرق نوعي، شرط ألا يضع رئيس الحكومة العصي في دولاب وزارة الداخلية.
وفق هؤلاء، كانت حقيبة الداخلية العقدة الأبرز المتبقيّة على لوحة المشاورات، بعد تخطيّ عقدة وزارة الطاقة التي تمّ التفاهم على إسنادها إلى جو صديّ الذي يلقى رضى الادارة الفرنسية أيضاً. كذلك جُيّرت حقيبة المال الى يوسف خليل رغم الاعتراض الذي كان يسجله الفريق العوني على هذا الاسم بسبب كونه من “محور” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لتبقى إشكالية وزراة العدل، وعقدة العقد: وزراة الداخليّة.
الخطيئة الكبرى التي وقع فيها سعد الحريري تجلت بتسليمه أمّ الوزارات إلى رئيس الجمهورية على طبق من فضة، فتمسك بها الأخير خصوصاً أنّ الحريري جيّر حقيبة الخارجية للحزب التقدمي الاشتراكي تاركاً حقيبة العدل لرئاسة الجمهورية.
طيلة الساعات الأخيرة، تمحوّرت الاتصالات بين القوى المعنيّة حول مصير “الداخلية”: يرفض رئيس الجمهورية حصره بحقيبة سياديّة واحدة ويصرّ على أن تؤول “الداخلية” الى اسم يتفاهم عليه مع رئيس الحكومة (يعتبر رئيس الجمهورية أن اسم نقولا الهبر هو لرئيس الحكومة حصراً)، فيما يرفض رئيس الحكومة ترك الفريق العوني يتحكم بتسمية هذا الموقع خشية من كيديّة سياسية قد يمارسها هذا الفريق فيما لو أمسك بالمفاصل الأمنية، وخوفاً من اعتراض الشارع السنّي واتهامه بالتفريط بأمّ الوزارات.
ولهذا أبلغ الحريري كلّ من تواصل معه خلال الساعات الأخيرة رفضه التخلي عن مبنى الصنائع مهما كانت الضغوطات قوية. هكذا كان رهان اللقاء 13 على دفع أحد الرجلين إلى التنازل… أو الاتفاق على اسم مشترك.
الخطيئة الكبرى التي وقع فيها سعد الحريري تجلت بتسليمه أمّ الوزارات إلى رئيس الجمهورية على طبق من فضة، فتمسك بها الأخير خصوصاً أنّ الحريري جيّر حقيبة الخارجية للحزب التقدمي الاشتراكي تاركاً حقيبة العدل لرئاسة الجمهورية
في العقل العونيّ، أثبتت التجربة مع الحريري أنّه مستعدّ دوماً للتراجع وأنّه لا يحتمل الكثير من الضغط، فيتّجه دوماً إلى القيام بما يرفض القيام به في انطلاقة المفاوضات. هكذا، يراهن العونيون على دفع رئيس الحكومة إلى تقديم تشكيلة تناسب حساباتهم.
في المقابل، في عقل الحريري، هي فرصة ذهبيّة ليفرض بعض التنازلات على الفريق البرتقاليّ وتحصيل ما عجز عن تحصيله في حكومتيْه السابقتيْن، نظراً لدقّة الوضع وهو المتيقّن أنّ العهد يريد الحكومة بأيّ ثمن خوفاً من انهيار الهيكل فوق رؤوس الجميع. وإذا لم يتمكن من دفع العونيين إلى التنازل، فلن يمانع بالانتظار.
إقرأ أيضاً: زيارة الحريري الـ13 إلى بعبدا: هل تنضج “طبخة البحص”؟
أمس كان الحريري في قصر بعبدا على أساس تفاهم جرى التوصل إليه قبل ساعات يقوم على وضع خارطة طريق للمشاورات: حلّ إشكالية الحصص أوّلاً (تمّ الاتفاق على ثلاث ستات)، ومن ثم الانتقال إلى بند الحقائب (كان توجه الحريري أن يلين في وزارة العدل ويتشدّد في الداخلية)، لتكون المرحلة الأخيرة مرحلة الأسماء.
إثر اللقاء الـ13، أكدت مصادر الحريري أنّه رفض الإفصاح عما جرى في الاجتماع مع رئيس الجمهورية باستثناء الإشارة إلى تخلّي العونيين عن الثلث المعطل، مشيرين إلى أنّ معيار نجاح هذه الجولة أو فشلها يكمن في التوصل إلى اسم مشترك بين عون والحريري عن “وزير ملك” في الداخلية.