عن “الغريب” فضل شاكر: أيّ عدالة؟

مدة القراءة 5 د


قليلون يعرفون أنّ صوت فضل شاكر اشتهر قبل اسمه. صوته في أغنيتين شهيرتين وضعتا كشارة بداية (جينيريك) لبرنامجيّ “إلك مع ميشال(قزي)” و”وينك وينك” على تلفزيون “المستقبل” في المنتصف الثاني من التسعينات. صوته بدا حينها قريباً وحنوناً، وحفظ الناس الأغنيتين عن ظهر قلب ورددوهما مع برامج ميشال قزي التي لاقت نجاحاً كبيراً في لبنان والعالم العربي. لم يكن فضل شاكر يومها مشهوراً، وعلى الغالب نال بدلاً مالياً متواضعاً لوضع صوته على الأغنيتين، ثم بعد سنوات قليلة صار الإسم أشهر من الصوت، وطوى النسيان هاتين الأغنيتين، حتى إذا ما سمعهما المرء في سياق النوستالجيا، بالكاد ينتبه إلى أنّ الصوت فيهما هو لفضل شاكر.

شخصياً لم أنتبه للصوت إلاّ قبل سنوات قليلة بعد أن أرسل لي صديق الأغنيتين عبر تطبيق الواتساب. بدا الأمر أشبه باكتشاف كنز. استمعت إليهما وأنا أحفظهما جيداً بتركيز في صوت فضل شاكر، مع عودة بالأيام إلى ذلك الزمن الجميل، إلى “ليلة من الليالي”، وتذكرت الأغنية التي شهدت بداية شهرة شاكر ووجدتني أرددها: “وبقول والله زمان يا واحشني من زمان/ لو ترجع بس ليلة نعيشها/ ألف ليلة”. كان ذلك حقاً زمناً أشتاق إليه، وأعتقد أنّ كثيرين من جيلي يشتاقون إليه. ترافق صعود نجم فضل شاكر مع مراهقتنا وشبابنا. حضر في سيارات آبائنا التي كنّا “نسرقها” لنقودها ونرفع صوت الأغنيات لتسمعها الفتيات وتلتفت إلى قلوبنا الطرية المحطّمة. أتذكر جيداً الشعور أثناء قيادة سيارة أبي المارسيدس “لف” ومنها يخرج صوت فضل شاكر وهو يغني “معقول إنساك معقول”؟ ليس معقولاً نسيان أثر تلك الأغنية في تلك السيارة تحديداً على طرقات الشباب مع أوجاع الحبّ الذيذة والبريئة. تعود الذكريات الآن طازجة، عندما أسمع الأغنية. وعادت الأغنية طازجة عندما قرأت خبر حكم المحكمة العسكرية غيابياً على فضل شاكر ب22 سنة سجن بتهمتين: الأولى “التدخل في أعمال الإرهاب التي اقترفها إرهابيون مع علمه بالأمر عن طريق تقديم خدمات لوجستية لهم”، والثانية “بـ”جرم تمويل مجموعة أحمد الأسير المسلحة والإنفاق عليها وتأمين ثمن أسلحة وذخائر لها”. أسمعها في رأسي على وقع الخبر: “نمرق مثل الأغراب ولا نبقى سوى… ياما قالوا الهوى غلّاب ولا مرّة عملنا حساب نبعد يا هوى…”.

شخصياً لم انتبه للصوت إلا قبل سنوات قليلة بعد أن أرسل لي صديق الأغنيتين عبر تطبيق الواتساب. بدا الأمر أشبه باكتشاف كنز. استمعت إليهما وأنا أحفظهما جيداً بتركيز في صوت فضل شاكر

 

هل بات فضل شاكر غريباً؟

أذكر أنّني شعرت بغربة كبيرة عنه حين غطّيتُ، وكنتُ مراسلاً لقناة “الجديد”، زيارته مع أحمد الأسير إلى كفرذبيان. يومها كان يلعب بالثلج مع أنصار الأسير وبدا ضائعاً بين أبيض الثلج وأسود التعصّب الذي كان يمثّله الأسير. نظر إلى كاميرا المصوّر حينها مباشرة وعيناه تقدحان شرّاً وطلب إليه أن يتوقف عن التصوير. بدا بعيداً وغريباً بلا موسيقى وبلا روح. بعدها أتذكره وهو يصرخ عبر الشاشة خلال أحداث عبرا مهدداً رئيس بلدية حارة صيدا بالقتل. أيضاً بدا كأنّه ذهب بعيداً في غربته. قلت لنفسي: لن يعود. ولكنّه كان، حتّى بعد هذه الحوادث المنفّرة، يعود بصوته كضيف خفيف يمرّ مصادفة بالبال. لم أحاول، كما فعل كثيرون، أن أقاطعه عمداً. أن أُطفئ الراديو إذا خرج صوته منه، أو أن أسرع إلى إغلاق “شباك” يطلّ منه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. على العكس، كنت دائماً أفصل بين رقّته وجمال صوته وإحساسه الكبير في الغناء وبين صورته وهو يهدد ويتوعّد إلى جانب أحمد الأسير.

هل كان متطرفاً؟

أكثر من سياسيينا الذين يملأون الشاشات بتعصّبهم وخطابهم الطائفي؟ هل تهجّم على دولة شقيقة كما جاء في الحكم الأول الصادر بحقّه في العام 2016 والقاضي بسجنه خمس سنوات؟ “يا قرداً لم تعرفه الطبيعة، يا حوتاً لفظته البحار، يا أفعى خاف منه الأفاعي”، هل قال ما هو أكثر تهجّماً من هذا الكلام على نظام بشار الأسد؟ هل انفجر فضل شاكر؟ أكثر من انفجار نيترات الأمونيوم؟ هل تورّط في تمويل ميلشيا؟ دلّوني على زعيم لبناني لم يموّل ميليشيا. فار من العدالة؟ العدالة؟!

أذكر انني شعرت بغربة كبيرة عنه حين غطّيتُ، وكنتُ مراسلاً لقناة “الجديد”، زيارته مع أحمد الأسير إلى كفرذبيان. يومها كان يلعب بالثلج مع أنصار الأسير وبدا ضائعاً بين أبيض الثلج وأسود التعصّب الذي كان يمثّله الأسير

هذا بيت القصيد. لا أريد لفنّه أن يشفع له في القضاء. ولا للنوستالجيا أن تأخذني بعيداً عن المطالبة بمحاسبته على ما ارتكبه حقاً. لكن 22 عاماً من السجن تضاف إلى خمسة أعوام في حكم يعود للعام 2016 و15 عاماً في حكم رابع صادر في العام 2017؟ أهذه عدالة في وقت لم يصدر حكم واحد في حق فاسد واحد مسؤول عن تجويع آلاف اللبنانيين؟ أهذه عدالة في وقت يتمرّد وزراء ورؤساء حكومات على القضاء ويرفضون المثول أمامه في قضية تفجيرالمدينة؟

إقرأ أيضاً: أحمد غصين يخرق “جدار صوت” حرب تموز لإيقاظ الموتى

مع هذه الأسئلة أتخيّل فضل شاكر وهو في مخبأه في عين الحلوة يغني وفي باله “العدالة”: “فاكر لما تقولي حسيبك يعني انا حجري وراك؟…”. أما أنا فأعود إلى حنيني. إلى سيارة أبي وأنا أقودها مخترقة بساتين الموز والليمون في كوثرية الرز إلى البحر، ومنها يعلو صوت فضل: ” ولا نبقى سوى… ولا نبقى سوى…”.

مواضيع ذات صلة

كريم خان يفرّغ رواية إسرائيل عن حرب “الطّوفان”

تذهب المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى المسّ بـ “أبطال الحرب” في إسرائيل، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع المقال يوآف غالانت. بات الرجلان ملاحَقَين…

هل يريد بايدن توسيع الحروب… استقبالاً لترامب؟

من حقّ الجميع أن يتفاءل بإمكانية أن تصل إلى خواتيم سعيدة المفاوضات غير المباشرة التي يقودها المبعوث الأميركي آموس هوكستين بين الفريق الرسمي اللبناني والحزب…

مواجهة ترامب للصين تبدأ في الشّرق الأوسط

 يقع الحفاظ على التفوّق الاقتصادي للولايات المتحدة الأميركية في صميم عقيدة الأمن القومي على مرّ العهود، وأصبح يشكّل هاجس القادة الأميركيين مع اقتراب الصين من…

الحلّ السعودي؟

ينبغي على واشنطن أن تُدرِكَ أنَّ المملكة العربية السعودية الأقوى تَخدُمُ الجميع، فهي قادرةٌ على إضعافِ قوّةِ إيران، كما يُمكنها أن تدفع إسرائيل إلى صُنعِ…