قبل أيام معدودة من انتهاء عقد سوناطراك، بات ملف الفيول استحقاقاً داهماً، يستدعي استنفار الدولة برمّتها لكي لا يقع اللبنانيون في العتمة الشاملة. المفاوضات مع الجانب العراقي لا تزال جارية، وسط تكتم شديد من جانب رئاسة حكومة مستقيلة تتولّى المباحثات مع السلطات العراقية المختصة.
وفق الجانب اللبناني، فإنّ تأمين الفيول العراقي من شأنه أن يخفّف من وقع الارتطام اللبناني في قعر أزمته الاقتصادية – المالية، لسببين، أوّلهما لأنّ كلفة المشتقات العراقية ستكون بأسعار مخفّضة، وثانيهما هو آلية الدفع المؤجلة التي تسمح للبنان بكسب مزيد من الوقت، على أن يتمكّن مع الوقت من الوقوف على قدميه وسداد مستحقاته.
حتّى الآن، لا تملك رئاسة الحكومة جواباً حاسماً لنتائج تلك المفاوضات، لكنّها تفترض أنّ الأسبوع المقبل سيحمل الوضوح لهذا المسار، وما إذا كان بالإمكان تخفيف هذا العبء على الخزينة العامة، أم أنّ هناك حاجة للبحث في آليات بديلة، قد لا تستبعد زيادة في ساعات التقنين الكهربائي.
تأمين الفيول العراقي من شأنه أن يخفّف من وقع الارتطام اللبناني في قعر أزمته الاقتصادية – المالية، لسببين، أوّلهما لأنّ كلفة المشتقات العراقية ستكون بأسعار مخفّضة، وثانيهما هو آلية الدفع المؤجلة
في هذه الأثناء، احتدم السجال بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات بسبب دفتر الشروط الذي تضعه الوزارة لإجراء مناقصة لتأمين عقد بديل عن ذلك الموقّع مع “سوناطرك” و”كي بي سي”. وقد اتخذ السجال طابعاً علنياً بحيث لم تتردّد المدير العام للنفط أورور فغالي، التي تمّ تكليفها بصورة مؤقتة بمهام إدارة منشآت النفط، في تسطير بيان تفنّد فيه تفاصيل تبادل الملاحظات مع إدارة المناقصات.
في الواقع، يجزم المعنيون أنّ الدفتر لن يرى النور في وقت قريب، وأنّ المناقصة لن تسلك طريقها إلى التنفيذ في وقت قريب أيضاً، وسيحلّ تاريخ 31 كانون الأول 2020 من دون عقد بديل عن عقديّ “سوناطراك” و”كي بي سي”. فيما يبدو، وفق معترضين على أداء وزارة الطاقة، أنّ الأخيرة تعتمد أسلوب التسويف والمماطلة لكي يحلّ هذا التاريخ من دون تحضير دفتر شروط. بالنسبة لهؤلاء، يحيط بسلوك وزارة الطاقة في هذا الشأن، الكثير من علامات الاستفهام والشكوك. وهي التي انتظرت أكثر من ثلاثة أشهر بعد صدور قرار مجلس الوزراء، لترسل مشروع دفتر الشروط إلى إدارة المناقصات. وها هي تتهمه بإدارة رحلة الردود المتتالية، وكأنّها تمهّد لتحميله مسؤولية التأخير في الانتهاء من الدفتر.
أكثر من ذلك، يقول المعترضون إنّ الدفتر كما تريده وزارة الطاقة، يتضمّن أفخاخاً تثير الشبهات حول أهدافها، وقد حاولت إدارة المناقصات تصويب الأمور من خلال ملاحظاتها، لكن يبدو أنّ وزارة الطاقة غير راضية عن تلك الملاحظات لأسباب غير مبرّرة، وهي تتهم إدارة المناقصات بالتدخّل في المواصفات الفنية، التي تعتبرها من صلاحيات الوزارة، مع العلم أنّ إدارة المناقصات تستند في مراجعاتها إلى إفادات خبراء من الاتحاد الأوروبي لمساعدتها في تصويب دفتر الشروط.
يجزم المعنيون أنّ الدفتر لن يرى النور في وقت قريب، وأنّ المناقصة لن تسلك طريقها إلى التنفيذ في وقت قريب أيضاً، وسيحلّ تاريخ 31 كانون الأول 2020 من دون عقد بديل عن عقديّ “سوناطراك” و”كي بي سي”
فعلى سبيل المثال، تضمّن دفتر الشروط مواصفات فنية للفيول، هي أعلى من تلك التي تطلبها مؤسسة كهرباء لبنان، وستكون كلفة هذا الفيول أعلى من كلفة الصنف المطلوب بالأساس، وهذا ما يدفع إلى توقع السيناريو من اثنين: أن تلتزم الشركة التي سترسو عليها المناقصة بالمواصفات المنصوص عليها في الدفتر، أو أن تعود إلى المواصفات المطلوبة من مؤسسة كهرباء لبنان كونها تتطابق مع شروط معامل الإنتاج والتي هي أقل كلفة من تلك المنصوص عليها في الدفتر.
الأرجح أنّ السيناريو الثاني هو المتوقّع، ما يطرح السؤال عن هوية المستفيد من فارق الأسعار. وهل ستسعّر الشركة على أساس الكلفة المنصوص عليها في الدفتر أو على أساس الكلفة الفعلية؟
إلى ذلك، فإنّ إصرار وزارة الطاقة على حصر المناقصة بشركات عالمية، يرفع من منسوب الاشتباه بأداء الوزارة، خصوصاً أنّ الدفتر ينص على أنّه بعد إبرام عقد مع شركة عالمية يمكن لوزارة الطاقة أن تدخل معها شركة وطنية كوكيل، وذلك من دون ذكر آلية شفافة وعلمية لاختيار هذا الوكيل، ما يعني أّنّ الاستنسابية والزبائنية قد تتحكّمان بهذا القرار.
إقرأ أيضاً: حقيقة أم إشاعة: لبنان غارق بالمازوت
ولهذا يعتقد المعترضون أنّ كلّ ما تقوم به وزارة الطاقة، هو نوع من التسويف والمماطلة لكي يحلّ يوم 31 كانون الأول من دون مناقصة جديدة، فتخرج الوزارة من كمّها أرنب اللحظة الأخيرة: إما تمديد عقد سوناطراك بشكل رضائي من جديد، وإما اللجوء إلى آلية “السبوت كارغو” (غبّ الطلب) التي تُبقي قرار التحكم بيد وزير الطاقة.
ويسأل هؤلاء: وسط كلّ هذا الضجيج، لماذا لم يطلب من شركة “كي بي سي” الكويتية أن تؤمّن الفيول وفق العقد الموقّع معها؟ ولماذا بقي هذا العقد حبراً على ورق؟