هل ستصل “القنبلة” التي فجّرها قاضي التحقيق العدلي فادي صوّان بالادّعاء على رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وثلاثة وزراء سابقين، ثم دعوتهم إلى التحقيق لاستجوابهم في انفجار المرفأ، إلى معرفة المالك الفعلي لشحنة نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، وإلى أين ذهبت معظم كميات الشحنة، ما أدّى انفجار ما تبقّى منها إلى كارثة لم يعرفها لبنان في تاريخه؟
في انتظار تبيان “الخيط الأبيض” لهذه “القنبلة ” من “خيطها الأسود”، بدت ردود الفعل التي تلاحقت بعد صدور قرار القاضي صوّان، أشبه بـ “زلزال سياسي” يحاكي عنف زلزال انفجار 4 آب. فإذا كان عصف الأخير قد أدّى إلى قلب العاصمة رأساً على عقب، فيبدو أنّ “الزلزال” السياسي مرشّح ليقلب مسار التحقيق الداخلي بالانفجار ويضعه أمام منعطف سيؤدي، إمّا إلى رفع الستارة عن أخطر معطيات الانفجار، وإمّا يؤدي إلى ختم هذا المسار بـ “الشمع الأحمر”.
في معلومات لـ “أساس” من أوساط قانونية قريبة من التحقيق، أنّ عاصفة ردود الفعل على خطوة القاضي صوّان مرشّحة لتصبح “زوبعة في فنجان” برج بابل الجدل الداخلي، طالما يبدو أنّ الأمور لا تزال بعيدة عن مقاربة العنصر الرئيسي في ملفّ الانفجار، الذي يحدّد منذ البداية هوية الطرف الذي كانت له ملكية 2750 طنّاً من نيترات الأمونيوم، كما يحدّد إلى أين ذهب القسم الأكبر منها فلم يبقَ سوى 1500 طن فقط من هذه المادة تسبّبت بالانفجار، بحسب ما ورد في تحقيق رجال الـ”FBI” الأميركي، الذين كانوا من أوائل من وصلوا إلى مسرح الانفجار بعد 4 آب.
وفق هذه الأوساط القانونية، فإنّ من الأهمية القصوى معرفة إلى أين ذهبت كمية 2250 طناً على مدى الأعوام الستّة التي مكثت فيها شحنة الأمونيوم في العنبر الرقم 12. وقالت إنّ إماطة اللثام عن هذا الجانب من القضية سيؤدّي إلى معرفة الجهات التي استفادت من الكميات المفقودة في مجالات عدّة بينها صناعة المتفجرات على أنواعها في لبنان وخارج لبنان.
في انتظار تبيان “الخيط الأبيض” لهذه “القنبلة ” من “خيطها الأسود”، بدت ردود الفعل التي تلاحقت بعد صدور قرار القاضي صوّان، أشبه بـ”زلزال سياسي” يحاكي عنف زلزال انفجار 4 آب
وسبق منذ أسابيع عدّة أن نُشرت معلومات مستقاة من تقرير روسي يفيد أنّ إيران التي كانت منغمسة في الحرب السورية، سارعت وبالتنسيق مع موسكو إلى نجدة نظام الأسد بشحنات متتالية من نيترات الأمونيوم عبر مرفأ بيروت، وواحدة عبر مطار رفيق الحريري الدولي. ويتطابق التقرير الروسي هنا مع التقرير الذي نشرته أخيراً صحيفة Die Welt اليومية الألمانية التي كشفت بصورة موثّقة أنّ الحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني أرسل بين عامي 2013 و2014، ما يتراوح بين 630 و670 طنّاً من نيترات الأمونيوم عبر مرفأ بيروت إلى “حزب الله”، الذي تولّى نقلها إلى سوريا. وبحسب التقرير الروسي، فإنّه ليس مصادفةً أنّه منذ نهاية العام 2013 تقريباً، بدأ نظام بشار الأسد يستخدم البراميل المتفجّرة في قصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، وهي عبارة عن براميل نفط قديمة محشوّة بمواد متفجرة ومعدنية وخردة، يتمّ إلقاؤها بواسطة المروحيات من علوٍ منخفض، ولا يمكن التحكّم بأهدافها، وقد تسبّبت بمقتل مئات الأشخاص المدنيين وربما الآلاف. ويرجّح أنّ كميات نيترات الأمونيوم التي ينقلها “حزب الله” من مرفأ بيروت، وتحديداً من العنبر 12 الذي كان تحت سيطرته بالكامل، هي الحشوة الأساسية لبراميل الأسد.
في المقابل، سارع البيان الأخير الذي أصدره “حزب الله” ليأخذ قضية انفجار مرفأ بيروت في اتجاه معاكس للذي ورد في التقرير الروسي، ليعلن “تأييد الحزب المبدئي والتام للتحقيق القضائي النزيه والشفاف في جريمة انفجار المرفأ المروّعة… ومعرفة الحقيقة الكاملة في الجريمة ابتداءً من وصول سفينة المواد المتفجرة إلى المرفأ والجهات التي تملكها ومعرفة الوجهة النهائية لهذه الشحنة، وأسباب بقائها كلّ تلك السنوات في عنابر المرفأ، وصولاً إلى أسباب الانفجار، ومن يقف وراءَه”.
لم يأتِ بيان “حزب الله” بجديد غير الذي سارع إلى إعلانه الأمين العام حسن نصرالله بعد أيام من الانفجار قائلاً: “نحن لا ندير مرفأ بيروت ولا ندري ما يوجد فيه”. لكنّ بيان الحزب، حمل في الوقت نفسه بشدّة على قرار القاضي صوّان عندما أعرب عن الرفض “بشكل قاطع غياب المعايير الموحدة التي أدّت إلى ما نعتقده استهدافاً سياسياً طال أشخاصاً وتجاهل آخرين دون ميزان حق”، داعياً “قاضي التحقيق المختصّ إلى إعادة مقاربة هذا الملفّ المهمّ من جديد، واتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة بالوصول إلى الحقيقة المنشودة”.
إذاً فإنّ “جبهة الرفض” لما صدر عن القاضي صوّان، التي أصبحت الآن بقيادة “حزب الله”، تطرح أكثر من علامة استفهام حول مصير الخطوات التالية التي تضمّنها قرار القاضي الذي ادّعى على رئيس حكومة تصريف وعلى الوزراء السابقين، للمال علي حسن خليل، والأشغال العامة والنقل غازي زعيتر، ويوسف فنيانوس، في “جرم الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص”، محدّداً الإثنين والثلاثاء والأربعاء من الأسبوع المقبل “مواعيد لاستجوابهم كمدّعى عليهم”، فهل سيمضي القاضي صوّان قدماً في الإجراءات التي قرّر القيام بها؟ أم أنّ تعديلاً سيطرأ على هذا المسار الذي قرّره؟
يتطابق التقرير الروسي هنا مع التقرير الذي نشرته أخيراً صحيفة Die Welt اليومية الألمانية التي كشفت بصورة موثّقة أنّ الحرس الثوري الإيراني بقيادة الجنرال قاسم سليماني أرسل بين عامي 2013 و2014، ما يتراوح بين630 و670 طنّاً من نيترات الأمونيوم عبر مرفأ بيروت إلى “حزب الله”، الذي تولّى نقلها إلى سوريا
في انتظار الجواب على هذا السؤال المزدوج، تشير أوساط قانونية إلى أنّ ما قام به قاضي التحقيق العدلي يمثّل ردّاً على حملة وضعته في زاوية التقصير في أداء المهمة التي كُلّف القيام بها. وبلغت هذه الحملة ذروتها في 27 تشرين الثاني الماضي عندما رفض مجلس النواب الاستجابة لطلب القاضي صوان اتّخاذ الخطوات الضرورية في إطار قانون محاكمة الرؤساء والوزراء تحضيراً لقراره الأخير. وفيما اعتبرت المناقشات النيابية هذا الطلب “تهرّباً من المسؤولية”، أعلن رئيس مجلس النواب نبيه برّي أنّ البرلمان جاهز “عندما تكون هناك قرارات اتهامية حقيقية وملفات، فنطبّق القانون رقم 13، لقد أقسمنا اليمين قضاة ونوابًا”. وقال: “لقد قمنا باللازم وأجبناه”.
إقرأ أيضاً: من عطّل كاميرات العنبر 12 قبل التفجير؟
حتّى الآن، يبدو القاضي صوان من غير “جبهة مساندة” توازي “جبهة الرفض” المناهضة له. وبدا البيان الذي أصدره نقيب المحامين في بيروت ملحم خلف أشبه بـ”اليتيم” في مواجهة الرفض، عندما نوّه خلف بهذه “الخطوة الشجاعة المحقة”، وقال إنّها ” دليل شجاعة وصلابة .. وبصيص أملٍ ورجاء يخرق الجدار باتجاه استقلالية القضاء المنشودة؟”.
قبل معمعة القضاء داخلياً، أطلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال افتتاح “المؤتمر الدولي الثاني لدعم بيروت والشعب اللبناني”، في الثاني من الشهر الجاري، قائلاً: “لن نتخلّى عن التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت وعن ضرورة القيام بالإصلاحات”.
فهل هناك مفاجآت أخرى بعد تلك التي حملها قرار القاضي صوان؟
على ما يبدو أنّ الباب مفتوح الآن على هذه المفاجآت.