جبران يدخل موسوعة “غينيس” في كسب الخصوم

مدة القراءة 5 د


لا يهدأ جبران باسيل. لا يتوقف عن اختراع المعارك. هو أكثر من تنطبق عليه صفات “ذرّار” الرماد في العيون. هو الذّي يذرّي الزؤان بدلاً من القمح. وفي مذراته تراكمات من تلال الضغينة، وعقد النقص، وأكوام من رماد متراكمة من جحيم القلوب والعقول.

على مدى خمسة عشر عاماً لم يتغيّر حرف في مضمون خطاب الرجل ولا تياره أو رئيس جمهوريته. الكلام نفسه يردّده إذا كان في المعارضة أو في الموالاة، في الأكثرية الساحقة أو في الأقلية المعرقلة. يعيش في حالة إنكار متعمّدة، وتلك الحالة علمياً تعني أنّ من يعانيها أو يتعمّد انتهاجها يهدف إلى الدفاع عن نفسه، بسبب إحساسه وتيقّنه من فقدان صلته بالواقع. ولذلك هو أكثر من يخالف الواقع والوقائع.

منذ فرضت عليه العقوبات الأميركية، فقد باسيل كلّ أشكال التوازن، حتّى مع حزب الله لم يعد كما كان. وهو إذ وجد نفسه ملتصقاً بالحزب أكثر، إلا أنّه لا يخاف التعبير عن أنّه لا يثق بالحزب، سياسياً على الأقل. اختلال توازنه وضعه في موقع ضعيف مسيحياً، وداخل بيئة التيار الوطني الحرّ، بعد مراكمة أسباب الضعف منذ “ثورة 17 تشرين”، وتيقّنه من أنّه بات منبوذاً لدى الأكثرية الواسعة من المجتمع اللبناني، هو وممارساته السياسية، وخصوصاً في الساحة المسيحية التي انفجرت بوجهه.

يبحث حالياً عن أيّ فرصة تعيد تعويمه. ينتقل من ملف إلى آخر، وبين أفكار أقلّ ما يقال فيها إنّها سوداء، بعد العقوبات يقول للجميع: “عليّ وعلى أعدائي”. ولو أدّى ذلك إلى تدمير كلّ ما تبقى من مقوّمات الدولة. ولو استُبيح القضاء كرمى لعيونه، فهو الذي يعرف كيف يستغلّ كلّ المفاصل وتجنيدها في حروبه السياسية التي لا تهمّه إذا أدّت إلى حروب فعلية على الأرض، طائفياً ومذهبياً، لما ستأتي به من توترات وتشنجات نتيجة التحريض الممنهج.

يعيش في حالة إنكار متعمّدة، وتلك الحالة علمياً تعني أنّ من يعانيها أو يتعمّد انتهاجها يهدف إلى الدفاع عن نفسه، بسبب إحساسه وتيقّنه من فقدان صلته بالواقع. ولذلك، هو أكثر من يخالف الواقع والوقائع

منذ فترة يغيب باسيل عن السمع، عمل من منزله في اللقلوق على تأسيس غرفتي عمليات في إطار الحرب على “الأعداء”:

– غرفة قضائية: تضم قضاةً حاليين أبرزهم مدعي عام جبل لبنان غادة عون، والقاضية هيلانة اسكندر، وآخرين يدينون بالولاء الكامل له بفعل تشكيلات قضائية أقرّت سابقاً بينما يستمرّ تعطيل التشكيلات القضائية الحالية، بالإضافة إلى قضاة متقاعدين، من بينهم وزير القصر سليم جريصاتي، ومحامين من بينهم وديع عقل. وتعمل هذه الغرفة على محاولة نبش أيّ معلومة في أيّ دائرة تنال من سمعة الخصوم، أو يمكن استخدامها لتشكّل مادة قضائية تستخدم في التجاذب السياسي أو في حروب الابتزاز التي يجيدها بإتقان. تعمل هذه الغرفة على تحصيل كمّ هائل من المعطيات حول دوائر الدولة والمال العام لطرحها كدعاوى قضائية بوجه الخصوم. ومدّعي عام جبل لبنان جاهزة لتقديم سرعة كبير في الاستجابة السياسية. وذلك على غرار استدعائها لحاكم مصرف لبنان أمس.

يريد باسيل أن يشنّ الحرب على الجميع، على سعد الحريري الذي يتمّ تخويفه بالملفات في مجلس الإنماء والإعمار، وزارة الاتصالات، وغيرها من المؤسسات والإدارات. وضدّ الرئيس نبيه بري، في المجلس النيابي، مجلس الجنوب ووزارة المال. وضدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، سواء بقضية الدولار المدعوم أو التدقيق الجنائي وغيرهما. وضدّ رئيس مجلس إدارة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت. وضدّ وليد جنبلاط في صندوق المهجرين وغيره. وضدّ تيار المردة في وزارة الأشغال وفتح ملفات قديمة في الكازينو. وضدّ نهاد المشنوق ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة. وضدّ المؤسسات الأمنية وعلى رأسها الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، وضدّ كلّ شخص يعارضه ولا يعيره أيّ اهتمام أو يقيم له أي وزن.

– غرفة إعلامية: أسّس باسيل غرفة إعلامية، مهمتها مواكبة هذه الملفات واستباقها من خلال إثارتها في الإعلام وتشكيل جوّ ضاغط على من يريد باسيل تهشيمه أو اتهامه، وتلك الغرفة مهمتها أيضاً أن تعمل على تسجيل خروقات في الوسائل الإعلامية لتمرير تقارير ومعلومات في إطار حملة ممنهجة ضدّ الخصوم، لقاء خدمات أو مبالغ مالية.

يريد باسيل أن يشنّ الحرب على الجميع، على سعد الحريري الذي يتم تخويفه بالملفات في مجلس الإنماء والإعمار، وزارة الاتصالات، وغيرها من المؤسسات والإدارات

تقود خطوط النار الأمامية في هذه الغرفة محطة تلفزيونية مسيحية، المشرفة على نشرة الأخبار فيها، شقيقة أحد نواب جبران باسيل. ويتحدّث مطّلعون عن اتفاق مالي أبرمه باسيل مع صاحب هذه المحطة، تزامن مع اتفاق مالي آخر أبرمه بهاء الحريري، حتّى صارت أخبار جيري ماهر تفوق أهميّة أخبار الرؤساء والوزراء والنواب على الموقع الإلكتروني للتلفزيون.

إقرأ أيضاً: جبران “الزمكّ”

وقد استمال باسيل هذه المحطة بسبب الضعف المهول في نسبة مشاهدة otv. كما عمل على استمالة عدد من المواقع الإخبارية الإلكترونية، في الصفّ الأوّل وفي الصفّ الثاني، مهمتها أن تكون صدى لما تنشره المحطة التلفزيونية آنفة الذكر.

إنّها حرب يخوضها باسيل بحثاً عن فرصة تنقذه أو تحسّن صورته من خلال تهشيم صور الآخرين، والقول إنّه ليس وحده الفاسد، من خلال ذرّ الرماد في عيون اللبنانيين، لعلّهم ينسون شعار “الهيلا هو” ويستعيدون شعار “كلن يعني كلن”. لكنّه لا يعلم أنّ هذه المعركة ستحرقه كما أحرقته معاركه السابقة من لبنان إلى واشنطن.

رغم كلّ محاولاته لتشويه خصومه، لا يزال هو الأوّل بين السياسيين “المكروهين” من اللبنانيين حتى رشّحه أحدهم لدخول موسوعة “غينيس” بصفته الأكثر قدرة على اكتساب الخصوم.

 

مواضيع ذات صلة

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…

الثنائي وترشيح عون: سوياً ضده… أو معه

كعادته، وعلى طريقته، خلط وليد جنبلاط الأوراق عبر رمي قنبلة ترشيحه قائد الجيش العماد جوزف عون لرئاسة الجمهورية، ليحرّك مياه الرئاسة الراكدة. قبيل عودته إلى…