بعد الجلسة الأخيرة التي جمعت الوفدين اللبناني والإسرائيلي على “مائدة النّاقورة” لترسيم الحدود، كانت التسريبات من الجهتين تشير إلى تمسّك كل طرف بموقفه كاملًا دون أي “تباشير” لتسهيل العملية، إن من الوفد اللبناني المُتمسّك بالـ2200 كلم مربعًا أو من الجانب الإسرائيلي المُصرّ على موقفه أيضًا مُدعّمًا بوفد “شرس” يرأسه مدير عام وزارة الطاقة الإسرائيلية عودي آديري ويضمّ دبلوماسيين ومستشارين وضبّاط، بالإضافة إلى اتكال الوفد الإسرائيلي على “الوسيط” الأميركي لدفع الأمور قُدماً، إذ إنّ نتنياهو يُفضّل اتفاقًا سريعًا لاستثماره في النّفط والغاز ومنه في رفع أسهمه في الدّاخل الإسرائيلي.
تصلّب الموقف اللبناني، خصوصًا بعد خسارة دونالد ترامب السّباق نحو ولاية ثانية في البيت الأبيض، استدعى “شكوى” إسرائيلية تمّ إيداعها لدى الوسيط الأميركي. إذ اتفق الطرفان الأميركي والإسرائيلي على تأجيل الجلسة التي كان يُفترض أن تُعقَد الأربعاء الفائت، وأُوفِد السّفير جون ديروشر إلى بيروت للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وقائد الجيش العماد جوزاف عون ورئيس الوفد اللبناني لترسيم الحدود العميد الرّكن بسّام ياسين وأعضاء الوفد.
المعلومات التي حصل عليها “أساس” من مصادر أميركية جديّة، أشارت إلى أنّ الموفد الأميركي شدّد على أهمية أن يتساهل لبنان في موضوع ترسيم الحدود وأن يترك مجالًا “للكلام الدبلوماسي” للوصول إلى الحلول المرجوّة التي ستعود على لبنان بالنّفع الإقتصادي، مذكّرًا بأنّه لا مصلحة للبنان في “عرقلة” المفاوضات عبر التصّلب في التمسّك بمنطقة الـ2200 كلم. وأشارت المصادر إلى أنّ السفير ديروشر حمل كلامًا ديبلوماسيًا مُبطّنًا عن أنّه ليس من المُفيد للبنان أن يُراهن على التغيّر الرئاسي في واشنطن، إذ إنّ السياسة تجاه لبنان لن تتغيّر في المدى المنظور. وعليه فإنّ على لبنان العودة إلى الطاولة مع إفساح المجال للدبلوماسية، ووضع إمكانية العودة إلى خطّ هوف لإنجاز الترسيم. وفي المُقابل سمِع الموفد الأميركي من الرئيس عون “استعداد لبنان لتذليل الصعوبات التي ظهرت في الجولة الأخيرة من المفاوضات التي جمعت الجانبين، عبر دراسة مُعمّقة تحت مواد قانون البحار”.
السّفير ديروشر لم يستعمل الحِدّة المُباشرة التي غالبًا ما يستعملها مساعد وزير الخارجية لشؤون الشّرق الأدنى ديفيد شينكر، الذي عادة ما يكون صريحًا في الكلام عن العقوبات أو عرض لائحة الشّروط، إلا أنّه أشار خلال كلامه إلى إمكانية أن تضغط واشنطن على أي شخص ترى أنّه “يمنع من التوصّل إلى اتفاق حول الترسيم”، في إشارة ربّما إلى إمكانية أن تُدرِج الولايات المتحدة من تراه “يتمتّع بهذه الصّفات” على لوائح العقوبات.
وهذا الكلام الأوّل عن عقوبات تتعلّق مباشرة بترسيم الحدود. إذ كان أكثر من مسؤول أميركي قد أكّد أن مسار العقوبات على حلفاء حزب الله أو في إطار قانون ماغنيتسكي منفصل تمامًا عن ملف ترسيم الحدود البحرية، ما يعني أنّ مسارًا جديدًا للعقوبات قد يبدأ تطبيقه مع لبنان في حال لم يقدّم لبنان تنازلات لتسهيل إنجاز ترسيم الحدود، وهو ما يريد نتنياهو الانتهاء منه في أسرع وقت ممكن. هذا مع الإشارة إلى أنّ المبعوث الأميركي التقى رئيس الجمهورية ثم أكمل لقاءاته مع الوفد العسكري المفاوض.
وكانت السّفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شاي قد قالت في وقت سابق إنّ “الولايات المتحدة لم تقم بعد بالابتعاد عن لبنان كما فعلت دول الخليج، ولم توقف دعمه”، فيما يبدو رسالة موجّهة لتشكيل الحكومة دون حزب الله ولإنجاز ترسيم الحدود مقابل عدم قطع المساعدات الأميركية بما فيها معونات الـUSAID عن لبنان.
أشارت المصادر إلى أنّ السفير ديروشر حمل كلامًا ديبلوماسيًا مُبطّنًا عن أنّه ليس من المُفيد للبنان أن يُراهن على التغيّر الرئاسي في واشنطن، إذ إنّ السياسة تجاه لبنان لن تتغيّر في المدى المنظور. وعليه فإنّ على لبنان العودة إلى الطاولة مع إفساح المجال للدبلوماسية، ووضع إمكانية العودة إلى خطّ هوف لإنجاز الترسيم
وخلال الأيّام القليلة الماضية برزت مؤشرات عديدة تتصل مباشرةً بملفّ ترسيم الحدود البحرية لا بدّ من التوقّف عندها وهي:
1- المناورات العسكرية الإسرائيلية التي تتكرر عند الحدود الشمالية مع لبنان وآخرها التي جرت يومي الثلاثاء والأربعاء، والمناورات الواسعة التي حملت اسم “السهم القاتل” وتزامنت مع انعقاد الجلسة الأخيرة في النّاقورة. وقد شهدَ الوفدان ومعهما الوسيط الأميركي والراعي الأممي على التحليق المنخفض فوق منطقة “خيمة المفاوضات” للطائرات الحربية الإسرائيلية. وكذلك الجولة التي قام بها رئيس أركان الجيش أفيف كوخافي عند الحدود مع سوريا ولبنان يوم الأحد الماضي، أي مباشرة بعد إبلاغ واشنطن وتل أبيب بيروت تأجيل جلسة الأربعاء.
2- التحليق المُكثّف للطائرات الحربية الإسرائيلية في أجواء الضاحية الجنوبية والعاصمة بيروت على علوّ منخفض، وشنّ بعض الغارات الوهمية في أجواء الضاحية وبعض مناطق الجنوب. ورغم أنّ خرق الأجواء اللبنانية من قبل الطائرات الإسرائيلية ليس بالجديد، إلا أنّ المختلف في هذا التحليق كان توقيته غير المعتاد وتكرره على مدى يومين متتاليين تزامنًا مع تحليق مكثّف لطائرات رصد من نوع G550 في أجواء البحر المتوسط والحدود مع لبنان وسوريا.
من المتوقّع أن تكون مهمّة البارجة ساعر 6 التعامل مع صاروخ ياخونت في أي مواجهة مُحتملة، إذ سيتم تزويد البارجة الجديدة بأنظمة متطورة للدفاع الجوي من طراز Rafael’s C-Dome Navy Iron Dome، وهي نسخة مُحدّثة من نظام القبة الحديدية الإسرائيلي
وتجدر الإشارة إلى أنّ طائرة Gulfstream G550 هي في الأصل من طراز الطائرات الخاصّة، عمل سلاح الجو الإسرائيلي على تعديلها وأصبحت عاملاً أساسيًا في جهاز “استخبارات الإشارات”، إذ تعمل أثناء التحليق على جمع المعلومات الاستخباراتية عبر اعتراض الإشارات سواء تلك المتعلقة بالاتصالات الهوائية بين الناس والتي تعرف باستخبارات الاتصالات أو بالإشارات غير المتعلقة مباشرة بالاتصالات الهوائية. كما يتم تشفير المعلومات الحساسة منها. ويمكن لهذه الطائرة دراسة تبادل الإشارات، واستعمال حركة التبادل لاستخلاص المعلومات المشفّرة.
3- يوم الاثنين، ودون أي ضجّة إعلامية، قام سلاح البحرية الإسرائيلية بتثبيت طفّافٍ جديد داخل المياه اللبنانية قبالة منطقة رأس النّاقورة ، في إشارة لتكريس تل أبيب أنّها تحتلّ منطقة الـ860 كلم مربعًا المُتنازع عليها مع لبنان، وهي رسالة واضحة للمعنيين في ملف ترسيم الحدود، وهي خطوة لم تكن تل أبيب لتُقدِم عليها دون موافقة من واشنطن التي يبدو أنّها تمنح نتنياهو في آخر أيام ترامب “أضواء خضراء” لم تكن قد منحته إياها سابقًا .
4- يوم الأربعاء، وصلت إلى ميناء حيفا البارجة الإسرائيلية الجديدة “آي إن أس ماغن”– INS Magen أو المعروفة بـ”ساعر 6″ التي وصفها قائد العمليات في سلاح البحرية الإسرائيلي إيال هاريل بأنّها مُزوّدة بـ”رادار هو الأكثر تطورا مقارنة بأي سفينة حربية في العالم”. كما أنّ الأسطول الجديد للبحرية الإسرائيلية “سيعزّز قدرة سلاح البحرية على حماية منشآت الدولة العبرية لاستخراج الغاز الطبيعي، من خصوم مثل حزب الله. ومنشآت استخراج الموارد النفطية قبالة السواحل الإسرائيلية هي الهدف الأساس على بنك أهداف حزب الله للعام المقبل”.
إقرأ أيضاً: واشنطن: لبنان هو أولوية التطبيع.. وليس سوريا
وتجد الإشارة إلى أنّ “ساعر 6” هي أكبر بارجة والأكثر تطوراً على الإطلاق، التي تصنعها “تيسن غروب” الألمانية، ومن المقرّر أن تستقبل تل أبيب 4 سفن متطورة أخرى من هذا الطراز بحلول تشرين ثاني 2021، كما تبلغ تكلفة كلّ منها 400 مليون دولار، تتحمل الحكومة الألمانية ثلث تكلفتها. بالإضافة إلى 3 غواصات. وهذه القطع البحرية الجديدة مهمّتها “حماية” المنشآت النفطية الإسرائيلية في البحر من صواريخ حزب الله الذي هدد أمينه العام السيد حسن نصرالله في وقت سابق بقصفها في أي مواجهة مقبلة بين الحزب والجيش الإسرائيلي. كما تُعدّ منصات الغاز في البحر من الأهداف السّهلة عسكريًا، وقد تتعرّض للتدمير أو التضرر بشكل كبير في هجمة صاروخية واحدة، إذ بات معلوماً امتلاك الحزب لصاروخ كروز أرض – بحر أو بحر – بحر، الأسرع من الصوت، من طراز “ياخونت” الرّوسي الصّنع، الذي يُعدّ الأكثر تطورًا ودقّة في ترسانة الحزب الصّاروخية ويبلغ مداه 300 كيلومتر.
ومن المتوقّع أن تكون مهمّة البارجة ساعر 6 التعامل مع صاروخ ياخونت في أي مواجهة مُحتملة، إذ سيتم تزويد البارجة الجديدة بأنظمة متطورة للدفاع الجوي من طراز Rafael’s C-Dome Navy Iron Dome، وهي نسخة مُحدّثة من نظام القبة الحديدية الإسرائيلي، بالإضافة إلى تزويدها بنظام الدفاع الجوي والصاروخي “Barak 8” الإسرائيلي الصّنع والتطوير أيضًا. وتحتوي البارجة على نظام الرادار المتطوّر “ADIR”، الذي تمّ تزويد كلّ أنظمة القتال الموجودة على متن البارجة به. وهو رادار قادر على تتبع مجموعة واسعة من التهديدات المحمولة جوًا بما فيها الطائرات من دون طيّار. كما أنّ أنظمة الحرب الإلكترونية الموجودة في السّفينة ستعمل على تعطيل الصواريخ، ومشاركة بيانات الأهداف مع سلاح الجوّ، ما يعني بنائها لجدار حديدي وناري في البحر المتوسّط.