نوادر عن طرابلسية الـ”لوك داون”: المواطن “يزعبر” والدولة “تطنش”

مدة القراءة 3 د


“آلو قادر تجي تاخدنا هلق”، اتصال أجريته سريعاً ليل السبت الماضي مع سائق “تاكسي” اعتدت التعامل معه، كي يقلّني وعائلتي في “كزدورة سريعة في مدينتي، طرابلس بعد الساعة السادسة مساء”. فاجأتني إجابته: “أكيد شوي وبكون عندك”.

لا يعرف السائق بطبيعة الحال أنّني أحمل بطاقة صحافة، ولم أعلمه بذلك. بل التزمتُ الصمت طوال الرحلة، وفضولي يدفعني إلى استطلاع كيف سيسلك الطريق، بعيداً عن عيون حواجز الدرك.

لكنّ استجابة السائق لم تكن المفاجأة اليتيمة، فزحمة السير الخانقة على امتداد الطريق، وسوق الخضار الذي لم تقفل أبوابه في حركة ناشطة جداً، والبسطات المنتشرة، كانت الصورة الأوضح على “عدم الالتزام”.

طرابلس لا تلتزم. هذه هي الحقيقة. فالجوع قبل الكورونا. وبطون الأطفال فوق القانون.

خلال الطريق فوجئت بالسائق يتحدث مع زملائه عبر مجموعة واتس آب، تسجيلات صوتية عدّة كان يشغلّها على مسمعنا، وهي تحذّر من الحواجز وتدل على النقاط حيث تتمركز القوى الأمنية، فيلتف السائق عليها بذكاء ودهاء.

خلال الطريق تذكرت أنني سمعت من أحد الرفاق عن مقهى يستقبل الزبائن خلال “اللوك داون”، فقررت الذهاب إليه في جولة “فضولية”، وبالفعل وصلنا. كانت الأضواء مطفأة بالنسبة للعابرين على الطريق، وحاجز الدرك على الجهة المقابلة، والأبواب مغلقة. كدت أن أعود أدراجي، لكن تذكرت تأكيد الرفاق. فدخلت إلى باحته، أبحث عن باب ما، أو ربما عن طريق سرداب. وأخذتُ أسترق النظر من بين الستائر فلاحظت بعض الضوء والحركة، وتابعتُ حتى وجدتُ باباً خلفياً، طرقته مراراً لكن ما من مجيب. ثم تجرّأت وحاولتُ فتح الباب، وبالفعل لم يكن مقفلاً. هو باب المطبخ الفارغ. تابعت إلى الداخل وكان هناك باباً ثانياً، طرقته، ففتح لي شاب بشوش الوجه، وأبصرت خلفه الأضواء والطاولات المزدحمة و”خنقة” النراجيل. فسألته، هل بإمكاننا الدخول؟ أجابني: بالطبع. لكن في اللوك داون لا نقدم الطعام، بإمكانك الطلب من الخارج، وعندما يصل الديليفيري تخرجين إليه وتستقبلين الطلبية.

خلال الطريق فوجئت بالسائق يتحدث مع زملائه عبر مجموعة واتس آب، تسجيلات صوتية عدّة كان يشغلّها على مسمعنا، وهي تحذّر من الحواجز وتدل على النقاط حيث تتمركز القوى الأمنية، فيلتف السائق عليها بذكاء ودهاء

هذا المقهى ليس الوحيد، فالعديد من المطاعم شرّعت أبوابها أيام “اللوك دوان”، البعض سرّاً، والبعض الآخر على “عينك تاجر”. أما المضحك، فهو أنّ القوى العسكرية نفسها – وهي الملزمة بمتابعة الحظر – كانت تقصد بعض هذه الأماكن لتناول الطعام أو الشراب.

انتهى اللوك داون، وكأنّه لم يكن. فأرقام الإصابات لم تشهد تراجعاً ملحوظاً، والفوضى ما زالت على حالها، فحظر التجوّل الجديد هو بين الـ11 مساء والخامسة صباحاً، وكأنّ الكورونا على ما يبدو تهوى الخروج ليلاً والانقضاض على ضحاياها بعد الساعة الخامسة مساءً.

إلى ذلك، هل يمكن لوم من خرق الحظر باحثاً عن لقمة عيشه؟

إقرأ أيضاً: موجة كورونا الثانية في لبنان: إقفال تام أو انهيار تام 

مواضيع ذات صلة

أيّها اللبنانيّون.. إلى الكمّامة  دُرْ

أعلن وزير الصحة فراس أبيض ارتفاع النسبة الموجبة لفحوص كورونا إلى 2 .14% بعدما كانت تراوح في بداية شهر كانون الأول الفائت بين 5.5% و6%….

كورونا يعود بقوّة: زيادة الوفيات 78% في الشرق الأوسط

قالت منظمة الصحة العالمية أمس الأول (الثلاثاء) إنّ حالات الإصابة بفيروس كورونا تضاعفت ثلاث مرّات في جميع أنحاء أوروبا خلال الأسابيع الستة الماضية، وهو ما…

الكورونا مجدّداً في لبنان: هل “ينفجر” في تموز؟

كورونا.. جدري القردة.. التهاب الكبد الوبائيّ. يبدو أنّ البيئة المجتمعية والصحيّة في لبنان تساعد على تكاثر الفيروسات. دخل “جدري القردة” لبنان عبر حالة وافدة من…

“أنت البطل في معركة الوباء”.. كواليس كورونا الصينية

“أنت البطل في معركة الوباء” (To fight against covid-19, you are the hero) هو عنوان كتاب يعود بنا إلى بداية أحداث انتشار وباء فيروس كورونا في…