الرئيس سعد الحريري في قصر بعبدا بعد شهر ونصف الشهر من تكليفه لرئاسة الحكومة، ليقدّم أوّل تشكيلة وزارية غير كاملة، و”للنقاش والتداول بالأسماء والحقائب”، تمهيداً للحسم النهائي الذي قد لا تتأمّن مقوّماته غداً الأربعاء، في الموعد الذي حدّده الحريري للقاء رئيس الجمهورية مجدداً.
فالرئيس عون، وفق المعلومات، سبق له، قبل أن ينقطع الحريري عن زيارة بعبدا، أن قدّم للرئيس المكلّف لائحة من أسماء مسيحية بحسب الحقائب المحتملة، ما أدّى إلى ارتفاع المتاريس بينهما هو قيام الحريري في آخر لقاء بينهما بعرض سبعة أسماء من أصل تسعة مسيحيين،سمّاهم الرئيس المكلف، مستثنياً حقيبتي الداخلية والدفاع، ما اعتبره الرئيس عون استبعاداً لدوره في تأليف الحكومة، لتنطلق بعدها “سمفونية” المعايير الموحّدة.
يجزم مطلعون أنّه “طيلة الفترة الماضية لم يَغب الفرنسيون تماماً عن المشهد اللبناني سعياً لحلحة العقد، كما أنّ رجل الأعمال علاء خواجة “اشتغل” على خطّ تقريب وجهات النظر بين عون وباسيل من جهة وبين الحريري من جهة أخرى. لكن الأمر لا يبدو كافياً لتأمين ولادة حكومة قريباً تخفّف من حدّة الانهيار”.
وتقول مصادر قريبة من الحريري إنّه “حرص في زيارته على تأمين مستلزمات إنقاذ الفرصة الأخيرة لولادة الحكومة وتحييدها عن أيّ خضّة بعيداً عن منطق الاستفزاز أو منطق الخضوع وفقاً للمعايير التي وضعها قبل التكليف”.
طيلة الفترة الماضية لم يَغب الفرنسيون تماماً عن المشهد اللبناني سعياً لحلحة العقد، كما أن رجل الأعمال علاء خواجة “اشتغل” على خطّ تقريب وجهات النظر بين عون وباسيل من جهة وبين الحريري من جهة أخرى
ويبدو وفق المعطيات، أنّ الحريري الذي تقشّف في الكلام بعد لقائه عون قد يستفيض في الكلام يوم الأربعاء ربطاً بمناخ اللقاء بينهما، في سياق تظهير أوضح لأي معطى إيجابي أو للعراقيل التي لا تزال تتحكّم بعملية التأليف، فيما تشير المعطيات الى احتمال تقديمه لائحة كاملة ومنجزة يوم الاربعاء.
“البرودة” التي طبعت حركة الرئيس المكلّف في تقديم تشكيلته، برّرها بعدم رغبته بالاصطدام برئيس الجمهورية وبأنّه يراهن على “معطى خارجي” ما، قد ينتشل تكليفه من دائرة الجمود. ومن جهة أخرى استنسخ رئيس الجمهورية خطاب النائب جبران باسيل الذي وصلت أصداؤه إلى مؤتمر الدعم الثاني في باريس عبر تأكيد عون أنّ “أولويتنا تشكيل حكومة من خلال اعتماد معايير واحدة على جميع القوى السياسية”!
هذه “المعايير الواحدة”، الباسيلية المنشأ، هي التي تبقي التأليف في دائرة المراوحة القاتلة، وقد تدفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تصرّف خارج الإطار الدبلوماسي. فقد تردّدت معلومات أنّ ماكرون الذي سيزور لبنان منتصف الشهر الحالي لمعاينة القوات الفرنسية العاملة ضمن إطار اليونيفيل في الجنوب، قد يكتفي بهذه المحطة دون إجراء أيّ لقاءات سياسية في حال لم تتألف الحكومة في المهلة الفاصلة عن موعد زيارته. أمر لم تؤكّده مصادر رئاسة الجمهورية. لكن يؤكّده موقف ماكرون التصعيدي أمس بوجه “طبقة سياسية يجب ألّا يكون الشعب اللبناني رهينة لها”، بحسب قوله، وذلك استكمالاً لمسار من الانزعاج الفرنسي من “قلّة المسؤولية” لدى اللبنانيين.
وأتى نداء الرئيس نبيه بري عبر بيان المكتب السياسي لحركة “أمل” ليضفي مزيداً من الضغط على طرفي التأليف عون والحريري: “للحسم هذا الاسبوع”!
هذه “المعايير الواحدة”، الباسيلية المنشأ، هي التي تبقي التأليف في دائرة المراوحة القاتلة، وقد تدفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تصرّف خارج الإطار الدبلوماسي
وقد علم “أساس” أنّ فريقاً قريباً من الحريري ضغط خلال الأيام الماضية باتجاه أن يقدّم الحريري مسودّة إلى رئيس الجمهورية قبل مؤتمر باريس، الذي عقد يوم الأربعاء الفائت. أرادوا منها بعث رسالةً إلى المانحين تعكس حرص الرئيس المكلّف على القيام بدوره وإثبات أنّ العقدة لدى رئيس الجمهورية وليست في بيت الوسط. وبقي الأمر ضمن إطار “درس الخيارات والتوقيت الأفضل”، إلى أن تقرّر موعد اللقاء أمس بعد انتهاء مؤتمر الدعم وبالتزامن مع اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي الـ27 في بروكسل لملاقاة المبادرة الفرنسية وربما بشروط أصعب من تلك الفرنسية.
وقد أكد السفير الألماني في لبنان أندرياس كيندل، في حديث لموقع “مصدر دبلوماسي”، أنّ “فرنسا وألمانيا لا تتنافسان حيال لبنان بل تتكلّمان بالصوت نفسه”، مشيراً إلى “الرسائل القوّية الصادرة كتوصيات عن مؤتمر وزراء الاتحاد الأوروبي”.
لكنّ مطلعين يجزمون أنّ “ألمانيا والاتحاد الاوروبي يحاولان إثبات وجودهما على الساحة اللبنانية لكن ليس إلى حدّ الإطاحة بالمبادرة الفرنسية. ومن أبرز الأدلّة تخصيص الألمان هِبتين كمشاريع للبنان بقيمة 48 مليون يورو، فيما قُدّرت مساهمة فرنسا بعد انفجار مرفأ بيروت بـ 45 مليون يورو، ما يعكس حجم الاهتمام الألماني بلبنان”.
فرنسا وألمانيا لا تتنافسان حيال لبنان بل تتكلّمان بالصوت نفسه”، مشيراً إلى “الرسائل القوّية الصادرة كتوصيات عن مؤتمر وزراء الاتحاد الأوروبي
هذا الأخذ والردّ بين لبنان وفرنسا وألمانيا والعجز عن تأليف الحكومة يأتي في وقت كان المجتمع الدولي يحذّر من كارثة إنسانية غير مسبوقة ستقع على رؤوس اللبنانيين: 20% منهم تحت خطّ الفقر، و”لبنان على شفير عدم استطاعته إطعام نفسه”.
الأمن الغذائي دخل مرحلة الخطر الشديد، بعد صدور تقرير سابق للأمم المتحدة تحدّث عن أنّ أكثر من 50% من اللبنانيين قد لا يتمكّنون من الحصول على الأغذية الأساسية بحلول نهاية العام الحالي، و”رفع الدعم الحكومي سيتسبّب في تفاقم الوضع”، على ما أكّد وزير شؤون الشرق الأوسط جميس كليرلي.
إقرأ أيضاً: تشكيلة من الحريري إلى… مؤتمر باريس!
البنك الدولي الذي يفاوضه لبنان على قرض بقيمة 246 مليون دولار لمشروع “شبكة الأمان الاجتماعي- خلية ازمة الطوارئ”، أقرّ بأنّ “المسؤولين اللبنانيين يتركون المركب يغرق”، محذّراً من”غيابٍ متعمّد لأيّ حركة سياسية فعّالة”، ومحذّراً من “سياسات مصرف لبنان النقدية والبنوك اللبنانية، لأنّ التضخّم بلغ 75% في العام 2020 وسيزيد بنسبة 40% في العام 2021”.
أرقامٌ مرعبة لا تُواجه بسلوكٍ سياسي يتناسب مع “المصيبة”. صفحة سوداء بالكامل يُمثلها أداء الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان أمام المجتمع الدولي. وقد بدأ البعض يردّد بأنّه “رغم تحذيراته المتكرّرة فإنّه ينتظر سقوط الهيكل ليبدأ ورشة الإصلاح “على نظيف”. هي نفسها الطبقة المطلوب منها تقديم الحلول لأخطر أزمة تمرّ على اللبنانيين في تاريخهم المعاصر.