العارفون بسيرة عنترة بن شداّد العبسي وشعره، يعتبرون أنّ تاريخه تعرّض لإهانتين بارزتين، الأولى تجاوز الإفساد الثقافي شخصيته إلى شعره، ولم يقتصر بالتالي التزوير في سيرته على شخصيته، بل طال شعره، ونُسب إليه كثير من الشعر الذي لا يعود إليه. وأكثر الأشعار المشهورة عن عنترة في مواقع التواصل الإجتماعي اليوم ليست له، وتندرج بعض هذه الأشعار في ديوانه المحقّق في قسم “الضعيف” أو “المنحول”.
الإهانة الثانية تتمثل في تصويره على أنّه شخصية من الشخصيات الرومنسية “الخفيفة”، كما لعب دوره فريد شوقي في فيلم “عنترة وعبلة” ولعبت كوكا (ناجية بلال) دور عبلة. فيما كان عنترة فارساً عنيفاً وقوياً وقاسياً، كما يثبت ذلك شعره الصحيح. وهو كان في الحبّ عفيفاً، لكنّه أيضاً كان عنيفاً ولا يوفّر حتّى حبيبته من بطشه إذا شعر بأنّها تمسّ كرامته: “أثني عليّ بما علمتِ فإنني ** سمحٌ مخالطتي إذا لم أظلمِ/ وإذا ظلمت فإنّ ظلميَ باسلٌ ** مرٌّ مذاقته كطعم العلقم”. وهو حينما سخرت منه عبلة بعدما تزوّجت، يجيبها توكيداً على بطشه وقوته: “أما تريني قد نحلتُ ومن يكن ** غرضاً لأطراف الأسنّة ينحل/ فلرب أبلج مثل بعلك بادن ** ضخم على ظهر الجواد مهبل/ غادرته متعفّرا أوصاله ** والقوم بين مجرح ومجدل”.
ففي حوار تلفزيوني قام أحد “مثقفي” الممانعة بتشبيه جبران باسيل بعنترة بن شدّاد، في معرض الحديث عن وضعه على لائحة العقوبات الأميركية. وجميع الصفات التي سبق ذكرها، تناقض تماماً الصفات التي لدى رئيس التيار الوطني الحر
كان عنترة في الحبّ وغير الحبّ آلة قتل. لا يرى إلى الحب إلا من خلال السيوف والقنا والدماء ويظهر ذلك في البيتين الشهيرين اللذين غنّتهما فيروز ثم قام بغنائهما مروان خوري: “ولقد ذكرتك والرماحُ نواهل مني** وبيضُ الهند تقطر من دمي/ فوددتُ تقبيل السيوف لأنّها ** لمعت كبارقِ ثغرِكِ المُتبسّمِ”.
وقد كان رجلاً أخلاقياً، لا يسمح لنفسه أن تتجاوز حدودها: “إنّي امرؤ سمحُ الخليقة ماجدٌ ** لا أتبع النفس اللجوج هواها”. ومن القصيدة نفسها يقول: “وَأَغَضُّ طَرفي ما بَدَت لي جارَتي**حَتّى يُواري جارَتي مَأواها”.
وكان لا يقبل على نفسه الشتم، ويفضّل الموت عليه: “ولقد خشيتُ بأنْ اموتَ ولم تدرْ ** للحربِ دائرة ٌ على ابْنَي ضَمْضَمِ/ الشَّاتِمِيْ عِرْضِي ولم أشْتِمْهُما ** والنَّاذِرَيْنِ إذا لم ألقهما دَمي/ إن يفعلاَ فلقد تركتُ أباهما ** جزرَ السباع وكلِّ نسرٍ قعشم”.
وهذه حكايته مع رجلين قتل أباهما وتركه جيفة تأكل منها الضباع والنسور، ولكن هاله أن يشتماه في عرضه، وأراد لهما أن يردّا له قتل أبيهما بقتله، لا بشتمه.
إقرأ أيضاً: جبران باسيل: وصول القطار إلى المحطة الأخيرة!
كلّ هذه الصفات تدخلنا في الإهانة الثالثة التي تعرّض لها عنترة. ففي حوار تلفزيوني قام أحد “مثقّفي” الممانعة بتشبيه جبران باسيل بعنترة بن شدّاد، في معرض الحديث عن وضعه على لائحة العقوبات الأميركية. وجميع الصفات التي سبق ذكرها، تناقض تماماً الصفات التي لدى رئيس التيار الوطني الحرّ. فكارولاينا تشهد على سماحة خلق باسيل وغضّ طرفه عن النساء، والهيلا هيلا هو تشهد على تفضيله الموت على الشتم، كما تظهر لنا سيرته انتهازيته الوصولية التي استخدمها لتحقيق غاياته السياسية عن طريق حبّه القائم على “العفاف”، لا على المصلحة (لا سمح الله)، والأهم من ذلك كله، أنّ “المثقّف” الممانع، لم يسأل جبران قبل أن يشبّهه بعنترة، لأنّ جبران بمخزونه العنصري لن يقبل على نفسه أن يُشبَّه بعنترة الذي كان أسود البشرة، وكان “عبداً” بالمفهوم الجاهلي للكلمة، وهجينَ النسبَ من أبٍ عربي وأمٍ حبشية. بل على الغالب يضع تشبيه “المثقف” الممانع في خانة الإهانة.
فمن أين لعنترة أن يصل إلى “نقاء” نسب باسيل الأبيض الفينيقي؟