عاصفة من ردود الفعل صاحبت إطلاق نقيب المحامين ملحم خلف مبادرة بيروت “الوثيقة الإنقاذية الوطنية”، بعنوان “معاً نستردّ الدولة”. فقد وجد فيها عدد كبير من الناشطين تبنّياً كاملاً لمشروع حزب الله السياسي في الداخل اللبناني، مع التركيز على “إلغاء الطائفية السياسية” (نصّ الوثيقة منشور كاملاً في ختام المقال)، والتهرّب من الأسئلة الحقيقية حول السلاح خارج شرعية الدولة، أي سلاح الحزب والميليشيات الحليفة له، من “سرايا المقاومة” إلى بقية أحزاب الممانعة المسلّحة في لبنان.
وقد لوحظ أنّ مقرّبين من حزب الله، ومن المجموعات المدنية التي تدور في فلكه، هي التي وزّعت الوثيقة على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر واتساب، في محاولة لتسويقها باعتبارها “مشروع إنقاذ”.
سريعاً جاء الردّ القواتي عبر النائب القواتي أنيس نصّار، ثم أصدرت “مصلحة المهن القانونية” في “القوات” بياناً استغرب تغييب “مجلس النقابة عن ?تفاصيل? اللقاء”، واستغرب “عدم الإشارة إلى وجوب حلّ مشكلة ?السلاح? غير الشرعي المهيمن على البلاد، كمنطلق لتكريس سلطة الدولة وسلاحها الشرعي الآحادي وسيادتها على كافة أراضيها وحدودها ومعابرها الحدودية”.
أما النائب السابق فارس سعيد فاعتبر أنّ “الرئيس برّي سيرتكز على مبادرة نقابة المحامين ويسرّع في طرحه لبنان دائرة انتخابية واحدة”، وتابع: “غلطة الشاطر بألف غلطة”، داعياً النقيب خلف إلى التصحيح: ” الكلام عن إصلاح في ظلّ سلاح حزب الله خطأ. صححّ”.
لوحظ أنّ مقرّبين من حزب الله، ومن المجموعات المدنية التي تدور في فلكه، هي التي وزّعت الوثيقة على مواقع التواصل الاجتماعي وعبر واتساب، في محاولة لتسويقها باعتبارها “مشروع إنقاذ”
وخرج النائب نديم الجميل عبر تويتر ليعلن التالي: “كمحامٍ، أستغرب أن تصدر وثيقة إنقاذية بمبادرة من نقابة المحامين لا تتضمن تكريس مبدأ سيادة الدولة على كامل أراضيها وتتجاهل الثوابت الوطنية الجوهرية. إنّ نقابتنا هي أم النقابات المؤتمنة على الدستور والقانون والحريات … هكذا كانت منذ نشأتها و هكذا نريدها أن تبقى”.
حكاية ملحم خلف
يُسجّل لنقيب محامي بيروت ملحم خلف منذ انتقاله من “فرح العطاء” إلى منصبه النقابي بأصوات محامي “الثورة”، إطلاق دينامية في النقابة صالحتها مع الشعب اللبناني بعد طول خمود وابتعاد، فزار المحامون السجناء وتطوّعوا دفاعاً عن متضرّري انفجار مرفأ بيروت. وبإطلاقه من قصر عدل بيروت “الوثيقة الإنقاذية الوطنية”، رمى حجراً كبيراً في مستنقع السياسة اللبنانية، يثير جَلَبة نقابية واعتراضات أكبر.
المشكلة في أسلوبه تكمن في ترتيب الأولويات في الحلول التي يقترحها، وتغييب بديهيات لا تستقيم من دونها عملية إنقاذ، مما يفقد مبادرته أيّ أمل في التحقّق، فتتحوّل ورقة إضافية لا أكثر يضعها أحد الأفرقاء، الرئيس نبيه بري، في جيبه، من أجل استخدامها في معركة حسم صراع السيطرة على القرار نهائياً في مجلس النواب لمصلحة مشروع “حزب الله” الذي ربما يحتاج في المرحلة المقبلة إلى ترسيخ سيطرته على البلاد بالسلاح.وغنيّ عن التذكير بأن أيّ محاولة إنقاذية للبنان تتجاهل “حزب الله”، سلاحه، ومشروعه وعقيدته، هي محاولة هرب من الموضوع وتضييع وقت.
والأغرب قفز الوثيقة، التي جمع حولها النقيب خلف نقابات وممثّلي طوائف، فوق “اتفاق الطائف” في ترتيب الأولويات الآيلة إلى مجلس نواب خارج القيد الطائفي. لا يذكر وثيقة الوفاق الوطني التي أصبحت دستوراً، والتي هي بأهمية الدستور في نصّها على نهائية لبنان وطناً لأبنائه كافة وانتمائه إلى العالم العربي. كما لا يذكر كلّ ما يتعلّق بوجود الميليشيات والسلاح غير الشرعي، وما جرّت إليه من قرارات دولية لاستعادة السيادة اللبنانية. ينقضُّ في الوثيقة على طريقة تشكيل برلمان خارج القيد الطائفي متجاهلاً الآلية التي وضعتها لذلك وثيقة “الطائف”، من تشكيل هيئة وطنية لإلغاء الطائفية السياسية، يفترض أن تأخذ وقتها في درس أفضل السبل للنجاح في غايتها، ثم انتخاب مجلس نواب خارج القيد الطائفي بعد إعادة النظر في الدوائر على أساس المحافظة، وبعد ذلك انتخاب مجلس شيوخ وفق قاعدة طائفية على أن تحدّد صلاحياته بما يُطمئن جميع اللبنانيين إلى حرياتهم والمساواة في ما بينهم وفقاً للدستور.
المشكلة في أسلوبه تكمن في ترتيب الأولويات في الحلول التي يقترحها، وتغييب بديهيات لا تستقيم من دونها عملية إنقاذ، مما يفقد مبادرته أيّ أمل في التحقّق، فتتحوّل ورقة إضافية لا أكثر يضعها أحد الأفرقاء، الرئيس نبيه بري، في جيبه، من أجل استخدامها في معركة حسم صراع السيطرة على القرار نهائياً في مجلس النواب
كتب النقيب خَلَف ورفاقه وثيقة أخرى تختلف تماماً عن وثيقة “الطائف” التي كلّف التوصّل إلى اتفاق عليها حرباً أهلية وغير أهلية دامت 15 سنة، وبدا واضحاً أنّ تحاشي ذكرها جاء نتيجة لمناقشات واسعة داخل النقابات المشاركة في الجهد “الإنقاذي”. لم تقتصر على تحفّظ بعض الجهات المسيحية عن وثيقة الوفاق، بل كانت قطعاً للطريق أمام سؤال بديهي عن البند الأول في الاتفاق التاريخي والذي نصّ على حلّ كلّ الميليشيات، ولم يُطبّق بفعل “حزب الله” وسلاحه والظروف الإقليمية حوله. وفي هذه الحال، كان الأجدى للنقيب ورفاقه أن يمتنعوا عن إصدار وثيقة لن تصل إلا إلى جيب الرئيس برّي، حيث تستقرّ في انتظار استخدامها عندما يرى استخدامها مناسباً للثنائي الأشهر.
الملفت للانتباه أن نقيب محامي الشمال محمود المراد المنتسب عصباً وسياسة إلى تيار المستقبل والمشارك في الاجتماع، قرأ البيان الختامي باعتباره دعماً لتسوية لا نعرف مضمونها وإن كانت بالتأكيد ليست لصالح جمهور “المستقبل”.
وهنا نصّ الوثيقة:
لبنان في أزمة. اللُّبنانيّات واللُّبنانيُّون في حالة من اللّاأفُق. الدَّولة في إنهيارٍ كارثيّ.لا بُدَّ من مبادرة إنقاذيَّة وطنيَّة أساسُها إسترداد الدَّولة بإعادة تكوين السُّلطة في مسار دستوريّ ديموقراطيّ سلميّ. من هنا تأتي هذه المبادرة مِن القوى المجتمعيَّة الحيَّة على مرحلتين بما يُنتِج أملاً في لبنان العيش الواحد. إنطلقت المبادرة الإنقاذيَّة الوطنيَّة من نقابة المحامين في بيروت، وعُرضت في نقابة المحرّرين وتحصَّنت بورشة عمل لنقابات المهن الحرَّة في نقابة المحامين في طرابلس، وتوسَّع تحصينها بالموازاة مع الجامعات، واستكمل تحصينها مع العائلات الروحيَّة والفاعليَّات الإقتصاديَّة والهيئات العماليَّة، لتواكب من ثمَّ من قوى مجتمعيَّة في تأكيد على أنَّها ديناميَّة مفتوحة للجميع.
إقرأ أيضاً: قانون الانتخابات: المسيحيون في مواجهة المسلمين
1- في المرحلة الأولى: إلحاحية تشكيل حكومة، فاعلة، هادفة، عادلة، موثوقة من مستقلين متخصّصين بصلاحيّات تشريعيَّة محدودة ومحدَّدة ضمن مهلة زمنيَّة محدَّدة على أن يكون في سُلَّم أولويَّاتها:
أولاً- إقرار بدء تنفيذ خطَّة إنقاذيَّة ماليَّة- إقتصاديّة- إجتماعيَّة تقُوم على الأُسس التَّالية:
أ- تعزيز الحماية الإجتماعية للشعب اللُّبناني بإقامة شبكة أمان إجتماعية على مستويات أربعة: التربية، الصحّة، الغذاء والشيخوخة.
ب- تحقيق العدالة في قضيَّة تفجير مرفأ بيروت.
ج- تنفيذ خطة وطنية لمكافحة جائحة كورونا ومفاعيلها والحدّ من إنتشارها، والتنسيق فيما بين وزارة الصحة، التربية والداخلية ونقابتي الأطباء في بيروت وطرابلس، ونقابة الممرضات والممرضين، ونقابة المعالجين الفيزيائيين، وتوحيد الرؤية والخطوات الضرورية في مواجهة هذه الجائحة.
د- إطلاق مسار الإصلاحات الفورية البُنيويَّة والقطاعيَّة وإتخاذ التدابير الآيلة إلى إقامة نهج جديد لمناهضة كلّ أشكال الفساد في الحياة العامة وعلى سبيل المثال:
– مواجهة الأزمة المالية والإقتصادية والإجتماعيّة.
– مواجهة أزمة الكهرباء وتحلُّل البنى التحتيَّة.
– وقف الهدر.
– إقرار قانون إستقلاليَّة القضاء.
– تحصين وتفعيل التدقيق الجنائي على كافّة المؤسسات العامة والمصالح المستقِّلة في القِطاع العام، بما فيها مصرف لبنان.
– إصلاح مسار إتمام المناقصات في القِطاع العام.
– صون الحريّات الفرديّة والعامة وحريّة الإعلام.
ثانياً- في إعادة تكوين السُّلطة:
أ- تنطلق بإقرار قانون مجلس شيوخ بحسب ما ورد في الدُستور، وذلك لتوفير ضمانات للعائلات الرُوحيَّة اللُّبنانيَّة من ناحِية، وتنقِيَة الإنتخِابات النيابيّة من القَيْد الطَّائفيّ والمذهبيّ من ناحية أخرى، بما يوائم بين حماية الخصوصيَّات الطائفيَّة والمذهبية بالمعنى الحضاري ويفتح السبيل نحو جمهوريّة المواطنة.
ب- إقرار قانون إنتخابي خارج القيد الطائفي، على أن يتمّ تعميق النقاش في هذا التحوُّل، بما يُطمئن اللبنانيين إلى أنَّ خصوصيَّاتهم الطائفية والمذهبيّة مُصانة لكنْ ضمن سقف المواطنة الفاعلة.
ج- إجراءُ انتِخابات نيابيَّة وانتِخابات مجلس الشُيوخ في اليَوْمِ نفسه.
إنَّ المرحلة الأولى هذه تؤمَّن تشكيل سلطة نظام المَجْلِسين بما يُعيد الإنتظام العام إلى تطبيق مندرجات الدُّستور في خطوة مؤسِّسة نحو دولة المواطنة وجمهوريَّة الإنسان.
2-في المرحلة الثانية: قيام مجلس نيابيّ منتخب خارج القيد الطَّائفي والمذهبيّ وإنشاء مجلس الشيوخ في المرحلة الإنقاذيَّة الأولى يؤمِّن تشكيل حكومة جديدة تتوّلى ثلاث مهمَّات أساسية:
أولاً- إستكمال تحصين تطبيق الإصلاحات البنيويَّة والقِطاعيَّة مع تدعيم الخطَّة الإنقاذيَّة الماليَّة–الإقتصاديَّة- الإجتماعيَّة المُلِحَّة.
ثانياً- إنفاذ اللاَّمركزيَّة الإداريَّة مع إنشاء صندوق وطني تعاضُدي تنمويّ ما بين المناطق من ضمن سياسة عامَّة متكامِلَة تُبقي على روابط وحدة الوطن.
ثالثاً- إقرار قانون أحزاب على قاعدة وطنية غير طائفية.
إنَّ هاتين المرحلتين تؤمنان استعادة بنيان الدولة وتسمحان، من خلال قيام مؤسساتها، بإعادة تكوين السّلطة على قواعد دستوريّة ديموقراطيّة سلميّة تستقيم معها الحياة العامة، وتؤسّسان لخيارات استراتجية برؤية وطنية جامعة واضحة على كلّ المستويات لنُنْهض سويّة وطن “العيش الواحد” المبني على التعاضد مع كُلّ ما تحمله هذه الرَّمزيَّة من سِمات فاعِلة في الوجدان العالميّ.