“القوميّة المسيحية” باقية مع ترامب… وتتمدّد

مدة القراءة 10 د

 

ربما يكون حليفهم قد خسر البيت الأبيض، لكن القوميين المسيحيين ما زالوا يخطّطون لكسب الحرب.

بقلم كاثرين ستيوارت Katherine Stewart * (نيويورك تايمز)

 

هل سيجبر انتصار الرئيس المنتخب جو بايدن القوميين المسيحيين في أميركا على إعادة التفكير في التحالف غير المقدّس الذي دعم ولاية دونالد ترامب طوال أربع سنوات، كواحد من أخطر الرؤساء في البلاد؟

لا تعتمدوا هذا الاحتمال.

تُعدّ انتخابات 2020 دليلاً على أنّ الاستبداد الديني باقٍ، وتشير المؤشرات المبكرة الآن إلى أنّ الحركة تبدو مصمّمة على إعادة تفسير الهزيمة على رأس القائمة كدليل على الاضطهاد وعلى صوابية عقيدتها. مع ترامب أو دونه، سيظلّون ملتزمين بالسياسات غير الليبرالية التي جسّدها الرئيس باقتدار.

مثلما حدث في عام 2016 ، غالباً ما يدور التحليل المبكر لنتائج انتخابات عام 2020 حول الانقسامات العرقية، والحضرية – الريفية، والدخل والتعليم. لكنّ الانقسام الديني يروي قصة مقنعة بالقدر نفسه. وفقاً لاستطلاعات الرأي الأوّلية التي أجرتها شركة Edison Research (البيانات تقريبية في هذه المرحلة)، تمّ تحديد 28% من الناخبين إما على أنّهم من البيض الإنجيليين أو من البيض المسيحيين المهتدين (المولودين من جديد)، ومن هؤلاء، صوّت 76% لترامب. إذا كانت هذه الأرقام ثابتة (بعض استطلاعات الرأي الأخرى حدّدت النسبة الدينية عند رقم أقل. بينما وضع البعض الآخر نسبة دعم ترامب في رقم أعلى)، فإنّ هذه النتائج تشير إلى استمرار هذه المجموعة في  دعمه.

لكي نكون واضحين، فإنّ جوهر الكتلة الانتخابية لترامب لا تأتي من الإنجيليين البيض على هذا النحو، لكن من مجموعة متداخلة من الأشخاص ليس بالضرورة أن يكونوا إنجيليين وليس بالضرورة أن يكونوا من البيض، يتعاطفون على الأقل مع القومية المسيحية. وهي قوامها فكرة أنّ الولايات المتحدة هي دولة مسيحية، ويجب أن تكون محكومة بفهم رجعي للقيم المسيحية. لسوء الحظ، يصعب العثور على البيانات الخاصة بهذه المجموعة إلا في العمل الذي بحثه بعمق علماء الاجتماع، مثل أندرو وايتهيد وصمويل بيري.

معظم منظّمي استطلاعات الرأي يحذفون الهويات الدينية المعقّدة ويذهبون إلى تسميات عريضة. لذا، فهم يفشلون في الفصل بين المجالات المختلفة لدعم ترامب. هناك مؤشرات على أنّ الرئيس في الواقع وسّع استقطابه بين غير البيض الإنجيليين والمسيحيين الملوّنين المولودين من جديد، خصوصاً بين اللاتينيين. من ناحية أخرى، يبدو أنّ بايدن، الذي جعل التواصل الإيماني سمة رئيسية في حملته، قد حقّق أداءً جيداً بين الناخبين المعتدلين والتقدميين من جميع الأديان.

تُعدّ انتخابات 2020 دليلاً على أنّ الاستبداد الديني باقٍ، وتشير المؤشرات المبكرة الآن إلى أنّ الحركة تبدو مصمّمة على إعادة تفسير الهزيمة على رأس القائمة كدليل على الاضطهاد وعلى صوابية عقيدتها

قال رالف ريد، رئيس “ائتلاف الإيمان والحرية”، والناشط اليميني الديني منذ زمن طويل، في مقابلة أعقبت الانتخابات، إنّ الناخبين المحافظين المتديّنين “جاءوا بأعداد هائلة، بزيادة سبعة ملايين ونصف المليون عن أرقام لعام 2016، التي كانت قياسية”، مضيفاً: “نعتقد أنهم السبب وراء هيمنة الجمهوريين على مجلس الشيوخ”.

في ردودهم على نتيجة الانتخابات، ساند بعض قادة اليمين الديني البارزين أو ظلّوا صادقين مع الخط الترامبي الكاذب الزاعم تزوير الانتخابات. قالت ميشيل باشمان، عضو الكونغرس السابقة عن ولاية مينيسوتا والمرشّحة الرئاسية لعام 2012: “حطّم الوهم، يا أبتاه، بأن جو بايدن هو رئيسنا. إنه ليس كذلك”.

في مجلة Crisis Magazine، وهي مطبوعة كاثوليكية محافظة، شبّه ريتشارد سي أنتال التقارير الإعلامية عن انتصار بايدن وهاريس بأنّها “انقلاب”. وأضاف مات ستافير، رئيس ومؤسس Liberty Counsel، أنّ “ما نشهده يحدث فقط في الأنظمة الشيوعية أو القمعية. يجب ألّا نسمح بحدوث هذا الاحتيال في أمريكا”.

حتّى حين حاولت شخصيات جمهورية بارزة مثل جورج دبليو بوش وميت رومني دفع ترامب ببطء نحو الخروج، استمرّ قادة اليمين الديني في السيطرة على المتاريس. المتحدّث المحافظ وعضو مركز “فالكيرك”، ديفيد هاريس جونيور، عبّر عن رأيه على النحو التالي: “إذا كنتم مؤمنين، وتؤمنون أنّ الله عيّن دونالد ترامب لإدارة هذا البلد، لقيادة هذا البلد، وتؤمنون كما أفعل بأنّه سيعاد انتخابه رئيساً للولايات المتحدة، إذن يا أصدقاء، عليكم أن تحصّنوا قلوبكم، عليكم أن تحصّنوا سلامكم. نحن الآن في حالة حرب”.

امتنع آخرون عن تأييد مزاعم ترامب الأكثر شراسة بتزوير الانتخابات، لكنّهم أيدوا حقّه في الطعن في النتائج. قال ريد لـ Religion News Service: “ستنتهي هذه الانتخابات عندما تكتمل عمليات إعادة الفرز هذه، ويتمّ حلّ تلك التحدّيات القانونية”.

وغرّد القسّ فرانكلين غراهام أنّ المحاكم “ستحدّد من سيفوز بالرئاسة”. ولاحظ القسّ المحافظ روبرت غيفريس، الذي ألقى خطبة قبل حفل تنصيب ترامب في عام 2017، أنّ فوز بايدن كان “النتيجة الأكثر ترجيحاً”.

بعد معالجة خيبة أملهم، قد يعترف القوميون المسيحيون بحقيقة انتصار جو بايدن. ومع ذلك، لا يوجد ما يشير إلى أنّ هذا سيخفّف من نظرتهم المروّعة، التي بموجبها يمثّل جانب واحد من الانقسام السياسي الأمريكي شرّاً لا يمكن تخفيفه.

حتّى حين حاولت شخصيات جمهورية بارزة مثل جورج دبليو بوش وميت رومني دفع ترامب ببطء نحو الخروج، استمرّ قادة اليمين الديني في السيطرة على المتاريس

خلال تجمع صلاة افتراضي في 11 تشرين الثاني نظّمه مجلس أبحاث الأسرة، قيّم أحد المتحدّثين الرئيسيين الانتخابات على أنّها نتيجة “للعقيدة الملحدة التي أرادت ابتلاع منازلنا، وتدمير زيجاتنا، وإلقاء أطفالنا في أنهار من الارتباك”.

وأكد جيم غارلو، القس الإنجيلي الذي كان هدفه “جلب المبادئ التوراتية للحكم إلى القادة الحكوميين”، أنّ بايدن وهاريس على رأس “أيديولوجيا” هي “ضدّ المسيح، ضدّ الكتاب المقدس حتّى جوهره”.

إنّ التعليقات التي تتدفق من هذه الشخصيات وغيرها قد تُنسى عندما يتولّى بايدن منصبه. لكنّهم يستحقّون الانتباه الآن لما يقولونه عن ماهية الحركة. بينما يواصل العديد من الغرباء التفكير في القومية المسيحية على أنّها حركة اجتماعية تنشأ من الألف إلى الياء، إلا أنّها في الواقع حركة سياسية تعمل في الغالب من أعلى إلى أسفل. وقواعد الحركة متنوّعة، تأتي إلى كنائسها مع مجموعة لا حصر لها من الدوافع والاهتمامات، لكنّ قادتها أكثر اتحاداً بكثير.

إنّهم يتعاونون في شبكة كثيفة الترابط من مراكز الفكر، ومجموعات السياسة، والمنظمات الناشطة، ومجموعات المناصرة القانونية، والشبكات الرعوية المحافظة. ما يربطهم معاً ليس أيّ هيكل قيادة مركزي، بل أيديولوجية سياسية راديكالية معادية بشدة للديمقراطية والتعدّدية، وأسلوب سياسي معيّن يسعى إلى إثارة الذعر الأخلاقي، ومكافأة المصاب بجنون العظمة، وينظرون إلى كلّ صراع حزبي على أنّه حريق هائل، كأنّه نهاية العالم. السياسة الحزبية هي شريان الحياة لحركتهم.

إقرأ أيضاً: ترامب و2020: إنّه عام من الجحيم

إذا ما نظرنا إلى الحركة من منظور قادتها، فمن الأسهل أن نرى لماذا من غير المرجّح أن تتغيّر في الظروف السياسية الجديدة التي نجد أنفسنا فيها. قوّة القيادة هي وظيفة ما لا يقل عن ثلاث حقائق هيكلية أساسية في أميركا داخل الحياة السياسية والاقتصادية، وهذه الحقائق لن تتغيّر في أيّ وقت قريب.

الحقيقة الأولى، هي التفاوت الاقتصادي المتزايد الذي أنتج ثروات مذهلة للقلّة، بينما تكافح الكثير من العائلات العادية من أجل العيش. يحصل قادة الحركة على قدر كبير من الدعم لعملياتهم المموّلة جيداً من كادر من الأفراد فاحشي الثراء والعائلات الملتزمة بأصولية السوق الحرّة بقدر التزامها بالدين الرجعي. يحتاج المانحون بدورهم إلى ما يسمّى “ناخبي القيم” من أجل تأمين أجندتهم الاقتصادية المتمثّلة في انخفاض الضرائب للأثرياء والحدّ الأدنى من تنظيم الدولة للاقتصاد. يشمل هؤلاء المتبرّعون، من بين كثيرين آخرين، عائلة Prince-DeVos، والأخوة المليارديريين Welx، وأفراد عائلة Green، التي ساعدت ثروتها Hobby Lobby في بناء متحف الكتاب المقدس. ,تحصل الحركة على جزء كبير آخر من تمويلها من الكتلة الكبيرة من الناس الذين غالباً ما يكونون في الدرجات الوسطى من الترتيب الاقتصادي، والذين تحوّل استيائهم المتنامي بشدة تجاه من هم دونهم إلى ثروة لجمع الأموال.

الحقيقة الثانية، وهي الحقيقة الهيكلية التي يجب مراعاتها، أنّ القومية المسيحية تخلق مجالاً لصناعة رسائل منعزلة بشكل فريد. يحصل العديد من الأعضاء المنضوين في هذه الحركة، على معلوماتهم السياسية الرئيسية ليس فقط من منصات الرسائل التي تبقي جمهورهم في عالم منفصل عن الواقع، ولكن أيضاً من الشبكات الدينية المكرّسة ورجال الدين الرجعيين. في الواقع، كان ترامب قادراً على الاحتفاظ بنسبة عالية من الأصوات في مواجهة مثل هذه الأدلة الدامغة على المخالفات، التي هي دليل كافٍ على أن النهاية الدينية القومية لفقاعة المعلومات اليمينية أصبحت أكثر وليس أقل مقاومة بمرور الوقت.

الحقيقة الثالثة، وهي العامل الحاسم، أنّ النظام السياسي هو الذي يعطي قوّة غير متكافئة لأقلية شديدة التنظيم والمشاركة والولاء. كانت إحدى الاستراتيجيات الأكثر موثوقية لإنتاج تلك المجموعة التي لا تتزعزع، هي حملهم على الموافقة على أنّ الإجهاض هو الإجابة السهلة على كلّ سؤال سياسي صعب. في الآونة الأخيرة، حوّل قادة اليمين الديني تركيزهم أكثر إلى فهم خادع لما يسمّونه “الحرية الدينية”، لكنّ الاستراتيجية الأساسية هي نفسها: جعل الأفراد يرون تصويتهم الحزبي بصفته الطريقة الأساسية لحماية ثقافتهم وهويتهم الدينية.

لقد عرف الجمهوريون منذ فترة طويلة أنّ القضاء هو أحد أكثر أدوات حكم الأقليات فعالية. سيكون نجاح ترامب في حشد السلطة القضائية الفيدرالية – حتّى كتابة هذه السطور، 220 قاضياً فيدرالياً، بما في ذلك ثلاثة قضاة في المحكمة العليا – أحد أكثر تحركاته تدميراً. إنّ احتمال ترسيخ حكم الأقلية بشكل أكبر في السنوات المقبلة سيبقي التحالف بين الجمهوريين واليمين الديني على قيد الحياة.

ربما يكون الجانب الأكثر إثارة للقلق في استجابة القومية المسيحية لانتخابات 2020، هو أنّنا شاهدنا هذا الفيلم من قبل. إنّ شعار “الانتخابات المسروقة” الهزلي لن يعيد ترامب إلى المكتب البيضاوي. لكن بعد ذلك، لم تؤدّ هذه السردية إلى إخراج الرئيس باراك أوباما من منصبه أيضاً. الهدف من الروايات التآمرية والخطاب الرهيب هو إرساء الأساس لسياسة العرقلة الكاملة، استعداداً لعودة الحاكم “الشرعي”.

أفضل تخمين هو أنّ الاستبداد الديني في السنوات الأربع المقبلة سيبدو كبيراً كما كان في السنوات الأربع الماضية. نحن نتجاهل التداعيات السياسية على ديمقراطيتنا، وهذا سيعرّضنا للخطر.

 

*كاترين ستيوارت مؤلفة كتاب “عابدو السلطة: داخل السطوع الخطير للقومية الدينية”.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط هنا

 

مواضيع ذات صلة

هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟

يدور الاستحقاق الرئاسي في حلقة مُفرغة، أحد أبرز عناصر كَسرِها التوصّل داخلياً إلى تسوية تَمنع الثنائي الشيعي من أن يكون في جلسة التاسع من كانون…

مشاورات “الأعياد”: لا 65 صوتاً لأيّ مرشّح بعد!

تَجزم مصادر نيابية لموقع “أساس” بأنّ المشاورات الرئاسية في شأن جلسة التاسع من كانون الثاني قد تخفّ وتيرتها خلال فترة الأعياد، لكنّها لن تتوقّف، وقد…

السّيناريو البديل عن الانتخاب: تطيير الجلسة تحضيراً لرئاسة ترامب!

في حين يترقّب الجميع جلسة التاسع من كانون الثاني، يحتلّ عنوانان أساسيّان المشهد السياسي: من هو الرئيس المقبل؟ وهل يحتاج موظّفو الفئة الأولى، كقائد الجيش…

1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟

لا شكّ أنّ ما يراه المسؤولون الإسرائيليون “فرصة لا تتكرّر إلّا كلّ مئة عام” في سوريا تتيح، بعد سقوط نظام بشار الأسد، اقتطاع منطقة من…