ديفيد فروم David Frum – Maclean’s
ماذا لو فاز؟ أول شيء ينبغي معرفته من هذا السؤال الكبير “ماذا لو”، هو كيف سيكون العالم الواقعي من منظور “فوز” دونالد ترامب.
لو سُمح لكلّ شخص مؤهّل للتصويت بالتصويت، ولو احتُسب كلّ صوت بشكل قانوني، لكان ترامب محكوماً عليه بالفشل. إنّ أمله الوحيد في إيجاد طريقة ما لوقف التصويت، ووقف العدّ، ثم الاعتماد على آلية المجمع الانتخابي الأميركي لحمايته من أصوات الناس.
إليك الرياضيات الأساسية التي يجب تذكّرها في الطريق إلى “فوز” ترامب.
كانت التقديرات قبل الانتخابات أنّ ما يقرب من 145 مليون أميركي سيصوّتون في انتخابات 2020، بعد أن كان العدد 133 مليوناً في عام 2016. وكان متوسط جميع استطلاعات الرأي الوطنية الرئيسية قبل الانتخابات أنّ التصويت سيكون بنسبة 50.3% لبايدن، و43.5% لترامب؛ مع هامش 10 ملايين صوت لبايدن.
ولكن في الانتخابات الرئاسية الأميركية، إنّ الأصوات الحاسمة ليست من الناس مباشرة، ولكن من أصوات الولايات، من خلال المجمع الانتخابي. وفي عام 2016، حصل ترامب على 2.9 مليون صوت أقلّ من هيلاري كلينتون، ومع ذلك فاز بـ306 أصوات في المجمع الانتخابي مقابل 232 صوتاً لكلينتون.
وعلى الرغم من كلّ الحديث عن “قاعدة صلبة” تؤيد ترامب، من المهمّ أن نتذكّر أنّ ترامب كان أقل رئيس شعبيةً في تاريخ استطلاعات الرأي في ولايته الأولى. وهو الرئيس الوحيد في الولاية الأولى الذي لم يصل أبداً إلى نسبة تأييد 50% في أيّ استطلاع يحظى بسمعة جيدة. وفي كلّ يوم من أيام رئاسة ترامب منذ تنصيبه في عام 2017، رفضت أغلبية موثقة من الشعب الأميريكي إدارته.
لذا، فإن الإجابة على سؤال “ماذا لو فاز ترامب؟” تحتاج إلى القليل من التوضيح. قبل أن نصل إلى تأثير ولاية ترامب الثانية في السياسة الداخلية والخارجية للولايات المتحدة، علينا أن ننظر في كيفية وصول ترامب من هنا إلى هناك. في الحياة الحقيقية، فإن السؤال “ماذا لو فاز ترامب” يفتح الباب على سؤال آخر هو: هل التصويت يعمل على نحوٍ سليم؟ إذا لم يتمكّن الشعب الأميركي من التخلّص من رئيس مرفوض من خلال الإدلاء بملايين الأصوات ضدّه والتي تفوق الأصوات المؤيدة له، فكيف يتخلّصون منه؟
إذا لم يخسر ترامب التصويت الشعبي فحسب، بل خسر ذلك التصويت بطرق تبدو غير عادلة – مثل وقف عدّ الأصوات، ورمي الأصوات المرسلة بالبريد، وما يجبر الناخبين في أحياء الأقليات على الانتظار في طوابير طويلة، بينما ينتظر الناخبون في الأحياء الأكثر ثراءً في طوابير قصيرة – ماذا بعد؟ إنّ الطريقة الوحيدة لإعادة انتخاب ترامب هي من خلال تنحية التوقّعات العادية جانباً حول كيفية عمل الديمقراطية. ماذا سيحدث إذن؟ هل ستنتقل السياسة إلى الشوارع؟ منذ مقتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة في مينيابوليس في أيار 2020، تعرّضت المدن الأميركية لاضطرابات وتظاهرات على نطاق لم تشهده منذ ستينيات القرن العشرين. هل ستعقبها احتجاجات أكبر وأكثر اضطراباً في عام 2021؟
من المحتمل ألّا تبدو ولاية ترامب الثانية كالسنوات الثلاث الأولى الهادئة غالباً من ولايته الأولى. إنّ إعادة انتخاب ترامب تنذر بعدم الاستقرار السياسي على نحوٍ حادّ في الولايات المتحدة. وإذا هيمن الديمقراطيون على مجلس الشيوخ في عام 2020 أو في عام 2022، هل سيكون هناك المزيد من الصراعات على إجراءات العزل، ليس فقط لترامب نفسه، بل للمعيّنين المرذولين كذلك في إدارة ترامب مثل النائب العام بيل بار Bill Barr؟ وهل ستمتدّ الشكوك بشرعية ترامب إلى أجزاء أخرى من النظام السياسي والدستوري الأميركي؟
وإذا كان الأمر كذلك، ماذا سيحدث بعد ذلك؟
ماذا لو حاول دونالد ترامب فرض أجندته بعد خسارة ثانية في التصويت الشعبي؟
يواجه الجمهوريون خريطة صعبة في مجلس الشيوخ في عام 2020. وتبدو مقاعد مجلس الشيوخ في الاقتراع المقبل عام 2022 أقل استقبالاً لأعضاء الحزب الجمهوري الذي يقوده ترامب. وهناك احتمالات كبيرة إذن، بأن يواجه ترامب في ولايته الثانية ليس مجلساً معادياً واحداً، بل مجلسين مُعادين له في الكونغرس.
وسيُظهر هذان المجلسان المعاديان له احتراماً ضئيلاً لرئاسة ترامب الثانية، المنتخبة من قبل الأقلية الشعبية. وسوف يرون ترامب رئيساً غير شرعي، فاسداً ومسيطَراً عليه من قبل القوى الأجنبية، شخصاً تلاعب بنظام محطّم منحاز وغير موحٍ بالأمل، ضدّ الأغلبية الأميركية.
لن يكون لترامب أيّ نفوذ، ولا قدرة على إقناع الكونغرس، ولا قدرة على التواصل مع رئيس الكونغرس لتعبئة الشعب الأميركي الذي سيكون قد نبذه للتو. سلطاته الوحيدة ستكون تلك التي يمكن للرئيس استعمالها من جانب واحد.
إلى ما يؤدّي السؤال: “ماذا لو” للمرة الثالثة؟:
ماذا لو لحقت فضائح ترامب وجرائمه به إلى ولايته الثانية؟
في تموز/ يوليو 2020، أهدت المحكمة العليا الأميركية ترامب بعض الوقت. وكان الكونغرس والمدّعون العامون في ولاية نيويورك قد استدعوا مصرفيي ترامب والمحاسبين الممسكين لسجلاته المالية. ومن الواضح أنّ السوابق القانونية التي يعود تاريخها إلى الثمانينات من القرن التاسع عشر كانت إلى جانب الكونغرس في تحقيقاته. إلا أنّ المحكمة العليا عثرت على ثغرة للهروب، فأجّلت نشر الوثائق إلى ما بعد انتخابات تشرين الثاني.
يواجه الجمهوريون خريطة صعبة في مجلس الشيوخ في عام 2020. وتبدو مقاعد مجلس الشيوخ في الاقتراع المقبل عام 2022 أقل استقبالاً لأعضاء الحزب الجمهوري الذي يقوده ترامب
ما شوهد بالفعل من تاريخ ترامب المالي كان فاضحاً بما فيه الكفاية. وقد ظهرت إلى النور أدلة على الاحتيال الضريبي، والاحتيال التأميني، والاحتيال المصرفي، والاحتيال الخيري، وغسل الأموال، والصفقات التجارية مع المجرمين الأجانب. وفي حال حصول الكونغرس والمدّعين العامين على سجلات أكثر اكتمالاً، فقد يواجه ترامب مساءلة مدنية وجنائية على نطاق أشبه بزعيم إجرامي أكثر منه كرئيس للولايات المتحدة.
ومع ذلك، سيكون ترامب رئيساً وسيكون لديه أدوات لحماية نفسه: لا سيما سلطة العفو. يمكن لترامب تحفيز الشهود ضدّه على الصمت ومكافأتهم. لقد خفّف الحكم على روجر ستون Roger Stone، الذي كان واسطة الاتصال مع جوليان أسانج Julian Assange وويكيليكس خلال الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2016. ويمكنه العفو عن بول مانافورت Paul Manafort، وستيف بانون Steve Bannon وغيسلين ماكسويل Ghislaine Maxwell، وغيرهم من المقرّبين من ترامب المتهمين أو المدانين بجرائم قد تورّط فيها ترامب. يمكنه أن يعفو عن أولاده. يمكنه اختبار حدود القانون ومحاولة العفو عن نفسه.
وستشهد ولاية ترامب الثانية معارك لا تنتهي حول سلطة الرئيس لتحصين نفسه من اتهامات بالجريمة. ستكون مدينة (غوثام Gotham) مع الأشرار الناشطين.
لذا، فإن السؤال الرابع “ماذا لو؟”، هو: “ماذا لو حاول ترامب قيادة التحالفات والشراكات الأمريكية في جميع أنحاء العالم على الرغم من عدم شرعيته في الداخل؟
كثيراً ما كان يقول وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس James Mattis إنّ الولايات المتحدة تتمتع بسلطتين: قوة الترهيب وقوة الإلهام.
وفي الولاية الثانية لترامب، ستتضاءل قوى الإلهام الأميركية. وتبدو أميركا في عهد ترامب استبدادية، وفاسدة، وغير كفؤة. وكان أداؤها خلال جائحة “كوفيد-19” أسوأ من عدم الكفاية. وبدا الرئيس الأميركي مدفوعاً بالأوهام المجنونة والأنانية الطفولية حيث أُصيب بالوباء مئات الآلاف من الأميركيين، وماتوا دون داعٍ.
لقد أظهر ترامب ارتياحه وتعاطفه مع القادة الاستبداديين أكثر بكثير مما أظهره تجاه حلفائه من القادة الديمقراطيين. لقد انقلب الرأي العام بحدّة في الدول الحليفة ضدّ ترامب والولايات المتحدة. وكلّ هذا التهميش للأصدقاء الديمقراطيين، يتزامن مع انخفاض ملحوظ في قدرة أميركا على الترهيب.
ستشهد ولاية ترامب الثانية معارك لا تنتهي حول سلطة الرئيس لتحصين نفسه من اتهامات بالجريمة. ستكون مدينة (غوثام Gotham) مع الأشرار الناشطين
خلال الأزمة المالية بين عامي 2008 و2009، كان حجم الاقتصاد الأميركي ثلاثة أضعاف حجم اقتصاد الصين. وعلى مدى العقد الماضي، تمكّنت الصين من ملء الكثير من هذه الفجوة: فالاقتصاد الأميركي الآن أكبر بنسبة 50 في المائة فقط من اقتصاد الصين. وفي المسار الحالي، يمكن للصين أن تتساوى مع الولايات المتحدة في العقد المقبل أو نحو ذلك.
كانت فكرة ترامب الكبرى كرئيس، هي الحفاظ على تفوّق الولايات المتحدة على الصين. وقد تبنّت إدارته ثلاث سياسات كبيرة لتحقيق هذه الغاية:
أ) خفض كبير في الضرائب على الشركات لإطلاق النمو في الولايات المتحدة؛
ب) فرض التعريفات الجمركية وغيرها من التدابير المناهضة لحرية التجارة للإضرار بالنمو الصيني؛
ج) زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري لردع العدوان الصيني.
فشل الخفض الضريبي الكبير في تحقيق النتائج، وقد دخل حيّز التنفيذ في نهاية عام 2017. نما الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.9% في عام 2018 و2.3% في عام 2019 – وهو أمر جيد ولكنه غير ملحوظ، وهو دائماً أقل من وعد ترامب بنمو يبلغ أربعة أو خمسة بالمئة. لم يكن هناك فصل واحد في عهد ترامب، يصل فيه النمو إلى أفضل متوسطات النمو في عهد باراك أوباما، في 2009 و2011 و2014.
أما الحرب التجارية مع الصين، فأتت بنتائج عكسية على الولايات المتحدة. وقد تباطأ النمو الصيني في 2018 و2019 ، لكنه ظلّ ضعف النمو في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، أضرّت الإجراءات الأميركية المناهضة للتجارة بالاقتصاد الزراعي الأميركي، وكانت السبب الرئيسي لتباطؤ النمو في الولايات المتحدة في عام 2019 مقارنة بعام 2018.
أما بالنسبة للتعزيز العسكري الذي قام به ترامب – أي بموازنة تبلغ أكثر من 100 مليار دولار في العام الحالي مقارنة بأوباما في العام الأخير – يبدو أنه لم يكن له أيّ تأثير على الإطلاق. فلا يمكن للسفن ولا للطائرات حماية المتظاهرين الديمقراطيين في هونغ كونغ، كما لا يمكنها الضغط على الصين للقضاء على كوريا الشمالية، أو وقف الهجمات الإلكترونية الصينية على المستشفيات الأميركية، أو موازاة المساعدات التي تقدّمها الصين إلى البلدان الأفريقية الغنية بالموارد. بكلمة واحدة، إنّ الولايات المتحدة والصين تلعبان ألعابا مختلفة. فعندما تراكم الولايات المتحدة الأسلحة للفوز في المباراة التي لا تلعبها الصين، فإن ذلك لا يمنع الصين من الفوز في اللعبة التي تلعبها هي.
وهو ما الذي يثير سؤالاً مرعباً آخر من سلسلة “ماذا لو”: “فماذا لو كانت هناك أزمات أكثر وأسوأ في المستقبل؟”.
إقرأ أيضاً: صفقة الحكومة في ليل انتخابات أميركا: الحزب هو العرّاب
خلال تفشّي وباء كوفيد -19، أثبت دونالد ترامب أنّه مدير سيء للأزمة بشكل خطير، مع رفض التخطيط لحالات الطوارئ. لقد تجاهل المعلومات غير المرغوب فيها. وفسّر كلّ الأخبار من خلال “الأنا” المغرورة. لقد وثق بمعلومات وعدت بمعجزة بدون العمل بنصيحة الخبراء أو العلماء. لقد بدّد مصداقيته بالكذب الصارخ. لم يستطع أبداً أن يستدعي ذرة من الرعاية أو القلق على أيّ شخص بجانبه.
ولحسن حظ ترامب، فقد استمتع برحلة سهلة نسبياً خلال السنوات الثلاث الأولى من ولايته. وباستثناء الكوارث الطبيعية، لم يواجه سوى أزمات خلقها بنفسه حتى ضرب الفيروس التاجي.
ومن غير المرجّح أن يصمد هذا الحظ في فترة ولاية ثانية.
كان ترامب في الولاية الأولى كسولاً، ساذجاً، عابثاً، جاهلاً، وملتوياً. وسيكون ترامب في الولاية الثانية كلّ تلك الأشياء.
لقراءة النص الأصلي اضغط هنا