الانتخابات التشريعية التي شهدتها إيران في شباط الماضي، جاءت بنتيجتين كبيرتين على الساحة الإيرانية، الأولى ترسيخ البلاد كبؤرة لتفشي فيروس كورونا في الشرق الأوسط بعد إصرار الدولة العميقة في إيران (الحرس الثوري) على إجراء الانتخابات على الرغم من تسجيل أولى حالات كورونا في مدينة قم… أمّا النتيجة الثانية فكانت اكتساح التيار المتشدّد، أو ما يُعرف بالتيار المحافظ، السّلطة التشريعية.
محافظو إيران حالهم كحال الرئيس المنتخب في الولايات المتحدة جو بايدن، لا برنامج لهم سواء أخطاء منافسهم، أي التيار الإصلاحي الذي حكم البلاد خلال الأعوام الـ8 الأخيرة. وجاء اغتيال أميركا لقائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ليُعطي التيار المتشدّد “قميصًا” يحمله مناديًا بـ”ثارات سليماني”، حتى وصل يوم “معركة الجمل” التشريعية، ليُدخل دم سليماني، وما يعتبرونه “خنوع روحاني”، ليعطي المحافظين 80% من مقاعد مجلس الشّورى.
هيمنة المحافظين، “نواب الحرس الثوري”، على البرلمان الإيراني، حالها كحال مجلس الشّيوخ الأميركي. فكلاهما يُكبّل يدي رئيس بلاده في أيّ تفاوض على اتفاق نووي محتمل. بل إنّ التيار المحافظ يسعى لأن يتفاوض هو مع إدارة بايدن بعد انتخابات الرئاسة التي ستشهدها البلاد في حزيران 2021 المُقبل. إذ يعتبر ما يزيد عن 195 نائبًا يمثّلون الواجهة التشريعية لدولة “الحرس الثوري” أنّ حكومة “الشيخ روحاني” لم تقم بردّ مُعتبر على انسحاب ترامب من الاتفاق النووي. وهؤلاء يطمحون إلى ردٍّ في البرلمان هدفه “الإتيان بواشنطن إلى طاولة مفاوضات جديّة” لا تشبه المفاوضات غير المُعلنة التي قادتها إدارة الثنائي روحاني – ظريف خلال الأشهر الماضية عبر وساطات عديدة أبرزها التي تقوم بها سلطنة عُمان.
جاء اغتيال أميركا لقائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ليُعطي التيار المتشدّد “قميصًا” يحمله مناديًا بـ”ثارات سليماني”، حتى وصل يوم “معركة الجمل” التشريعية، ليُدخل دم سليماني، وما يعتبرونه “خنوع روحاني”، ليعطي المحافظين 80% من مقاعد مجلس الشّورى
الرّد الذي يطمح إليه المحافظون يهدف لإضعاف موقف حكومة روحاني أمام واشنطن، كي يتولّوا هم التفاوض. ويعتمد الرّد على مشروع قانون يقترحونه على البرلمان الذي يهيمنون عليه، بحضور الإصلاحيين أو بغيابهم، يتحدّى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي نوويًا، بما يعني التفاوض لرفع العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على إيران بعد “الانسحاب النووي”، عبر إلزام وكالة الطاقة النووية الإيرانية برفع مستوى إنتاج اليورانيوم المُخصّب بنسبة 20% إلى ما يقارب 120 كيلوغرام في مُنشأة “فردو” النووية وحدها، و500 كيلوغرام كمجموع في كلّ البلاد، بعد أن كان “اتفاق لوزان النووي” المُوَقّع عام 2015 يسمح لإيران بتخصيب 300 كيلوغرام من اليورانيوم بنسبة 3.67? فقط، ويكون في منشأة نطنز الواقعة في شمال أصفهان.
ويسعى مشروع القانون المحافظ أيضًا لتركيب ما لا يقلّ عن 1000 جهاز طرد مركزي من نوع IR-2m خلال فترة 3 أشهر في مفاعل “نطنز” النووي تحت الأرض. وتزامنًا مع هذا الإجراء، على المنظمة النووية أن تقوم بنقل عمليات التخصيب التي تجري عبر أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة إلى مفاعل “فردو” بما لا يقلّ “عن 164 جهاز طرد مركزي يرتفع عددها إلى 1000 جهاز مع أواخر آذار 2021 المُقبل”.
وقال البرلمانيون المحافظون إنّ مشروع القانون الهادف لـ”التفاوض مع واشنطن” يسعى لإعادة العمل بمفاعل “آراك” لإنتاج المياه الثقيلة بما كان عليه قبل اتفاق عام 2015. إذ إنّ المفاعل المذكور أُوقف العمل به لإعادة تصميمه بما يتناسب مع ما ينصّ الاتفاق عليه. ويُلزم مشروع القانون الوكالة الإيرانية للطاقة النووية بإعادة العمل فيه خلال فترة 4 أشهر من تاريخ إقراره.
وكما الضغط على روحاني وواشنطن، يتطلّع مشروع القرار المحافظ للضغط على الدول الأوروبية بما يُشبه “الابتزاز”، إذ يطمح لوقف العمل خلال شهرين من إقراره بالبروتوكول الذي يتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية ممارسة الرقابة على البرنامج النووي لطهران في حال لم تعد العلاقات المصرفية والنقدية إلى سابق عهدها بين طهران وبين دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك عمليات تصدير النفط الإيراني إلى أوروبا، وذلك إلى المستوى الذي كانت عليه قبل الانسحاب الأميركي من الاتفاق، في مهلة أقصاها 3 أشهر من تاريخ إقراره.
الأشهر الأخيرة من ولاية روحاني لا يبدو أنّها ستكون سهلة عليه، ولا على التيار الإصلاحي. إذ يهرول المحافظون بخطى ثابتة نحو التصعيد النووي مع الغرب وتحديدًا الولايات المتحدة، ونحو الرئاسة في حزيران المقبل، التي يحظى المتشدّدون خلالها بحظوظ غير مسبوقة، لإيصال أيّ شخصية تناسب الحرس الثوري الذي يريد أن يقول لبايدن مباشرة وللأغلبية الجمهورية المحافظة في مجلس الشيوخ، إنّ المتشدّدين يفاوضون بعضهم البعض و”الزمن الظريف تحوّل”. إذ لا بدّ من شخصية متشدّدة لا تخرج من عباءة “الحرس” السياسية أو العسكرية، تتولّى زمام الأمور في البلاد المُنهكة بعقوبات ترامب.
يتطلّع مشروع القرار المحافظ للضغط على الدول الأوروبية بما يُشبه “الابتزاز”، إذ يطمح لوقف العمل خلال شهرين من إقراره بالبروتوكول الذي يتيح للوكالة الدولية للطاقة الذرية ممارسة الرقابة على البرنامج النووي لطهران في حال لم تعد العلاقات المصرفية والنقدية إلى سابق عهدها بين طهران وبين دول الاتحاد الأوروبي
ويجري التداول بعدد من الأسماء التي يدعمها الحرس الثوري لتولي الرئاسة، دون حسم الاسم النهائي. وأبرز الأسماء المطروحة لدى التيار المحافظ هي:
– رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني.
– وزير الاتصالات محمد جواد آذرجهرمي.
– الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني.
– رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف.
-رئيس هيئة التلفزيون الإيراني السابق عزت الله ضرغامي.
– رئيس ديوان الرقابة المالية مهرداد بذرباش (الذي يطمح أن يكون أصغر رئيس في إيران).
– المفاوض النووي السابق سعيد جليلي.
-الرئيس السابق أحمدي نجاد (إلا أنّ اسم نجاد يجد معارضة من المرشد علي خامنئي بسبب خلافات بينهما على خلفية ترشّح نجاد وتصريحات أطلقها سابقًا اعتبرت إساءة للنظام والمرشد).
إقرأ أيضاً: رايبرن وسيلز وميلر: ثلاثي تصعيد أميركي ضدّ إيران والأسد والحزب
أمّا التيار الإصلاحي، فقد يسعى لترشيح أسماء وازنة لمنافسة المتشدّدين في حزيران 2021، ومحاولة الإبقاء على ورقة التفاوض النووي بيده على الرغم من صعوبة المعركة شبه المحسومة سلفًا لصالح المحافظين، إذ يُتوقّع ترشّح الأسماء التالية:
-الرئيس السابق محمّد خاتمي.
— وزير الخارجية محمّد جواد ظريف.
– النائب الأول للرئيس حسن روحاني إسحاق جهانجيري.
– المُنظّر الإصلاحي النائب السابق محمد رضا.
– النائب السابق علي مطهري.
– حفيد مؤسس “الجمهورية الإسلامية” سيد حسن خميني.