لم يعد منطق المداورة ينحصر بالحقائب السيادية كما درجت العادة سابقاً حين تحضر لغة التداول في حقائب الصفّ الأول بين الطوائف والقوى السياسية. في السنوات الماضية باتت الخطوط الحمر المرسومة حول بعض الحقائب الخدماتية، كالصحة والأشغال، أو “الاستراتيجية”، كالطاقة والاتصالات توازي بحساسيتها تلك التي تحاصر الحقائب السيادية الأربع: المالية، الداخلية، الدفاع، الخارجية.
ويصدف أنّ الراعي الدولي يعاين عن قرب أي شخصيات وأي فريق سياسي ستؤول إليه هذه الحقائب كونها مفتاح مشاريع إصلاحية متنوّعة. هو واقع يعكس أحد أصعب الحواجز التي يفترض على الرئيس المكلّف سعد الحريري تجاوزها قبل دخوله السراي مجدداً.
إقرأ أيضاً: عون “المُعارِض”: لا تكلّفوا الحريري
في السياق، يضغط الرئيس نبيه بري وحزب الله لولادة الحكومة قبل الانتخابات الأميركية، في مسعى لفصل “المسارين”، طالما أنّ النتائج العملية لهذه الانتخابات لن تظهر قبل أشهر، في تقاطع كامل مع موقف الرئيس سعد الحريري.
تفصيل زمني لا يتوقّف عنده كثيراً رئيس الجمهورية ميشال عون، إذا تطلّبت مزيداً من الوقت الاتصالات الحكومية، بهدف تأمين المعايير العادلة في التوزير وتوزيع الحقائب، ولو كانت الكلفة عالية جداً.
أوحت تقليعة المشاورات التي أجراها الحريري مع الكتل النيابية والتي توّجت محادثات سابقة للتكليف، بأن شوطاً كبيراً قد قطعته عملية التأليف، ما حدا بالرئيس بري إلى المجاهرة أمام زواره بأنّ الحريري قد يقدّم تشكيلة جاهزة إلى عون بعد أسبوع من تكليفه
يقول قريبون من رئيس الجمهورية: “هذه الحكومة يفترض أن تقود أكبر عملية إصلاحية منذ التسعينيات، وأي خلل في توازناتها وتركيبتها ونوعية الوزراء فيها يمكن أن يؤدي الى إخفاق تضيع معه الفرصة الدولية بإنقاذ لبنان”.
باستثناء التوجّه نحو تعيين مجموعة وزارية من الوجوه الجديدة، والإشراف الفرنسي الأميركي على ولادتها، وإن بنسب متفاوتة لناحية الاهتمام، فإنّ عدّة شغل تأليف الحكومة لا تختلف عن سابقاتها، مع حرص المعنيين على الطبخة الحكومية أن يوحوا بغير ذلك. لكنّ مناخ التفاؤل الذي عمّمه هؤلاء بدأ يخفّ تدريجاً على الرغم من التسريب المنظّم للأجواء الإيجابية.
وفق المعلومات، أوحت تقليعة المشاورات التي أجراها الحريري مع الكتل النيابية والتي توّجت محادثات سابقة للتكليف، بأن شوطاً كبيراً قد قطعته عملية التأليف، ما حدا بالرئيس بري إلى المجاهرة أمام زواره بأنّ الحريري قد يقدّم تشكيلة جاهزة إلى عون بعد أسبوع من تكليفه، خصوصاً أنّ هناك ضغطاً فرنسياً كبيراُ في هذا الاتجاه. على أن يتمّ لاحقاً الاتفاق على بيان وزاري مستوحى من المبادرة الفرنسية تأخذ خلاله الحكومة الثقة بعد أسبوع كحدّ أقصى من تأليف الحكومة.
لكن حتى الساعة تحتاج العقد الوزارية إلى مزيد من الوقت والأخذ والردّ ما يصعّب من احتمال ولادة الحكومة نهاية الأسبوع كما توقع البعض. فالنقاش حول توزيع الحقائب يأخذ جهداً كبيراً من أولياء التأليف مع تخطي المعنيين عتبة الحياء في المجاهرة بمطالبهم المحصصاتية.
رئيس الجمهورية أو الثنائي الشيعي لم يطرح حتّى الآن معادلة “الثلث الضامن”، في وقت تجزم أوساط التيار الوطني الحر أنّ “حصة رئيس الجمهورية والتيار كأكبر كتلة مسيحية لا تقلّ عن سبعة وزراء في تركيبة عشرينية
وفي هذا السياق يبرز تفصيل هام من خلال تأكيد معنيين بأن حزب الله، بعكس المتداول، لن يحوّل حقيبة الصحة إلى مشكلة توازي “الصراع” الذي حصل سابقاً على حقيبة المال، دافعاً باتجاه حلّ العقد المسيحية أولاً. وقد جاء موقف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ليعيد تأكيد موقف الحزب حيال الحريري برفض استقالته أصلاً في 19 تشرين العام الفائت محمّلاً إياه بشكل غير مباشر مسؤولية إهدار عام كامل لو تمّ السير بالورقة الاقتصادية الإنقاذية التي أعلن عنها قبيل استقالته.
وعكست الزيارة العلنية التي قام بها النائب طلال إرسلان لرئيس الجمهورية أمس تعزيزاً لواقع المشاورات التي يجريها عون بالنيابة عن الحريري مع القوى السياسية، بعضها معلن وبعضها غير معلن، منها الوساطة التي يقوم بها علاء الخواجة بين الحريري وباسيل التي قد تسفر عن التوافق على أسماء تشكّل حلاً وسطاً بين الطرفين كما في حقيبة الطاقة مثلا، والاجتماعات التي قد تستأنف بين الحريري والنائب علي حسن خليل ومساعد الأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل، كما اجتماعات “الخليلين” مع باسيل المتوقّع حصولها بعيداُ من الإعلام.
وحتى الساعة لم تسفر الزيارات الثلاث لرئيس الحكومة سعد الحريري إلى قصر بعبدا للتوافق على صيغة نهائية للحكومة في وقت تستقطب عقدة المداورة بين الحقائب الدسمة الجزء الأكبر من مفاوضات الكواليس. وتشير معطيات الى أنّ الحريري يصرّ على أن تكون الشخصية الوزارية التي ستتسلّم حقيبة الطاقة بالتحديد بعيدة عن مدار التأثير الباسيلي إذا فشلت المساعي لسحبها من حصة التيار.
لكنّ المعطيات تفيد بأنّ “المداورة قلّعت. وستشمل كافة الحقائب السيادية والخدماتية والحسّاسة باستثناء المال”، مع تأكيد معنيين بأنّ الشرط الذي وضعه الحريري بتجيير المالية للطائفة الشيعية لمرّة واحدة عبر هذه الحكومة “ساقط سلفاً” لأنّ المالية ستشكّل معركة مفتوحة لتكريسها من ضمن الحصة الشيعية في كل الحكومات”.
ووفق العارفين، فإنّ رئيس الجمهورية أو الثنائي الشيعي لم يطرح حتّى الآن معادلة “الثلث الضامن”، في وقت تجزم أوساط التيار الوطني الحر أنّ “حصة رئيس الجمهورية والتيار كأكبر كتلة مسيحية لا تقلّ عن سبعة وزراء في تركيبة عشرينية، وهذا أمر بديهي في حين سيختار الرئيس المكلّف الوزراء السنّة”.