تفرّعت عن المطالعة الدفاعية للوزير السابق جبران باسيل في قضية العقوبات إشكالية حزبية داخلية لا تزال تتفاعل، وفتحت نقاشاً حول مدى صوابية قرار رئيس التيار الوطني الحر في “فتح دفاتر” الحزبيين “مباشرة على الهواء”… بتهمة الخيانة والطعن بالظهر.
في “المَشكل الباسيلي” مع الأميركيين لم يكن ممكناً حجب وقائع كشفها نائب البترون بنفسه حين دلّ بالأصبع إلى عملية “تطويع أشخاص للعمل سياسياً مع دولة كبيرة تحت وطأة الترهيب والترغيب”، وإعلان علمه “بمحاولات أجهزة وسفارات وجهات داخلية التلاعب فيهم مثلما حصل مع بعض أعضاء التكتّل”.
في كباش هو الأكثر وضوحاً مع “رجل ثقة” لدى ميشال عون، أخرج باسيل إلى العلن خلافه مع مستشار رئيس الجمهورية لشؤون العلاقات العامة طوني حداد متّهماً إياه بـ”الخيانة”. اختار باسيل توقيت إعلان العقوبات الاميركية بحقه ليقول ما قاله. لكن الردّ كان صاعقاً من جانب الرجل الذي ائتمنه عون على كثير من الملفات، وآخرها ترسيم الحدود البحرية.
أقلّ ما يقال إنّ طوني حداد فَضَح المستور وفجّر أكثر من قنبلة ترتقي إلى مستوى الفضيحة. وما لم يردّ باسيل على مِضبطة اتهاماته بالوقائع والمستندات، تحديداً في ملف ترسيم الحدود البحرية، ستبقى الكثير من علامات الاستفهام قائمة حيال “الوصي” الفعلي على رئاسة الجمهورية، والحرب الكامنة التي يشّنها باسيل ضدّ قائد الجيش العماد جوزف عون، وصولاً إلى التسويات التي كانت تجري تحت الطاولة في ما يخصّ حقوق لبنان في مياهه البحرية!.
تشير المعلومات إلى أنّ أحد المطالب الأربعة التي قال باسيل إنّ الأميركيين اشترطوها عليه في إطار الضغط لفكّ ارتباط تياره مع حزب الله، كان ملفّ ترسيم الحدود. هي النقطة التي “فوّرت” كباية المآخذ المتبادلة، ودفعت بـ”المستشار” ورجل الثقة لدى عون، وقبل أيام قليلة من بدء التفاوض مع الإسرائيليين، إلى لملمة أغراضه من مكتبه في القصر الجمهوري ومغادرته إلى غير رجعة. وأكثر من ذلك هو بصدد رفع دعوى قضائية على باسيل بتهمة التشهير وتشويه صورته.
المعطى الحسّاس في هذه القضية تسليم باسيل ومعاونيه أنّ “جهات خارجية، بشكل خاص أميركية، لم تتوقف في الآونة الأخيرة عن الضغط لاستمالة شخصيات تلعب دوراً محورياً في التيار بقصد زعزعة الثقة بالتيار، وتهشيم صورة باسيل، وإقصائه من ضمن مخطّط منظّم أدّى بالنهاية لفرض عقوبات عليه”.
طوني حداد فَضَح المستور وفجّر أكثر من قنبلة ترتقي إلى مستوى الفضيحة. وما لم يردّ باسيل على مِضبطة اتهاماته بالوقائع والمستندات، تحديداً في ملف ترسيم الحدود البحرية، ستبقى الكثير من علامات الاستفهام قائمة حيال “الوصي” الفعلي على رئاسة الجمهورية
قال ما قاله باسيل بحق “الخائن” الذي لم يسمّه، لكن الجيش الإلكتروني التابع له شنّ عليه هجوماً قاسياً، فقرّر طوني حداد فتح الدفاتر عبر إطلالة تلفزيونية على قناة “الجديد” أمس ترافقت مع ما يشبه الحملة من معارضين عونيين عمّموا على مواقع التواصل الاجتماعي صورة حداد مع موعد الحلقة وعبارة “كلّ الحقيقة”. المفارقة أنّ مقابلة حداد لاقتها طلّة مضادة لنائب رئيس التيار منصور فاضل على شاشة “LBCI”.
منذ الثمانينات، التصق حداد بميشال عون الضابط وقائد الجيش وصولاً إلى نفيه إلى باريس، ثم مهّد الطريق له أمام خوض معركة خروج الجيش السوري من لبنان عبر قانون محاسبة سوريا، وصولاً إلى مواكبته في رحلة العودة من المنفى ليصبح مستشاره بعقد قيمته ليرة واحدة منذ آب 2019.
هو من مؤسّسي التيار، وإن كان لا يحمل بطاقة حزبية، ومن العاملين لإنجاح العهد الذي وصل به الأمر في أحد الاجتماعات العاصفة مؤخراً مع عون للقول له: “زيح جبران من حدّك ومن الحكم. من 2005 لليوم فشّل فريقك وأساء اليك”.
قال حداد ردًّاُ على اتهام باسيل له بالخيانة: “ظننتُ في البداية أنّه يقصد أحد الذين يدفعون عنه ثمن تنقّله بالطائرات الخاصة! فعلاً وجدت نفسي وسط عاصفة أنا بغنى عنها. وتيقّنت لاحقاً أنه حتى ينزع تهمة الفساد عنه، اختار إلصاق تهمة الخيانة بي وبأني “فَسَدت عليه” أمام الادارة الاميركية. هذه سخافة لا تصدّق. أنا أعلم وباسيل يعلم أني أعلم، أنّ كلاماً وصل إليه بمفاتحتي عون بعد الثورة بضرورة تغيير فريقه المحيط به الذي أوصله إلى ما وصل إليه العهد”.
هو من مؤسّسي التيار، وإن كان لا يحمل بطاقة حزبية، ومن العاملين لإنجاح العهد الذي وصل به الأمر في أحد الاجتماعات العاصفة مؤخراً مع عون للقول له: “زيح جبران من حدّك ومن الحكم. من 2005 لليوم فشّل فريقك وأساء اليك”
حداد نفى أن يكون قد فاتح الأميركيين بموضوع العقوبات على جبران: “كنت أعلم أنّ هناك توجّهاً بهذا المنحى ووضعت “الجنرال” في أجوائه وحاولت الدفاع عنه في واشنطن. وأنا أتحدّى أيّاً كان أن يُثبت طلبي من عون العمل على فكّ التحالف مع الحزب. وفي الوقت نفسه لم يتكلّم معي أيّ مسؤول أميركي في شأن ضغوطات على باسيل لفكّ التحالف مع الحزب مقابل تجنيبه هذه العقوبات”.
يضيف حداد: “لكن المسؤولين الأميركيين قالوا لي حرفياً: “جبران فاسد وكاذب”. وبعد تركي موقعي كمستشار لرئيس الجمهورية لم أعد أتعاطى بموضوع العقوبات، لكني بقيت مهتماً بملفّ ترسيم الحدود لما فيه مصلحة لبنان”.
ويؤكد حداد أنّ “ملفات الأميركيين صلبة في ما يتعلّق بالفساد. أنا أصدّق السفيرة الأميركية دوروثي شيا في ما قالته عن باسيل. يصعب جداً تركيب ملفات على من لا ملفات فساد له”، كاشفاً عن أنّ “علاقتي كانت مباشرة مع ميشال عون منذ عام 1989، ولم أستطع يوماً أن أكون من أزلام باسيل الذين يعملون إلى جانبه على قاعدة “حاضر سيّدي” ويقدّمون له الطاعة”.
وتأخذ المواجهة بين باسيل وحداد طابعاً حسّاساً حين تحضر العلاقة على خطّ رئيس التيار وقيادة الجيش، و”الإمرة” في القصر الجمهوري وكيفية اتخاذ القرار على مستوى رئاسة الجمهورية والتدخّلات الفاضحة من جانب باسيل.
وفق رواية حداد منذ آب 2019، وبتكليف مباشر من الرئيس عون، تسلّم الأخير ملف ترسيم الحدود بالتعاون مع نجيب مسيحي، العضو الحالي في الوفد اللبناني المفاوض. وفوراً بدأ التنسيق مع قائد الجيش وحصلت اجتماعات عدة في وزارة الدفاع مع العقيد مازن بصبوص. وتبيّن وفق الخرائط والدراسات أنّ حقّ لبنان في مياهه يتجاوز المطلب المزمن على أساس مساحة 860 كلم المتنازع عليها بين خط هوف ونقطة 23 بل يتعدّاه الى 1430 كلم إضافية، داخل المنطقة الإسرائيلية.
وهذا ما يفسّر بيان الجيش اللبناني قبل بدء التفاوض الذي أشار إلى انطلاق التفاوض من نقطة الـ B1 (رأس الناقورة)، ما يعني مطالبة لبنان بأكثر من المنطقة المتنازع عليه وصولاً إلى حقل “كاريش” الإسرائيلي، بحيث تصبح المساحة الإجمالية 2290 كلم.
يؤكد حداد أنّ “ملفات الأميركيين صلبة في ما يتعلّق بالفساد. أنا أصدّق السفيرة الأميركية دوروثي شيا في ما قالته عن باسيل. يصعب جداً تركيب ملفات على من لا ملفات فساد له”
يشرح حداد: “وضعت عون في صورة ما توصّلنا إليه وتجاوب فوراً، وكذاك طبعا قائد الجيش. وحرّكت الملف على هذا الأساس أمام الإدارة الأميركية قبل إعلان برّي اتفاق الإطار”.
ويعترف حداد: “لقد تفاجأنا بموقف بري حين اعتبر “إذا طلعنا بهيدا الخط منعمل حرب وندخل بمواجهة مع الاميركيين”. وقد حصل تواصل بين بري، عبر علي حمدان، والأميركيين للتأكيد على بقاء الملف بيده، والتفاوض على أساس خط 23″، موضحاً: “تعاطيت بشكل مباشر بالملف مع عون ودياب وقائد الجيش مع العلم أنّ بري لم يستقبلنا، وعلمت أنّ جبران لم يكن موافقاً أيضاً على البدء من هذه النقطة المتقدّمة”.
وأشار في هذا السياق إلى “المرسوم الذي لم يَرَ النور. (وهو المرسوم الجمهوري الذي يحدّد مساحة لبنان في البحر بشكل أحادي على أساس 1430 كلم)، وبدء التفاوض على أساسه. وقد طلب عون من مدير عام رئاسة الجمهورية أنطوان شقير أن يعدّه. غادرت لبنان بعدها على أساس أنّ المرسوم “ماشي”، ورئيس الجمهورية يستطيع طرحه من خارج جدول الأعمال. لكنّ المرسوم توقف. “جبران ما كان بدّو”. راجعتُ الرئيس عون مجدّداً، وهو دائماً يقتنع مني، وكان مقتنعاً بالخرائط الجديدة. تحدّث مع شقير بالمرسوم مجدّداً، فاتصل الأخير بباسيل، فتوقّف كلّ شيء. ثم استقالت الحكومة. اقترحنا على الرئيس أن نرسل كتاباً من عون إلى الأمم المتحدة بالإحداثيات الجديدة المتعلّقة بترسيم الحدود لكي يأخذوا علماً. لكن من أوقف المرسوم عاد، وأوقف إرسال الكتاب الموقّع من رئيس الجمهورية. حين أتكلّم مع عون يقتنع مني. ثم “يكلموه” فيقتنع منهم”.
إقرأ أيضاً: بعد زلزال باسيل: عونيون آخرون على طريق العقوبات..
وكشف حداد عن “استبعاد باسيل له ضمن الوفد المفاوض بعد انتقال الملف إلى رئيس الجمهورية ووضعه بعهدة قائد الجيش. كما طلب تعيين شخص من الخارجية وآخر من وزارة الطاقة. وعلمت لاحقاً أنّ وجودي ضمن الوفد يمنح credit لرئيس الجمهورية وقائد الجيش، فيما كان باسيل يخبر الجميع أنه يشتغل على الملف، لكنّ هذا الأمر غير صحيح، وليس له أيّ صفة ليتحدّث به أصلاً”.
ويضيف: “الرئيس عون أصرّ على وضع اسمي ضمن الوفد، ثم “رِجع انشال اسمي”! بعدها عقد اجتماع للجنة التفاوض ولم أكن مدعوّاً إليه. وحين سألت رئيس الجمهورية في اليوم التالي عمّا إذا كان يعلم بعدم دعوتي فقال: “نعم”. حينها توجّهت إلى مكتبي لأخذ أغراضي. وتزامن ذلك مع وصول قائد الجيش إلى القصر فطلب حضوري الاجتماع. وفي هذا الاجتماع بالتحديد، ارتأينا أن يصدر بيان بناء على توجيهات الرئيس عون يفيد بخطّ التفاوض الجديد، الذي يعطي لبنان مساحة أكبر، وذلك قبل بدء التفاوض، لكنّ أنطوان شقير اعترض. فقال الرئيس “إمشوا فيها”، وتمّت صياغة البيان. فعاد وأوقفه شقير (بناءً على توجيهات باسيل). فغادرتُ الاجتماع وتوجّهتُ إلى مكتبي وغادرتُ القصر الجمهوري نهائياً!!”.
يذكر أنّ كباش باسيل – حداد ترافق، وفق معلومات “أساس”، مع تقديم إيلي عازار رئيس LACD (Lebanese American council for democracy) استقالته من منصبه قبل يوم واحد من فرض العقوبات الأميركية على باسيل، فيما أوساط الأخير كانت تعمّم منذ فترة أجواء عن عدم قدرته على الاستمرار و”تحمّل باسيل”.