يستمرّ لبنان بالوقوف على خطّ الزلازل، أو على ممرّ الفيلة. السنوات المقبلة حافلة بالمزيد من التطوّرات والانهيارات. والشهران المقبلان محفوفان بالكثير من المخاطر. الكثير من الرؤساء الأميركيين اتخذوا قرارات بشنّ حروب أو عمليات عسكرية في الفترة الفاصلة بين خسارتهم للانتخابات وموعد خروجهم من البيت الأبيض وتسليم السلطة. وكلّ الأسئلة تتركز على دونالد ترامب، وإذا ما سيكون من طينة هؤلاء الرؤساء. استقالة وزير الدفاع الأميركي أو إقالته قد تنطوي على متغيّرات، ترتبط بقرارات سيتخذها ترامب، أو بانتهاز الإسرائيليين فرصة في هذه المهلة الفاصلة.
إيران كانت تنتظر فوز جو بايدن. لكنّ المسار الأميركي لن يتغيّر، بل إنّ الضغط لن يكون شبيهاً لما كان أيّام ترامب، وإن تأخر اهتمام الرئيس الجديد بملف السياسة الخارجية. تركيا حقّقت ما تريده في أذربيجان، وتستمرّ في تقدّمها بالمنطقة. تبقى إسرائيل في موقع المتوجّس، لا بدّ لها من الإقدام على أيّ خطوة جديدة من شأنها تعزيز وضعيتها وكسب المزيد من الأوراق وخلق توازنات جديدة. هي عملياً أنجزت الكثير من الملفات واستحوذت على أوراق كثيرة، في الداخل أو في الخارج على صعيد اتفاقيات التطبيع، يبقى لديها هاجس عسكري قد تلجأ إلى ضربه. سوريا كانت ساحتها المفتوحة، أيّ ضربة فيها لن تغيّر في الموازين، ولن تُحدث جديداً، فيما لبنان هو الخاصرة الرخوة.
يقف لبنان أمام مخاطر متعدّدة، لم يعد يحظى بغطاء عربي ولا بدعم دولي يحميه من أيّ توتر، أو يمنعه من الانهيار. كلّ ذلك قابل لأن يدفع الإسرائيليين إلى مغامرة ما، خصوصاً إذا ما فشلت مفاوضات ترسيم الحدود، أو في حال عدم تحقيق أيّ تقدّم فتكون أيّ ضربة عامل دفع لتقديم التنازلات، مثلما كانت الضربات السابقة، المكتومة في سوريا وربما في لبنان، الدافع للموافقة على اتفاق الإطار وبدء جلسات التفاوض.
إيران كانت تنتظر فوز جو بايدن. لكنّ المسار الأميركي لن يتغيّر، بل إنّ الضغط لن يكون شبيهاً لما كان أيّام ترامب، وإن تأخر اهتمام الرئيس الجديد بملف السياسة الخارجية
لم يعد بالإمكان النظر إلى لبنان من منظور تشكيل الحكومة، ولا شروط القوى اللبنانية في عملية تأليفها والتنازع على الحصص، وما عاد الهمّ يرتبط بإصلاحات اقتصادية ومالية تقنية. لبنان أمام مرحلة كبرى من التحوّلات الجيوستراتيجية في منطقة تهبّ كلها إلى التطبيع، وهو سيكون أمام خيار من اثنين:
– إما الالتحاق بهذا الركب في السنوات المقبلة، على أن يُفتتح بمسارات متعدّدة على رأسها ترسيم الحدود، والنقاش في ملف السلاح والاستراتيجية الدفاعية وإنهاء النزاع الحدودي، بالإضافة إلى فرض الرقابة المشدّدة على المرفأ والمطار والمعابر مع سوريا…
– وإما البقاء على ما هو عليه الواقع الحالي، مع ما يعنيه ذلك من زيادة منسوب الانهيار، والتشقّقات وغياب الدور وانعدام التوازن السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي. وسيكون في عزلة دائمة.
المسار المفروض على لبنان يتضح أكثر فأكثر، من خلال مصير مفاوضات ترسيم الحدود، وما سيليها. إذ في حال أنجز الاتفاق، سيكون البلد أمام سؤال أساسي حول الوجهة النفطية والغازية التي سيتجه نحوها، وأمامه خياران لا ثالث لهما:
– الخيار الأول هو الالتحاق بركب التطبيع وتمرير المنتوج النفطي والغازي في أنبوب واحد تتشارك فيه إسرائيل ومصر والأردن واليونان وقبرص.
– الخيار الثاني هو نقل هذه الكميات عبر سفن إلى الإسكندرون لنقله إلى أوروبا عبر الأنبوب التركي الذي ينطلق من الإسكندرون ويصل إلى بلغاريا. في كلا الحالتين سيكون لبنان امام تغيّر جوهري لدوره وموقعه ووجهته السياسية.
المسار المفروض على لبنان يتضح أكثر فأكثر، من خلال مصير مفاوضات ترسيم الحدود، وما سيليها. إذ في حال أنجز الاتفاق، سيكون البلد أمام سؤال أساسي حول الوجهة النفطية والغازية التي سيتجه نحوها
المعلومات الواردة من الخارج تبدو في غاية الوضوح حول مصير لبنان النفطي والغازي. فحتى لو تمّ إنجاز عملية ترسيم الحدود، لن يتمكّن لبنان من بدء عمليات التنقيب عن النفط والغاز، بدون ضمان أمن واستقرار الشركات العاملة في هذا المجال. وهذا سيكون مرتبطاً باتفاقات سياسية على مستوى المنطقة. ما يعني تبديد كلّ عوامل الصراع بين حزب الله وإسرائيل، وطرح ملف سلاح الحزب على الطاولة، وإنجاز الاستراتيجية الدفاعية، وحلّ معضلة مزارع شبعا والحدود البرية، لإنهاء أيّ مجال للنزاع الحدودي الذي يبرّر العمل المقاوم في سبيل تحرير الأرض، وذلك سيكون مرتبطاً بمساع روسية تقودها موسكو على خطّ لبنان وسوريا بهدف إنجاز ترسيم الحدود أيضاً وحلّ مشكلة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
إقرأ أيضاً: سياسة بايدن تجاه لبنان والمنطقة: لا داعي لـ «المقامرة»…
بعض الأجوبة الدولية تبدو واضحة بأن لبنان لن يتمكّن من التنقيب عن النفط والغاز قبل الدخول في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة على طريق التطبيع أو عقد اتفاق السلام. بانتظار ذلك، كلّ ما يجري لا يغدو كونه تفاصيل. سواء الخلاف على ملف تشكيل الحكومة والتنازع على الحصص، أو في ملفّ العقوبات على جبران باسيل وكلّ محاولاته لتجنّبها، أو تقدّم أيّ طرف جديد للعب دور سياسي.
الهدف واضح، وهو التنافس حول من يكون مواكباً لهذا المسار الجديد الذي لن يكون بعيداً عن الموقف الإيراني من كلّ هذه التطوّرات. ولدى القول أمام أحد الديبلوماسيين الدوليين والأمميين إنّ إيران قد تعرقل ذلك، يكون الجواب: السنوات المقبلة ستكون مختلفة، إيران تريد نفوذاً على البحر الأبيض المتوسط لا أكثر، وأمام هذا النفوذ ستسقط كلّ المحرّمات.