أيامٌ قليلة فصلت بين إدراج رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل على لائحة العقوبات وفق قانون ماغنتسكي الأميركي، وبين إبلاغه بالدعوى المقدمة ضدّه من لارا منصور وإيلي سماحة.
قيل الكثير خلال الأسابيع القليلة الماضية عن الدعوى الأميركية التي رُفِعَت في العام 2017، وأضافت في 15 تشرين الأوّل الفائت أسماء جبران باسيل وبيتر جرمانوس، وماجد بويز.
وإذا كانت خلفيّة القانون الأميركي هي محاسب الضرائب سيرغي ماغنتسكي، الذي توفي في الاعتقال بعدما سجنته السلطات الروسية لأنّه كشف مكامن فساد في بلاده، فلا شك أنّ دعوى منصور تضرب جوهر وزارة العدل، وتتّهمها بأنّها لم تحترم أدنى معايير حقوق المدّعية، كما هو مذكور في صفحات الدعوى الـ55، وفي الملحق التابع لها، الذي يضيف تهم الاختطاف، والاحتجاز غير القانوني، والتعذيب، والفساد، بالإضافة إلى الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
قبل كلّ شيء، لا بدّ من الانطلاقة من الشقّ الذي شغل اللبنانيين في الدعوى، والذي تمثل بورود اسم النائب جبران باسيل، الذي نفى في أكثر من مناسبة علاقته بها.
بحسب نصّ الدعوى، فإنّ “جبران باسيل نائب في مجلس النواب اللبناني. وهو رئيس “التيار الوطني الحر” السياسي، لذا نراه يمارس سيطرة كبيرة على القضاء اللبناني، وعلى الوزراء، إضافة الى هيمنته على عدد من المناصب الحكومية الحساسة. وقد حصل باسيل على تعويضات من المدّعى عليهم من الأسرة، فقام بإساءة استخدام سلطته، فوجّه عملية خطف وتعذيب المدّعين”.
قبل كلّ شيء، لا بدّ من الانطلاقة من الشقّ الذي شغل اللبنانيين في الدعوى، والذي تمثل بورود اسم النائب جبران باسيل، الذي نفى في أكثر من مناسبة علاقته بها
هذا في ما خصّ باسيل. أما وزير العدل السابق سليم جريصاتي، فتوضح الدعوى أنّه “مخلص لباسيل انطلاقاً من كونه عضواً فاعلاً في التيار الوطني الحرّ. لذلك، قام باستخدام علاقاته في السلك القضائي لتنفيذ توجيهات جبران باسيل في هذه القضية”. إلى ذلك تتهم الدعوى سليم جريصاتي “بالانخراط في المؤامرة بشكل علني، والقيام بأعمال يحظرها القانون أدّت في نهاية المطاف إلى حرمان لارا من 25% من تركة والدها”.
أما بيتر جرمانوس فهو “موقوف عن عمله كمدّعٍ عام عسكري بعد تحقيق في الفساد القضائي. في ملف لارا منصور، كان جرمانوس مسؤولاً عن تنفيذ أوامر باسيل وجريصاتي بنقل المدّعين إلى مراكز احتجاز محدّدة حتى يتمّ تهديدهم. وعلى الرغم من موافقة المدّعين بتنفيذ شروط المدعى عليهم، وأبرزها إسقاط الدعوى الأميركية، سعى جرمانوس إلى منع إطلاق سراح المدّعين”.
وتشير الدعوى إلى أنّ “ماجد بويز هو محام لبناني، يمثّل التيار الوطني الحرّ وأعضاءه، ومن بينهم باسيل. وهو قدّم مزاعم كاذبة لاستدراج المدّعين من منزلهم في ميامي إلى لبنان حتى يمكن اختطافهم وتعذيبهم”.
بعيداً من منطلق التجريم أو التبرئة، فإنّ الاتهامات الموجهة تنتظر الوثائق والأدلّة التي تؤكّدها أو تنفيها.
في تفاصيل الدعوى، أنّه عندما رفعت لارا دعوى قضائية في لبنان لتمكينها من الحصول على ميراثها، قام أفراد عائلتها بتدمير الأدلّة وإفساد العملية القضائية لعرقلة تلك الجهود. وأجبر ذلك لارا منصور سماحة على اللجوء إلى المحاكم الأميركية لطلب الإنصاف.
من جهته، عمل سليم جريصاتي، بحسب الدعوى، خلال فترة تولّيه مهام وزارة العدل على منع لارا من الحصول على إرثها، ولفّق تهماً لتسهيل إخضاعها وإرغامها على سحب الدعوى في الولايات المتحدة الأميركية.
تشير الدعوى إلى أنّ “ماجد بويز هو محام لبناني، يمثّل التيار الوطني الحرّ وأعضاءه، ومن بينهم باسيل. وهو قدّم مزاعم كاذبة لاستدراج المدّعين من منزلهم في ميامي إلى لبنان حتى يمكن اختطافهم وتعذيبهم”
اتّهمت الدعوى المتهمين بإخضاع الزوجين “للخطف، والاستجواب القاسي، وأساليب التعذيب”، كلّ ذلك بقصد إجبارهما على إسقاط الدعوى من أمام محكمة فلوريدا – قسم ميامي.
يمكن تلخيص أسباب الدعوى كالتالي:
– يملك جورج منصور، (والد لارا)، وشقيقته إيفلين منصور، أصولًا بحوالي 15 مليون دولار أميركي.
– في الأول من آب 2013 ، توفيت إيفلين. واتّضح أنّها وضعت وصية عام 1977 تترك فيها ممتلكاتها لشقيقها جورج.
– في28 أيلول 2014، توفي جورج، فقُسّمت ممتلكاته بموجب القانون بنسبة 25% للزوجة (منى منصور)، و75% مقسّمة بالتساوي على كلّ من أبنائه الثلاثة: لارا، وألكسندر جورج منصور، ورولى جورج منصور.
– بذلك، تكون حصة لارا من تركة إيفلين وجورج 25%.
– تآمر أفراد عائلة لارا: منى منصور، وألكسندر جورج منصور، ورولي جورج منصور معًا لتهريب الأموال المنقولة بالإضافة إلى وضع سلسلة من عقود البيع المزيّفة للأرض من أجل الاستيلاء غير القانوني عليها. فحُرِمَت لارا من حصتها.
– حصلت والدة لارا وشقيقها وأختها على ما يوازي (12 مليون دولار) من البنوك حيث احتفظ جورج وإيفلين بأموالهما الشخصية وأموال الشركات. وقد تمّ تحقيق ذلك من خلال توكيل رسمي ملفّق ومزوّر نيابة عن جورج. بالإضافة إلى ذلك، تمّ بيع أو نقل العقارات المملوكة لجورج وإيفلن بشكل غير قانوني إلى مشترين مجهولين من خلال عمليات بيع وشراء عقود مزيّفة، تُظهر (10%) فقط من قيمة العقار.
– حصل المُدَّعَى عليهم: منى منصور، ألكسندر جورج منصور، ورولي جورج منصور، على مساعدة كبيرة لتحقيق مخطّط الاحتيال على لارا والاستيلاء على أصول الأسرة.
– من هذا المنطلق تمّ الادّعاء على: داني جورج ماكرون (محام لبناني محلي يعمل مع الأم والأخ والأخت)، وفادي وديع ليون، وربيع جميل نور الدين، ومحمد علي بربار، ومارلين وديع ليون، وأميره أحمد المرابوني، وكذلك على وزير العدل اللبناني سليم جريصاتي، والقاضي اللبناني زياد مكنا، والمدّعي العام اللبناني سمير حمود، والنائب العام اللبناني زياد أبو حيدر.
– ساعد هؤلاء الأفراد، بمن فيهم وزير العدل، كلّاً من منى منصور، وألكسندر جورج منصور، ورولي جورج منصور، ليحرموا لارا من حقّها في إرث والدها.
– طالبت لارا مراراً بحقوقها، عبر إبلاغ السلطات المحلية، لكن من دون جدوى.
– في خريف عام 2015 ، قدّم المدّعي العام داني شرابية، اتهامات بالسرقة والتهم ذات الصلة ضد منى باخ منصور، وألكسندر جورج منصور، ورولي جورج منصور. وطُلب من رئيس المحكمة تنفيذ التحقيق في المخطّط المذكور أعلاه للاحتيال. وأمر بإلقاء القبض على منى باخ منصور، وألكسندر جورج منصور، ورولي جورج منصور.
– تقول الدعوى إنّ فساداً ورشوةً وتلاعباً بالنظام القانوني اللبناني، بقيادة سليم جريصاتي، منع لارا من المضي قدمًا في متابعة الاتهامات والحصول على جزء أو كلّ ممتلكات والدها وعملته.
– وتقول الدعوى إنّ القضاة المعنيين لم يبذلوا جهودًا فعّالة أو فورية أو أيّ جهود من أيّ نوع لمتابعة تحقيق جادّ وفعّال من قبل المحقّقين في مخطّط الاحتيال. علاوة على ذلك، تتّهم القاضي سمير حمود بمصادرة جميع وثائق المحكمة المتعلّقة بقضية لارا، وبأنّ المدّعي العام زياد أبو حيدر وجّه اتهامات بشكل غير قانوني ضدّ لارا في محاولة لإجبار لارا على إسقاط دعاواها القضائية عن طريق الترهيب.
– في أيار 2017 ، طالب وزير العدل، جريصاتي، بمعالجة قضايا لارا القانونية داخليًا. كما أصدر جريصاتي التوجيه بعدم جواز توقيف أيّ من المتهمين في الدعوى اللبنانية.
– بعد ذلك، وُجّهت تهمٌ جنائية ضدّ لارا في محاولة لإجبارها على إسقاط الدعوى في الولايات المتحدة الأميركية. وقد أكّد جريصاتي لسفيرة الولايات المتحدة إليزابيث ريتشارد، أنه تمّ تصحيح جميع الأنشطة غير القانونية التي حدثت.
– بحسب المعلومات التي حصلت عليها المحكمة، هدّد وزير العدل، سليم جريصاتي، المدّعين العامين والقضاة اللبنانيين المحليين بأنّ وظائفهم معرّضة للخطر إذا لم يمنعوا لارا من الحصول على حقّها في إرث والدها. تسبّبت هذه التهديدات بمنع محامي لارا في لبنان من الوصول إلى حسابات منى منصور، وألكسندر جورج منصور، ورولي جورج منصور، ومنعه من مراجعة طوابع الدخول والخروج الخاصة بجوازات سفرهم ، وهي جزء مهم وذات صلة بالموضوع التحقيق.
– إضافة إلى ذلك، صادر المدّعي العام، سمير حمود، وثائق المحكمة اللبنانية باستمرار، حيث منع محامي لارا لبنان من التحقيق في الأمر بشكل صحيح.
– داني جورج ماكرون وفادي وديع ليون لديهما صلات بمسؤولين في الحكومة اللبنانية، على وجه التحديد سليم جريصاتي وآخرين، الذين هم جزء من عملية الاحتيال نفسها، أو يحتمل أنّهم ساعدوا في مخطّط الاحتيال.
– عام 2019 ، طُلب من لارا وإيلي سماحة العودة إلى لبنان لتسوية القضية. هكذا، استدرج أفراد عائلة المدّعي كلّاً من لارا سماحة وزوجها إيلي من منزلهما في ميامي إلى بيروت، حيث تم اختطافهما وتعذيبهما من قبل مسؤولين في الحكومة اللبنانية، بناء على طلب أفراد الأسرة. لمدة عشرة أيام ، احتُجز المدّعيان، وتعرّضا للتعذيب الجسدي والنفسي المتكرّر…
اتّهمت الدعوى المتهمين بإخضاع الزوجين “للخطف، والاستجواب القاسي، وأساليب التعذيب”، كلّ ذلك بقصد إجبارهما على إسقاط الدعوى من أمام محكمة فلوريدا – قسم ميامي
وجّه جريصاتي عملية القبض على لارا وزوجها إيلي، ونقلهما إلى مركز الاحتجاز. وبحسب الدعوى، فإنّ السجون في لبنان مكتظة، وتفتقر إلى الصرف الصحي والتهوية والإنارة. أما ظروف الاحتجاز، فكانت غير إنسانية حتّى بالمعايير اللبنانية. في مركز “الاعتقال” كما هو موصوف في النصّ، أُجبرت لارا على الدخول في قفص صغير في غرفة بلا أضواء أو نوافذ. كانت الغرفة شديدة الحرارة. هناك بقيت لارا لأكثر من 12 ساعة من دون أن تحصل على الطعام أو الماء أو حقّ الوصول إلى المرحاض. هذا وتمّ تجاهل الظروف الصحية للارا، ما أدّى إلى إلحاق الأذى الجسدي عبر حرمانها من الطعام والدواء (علماً أنها تعاني من الداء السكري)، لدرجة أنّها فقدت وعيها مرّتين على الأقلّ، وأصيبت بخفقان في القلب، وتعرّق بارد، وحالات طبية أخرى تتطلّب عناية طبية فورية. وبدلاً من معالجتها، تُركت لتعاني من آلام كادت تودي بحياتها.
إقرأ أيضاً: مناقصة – مهزلة في وزارة الطاقة.. بطلها نائب عوني
وفي وقت من الأوقات، أُجبرت لارا على خلع ملابسها بالكامل. وأُرغمت على الاستماع لسجناء آخرين تعرّضوا للتعذيب على بعد خطوات قليلة من زنزانتها. هدّدها الحراس بمجموعة عقوبات خارج نطاق القانون، بما في ذلك الإعدام، ما لم تتخلَّ عن جهودها للسعي لتحقيق العدالة في الولايات المتحدة.
بعد أيام من الاحتجاز غير القانوني في ظروف غير إنسانية، دون توجيه أيّ تهم رسمية، وتحت التهديد المستمر بالإيذاء الجسدي والوفاة المحتملة، وافق المدّعيان (لارا وايلي) على الانصياع لابتزاز المدّعى عليهم، فأسقطا الدعوى الأميركية. هكذا أُطلق سراحهما.
ولأنّ كلّ هذه هذه الارتكابات شكّلت نسفاً متعمّداً لقانون The Alien Tort Statute (ATS)، وهو الذي يمنح المحاكم الفيدرالية صلاحية النظر في الدعاوى المرفوعة من قبل الرعايا الأجانب نتيجة للأضرار التي ارتكبت والتي تنتهك القوانين الدولية… ولأنّ هذه الاتهامات تنتهك قانون حماية ضحايا التعذيبThe Victims of Trafficking and Violence Protection Act “”TVP، وهو بالإضافة إلى قابليته للتطبيق على مواطني الولايات المتحدة، فإنّه يتمتع بالقدرة على تفويض الحماية لكلّ من يقع ضحية للعنف… قرّر المدّعيان استكمال الدعوى التي تضرب صورة المنظومة الأمنية ومعها وزارة العدل.
يُذكر أنّ تاريخ بدء المحاكمة لم يحدد بعد بانتظار استكمال ملف التحقيقات.