بقلم ليزي بورتر Lizzie Porter، مجلة بروسبكت Prospect
لم يؤدّ تدخل حزب الله في سوريا إلى تشويه سمعته فحسب، بل كشف عمق علاقاته مع أعلى مستويات قيادة الحرس الثوري الإيراني. كان كبار قادة حزب الله يذهبون إلى دمشق رفقة القائد الإيراني القوي قاسم سليماني، الذي اغتالته أميركا في كانون الثاني الماضي. كانوا يتشاركون وجبات الطعام وأوقات الراحة مع سليماني، الذي كان يدير فيلق القدس، المسؤول عن العمليات الخارجية للحرس الثوري الإيراني.
يتذكّر أعضاء حزب الله سليماني باعتزاز، ولا يخفون إلى أيّ مدى كان هو صاحب القرار. كان مرناً. قال مسؤول كبير في حزب الله التقى سليماني في سوريا، الذي تحدث إليّ من ممرّ موحل في سهل البقاع: “لقد كان قادراً على تبسيط أيّ معضلة للشباب، حتى يتمكّنوا من فهمها، ثم حلّها خطوة خطوة”. وتابع: “من الواضح أنه كان ناضجاً فكرياً وتحليلياً”. ونفى المسؤول أن يكون الجنرال قد أساء إلى الشعب السوري: “السوريون قمعوا أنفسهم بهذه الحرب”، كما أصرّ. كان تعبيره عديم الشعور.
على عكس هذه الكلمات الدافئة عن القائد الإيراني، يتحدّث مقاتلو حزب الله أحياناً بازدراء عن جيش نظام الأسد. قال حسين، قائد وحدة حزب الله، عن الأسد ورفاقه: “نحن نحترم قادتهم”، لكنه كان أقل لطفاً بالنظر إلى الجنود السوريين: “إنهم ليسوا بشراً، ويبدو أنهم من عالم آخر”. قال. “بينهم خونة. بعضهم قتل الكثير منا. أطلقوا النار علينا من الخلف عدة مرات بينما كنا نهاجم. وقد استشهد عدد من مقاتلينا بسببهم”. مقاتل آخر من حزب الله أُجريت مقابلة معه بخصوص هذا المقال عبّر عن مشاعر مماثلة تجاه الجيش السوري.
على عكس هذه الكلمات الدافئة عن القائد الإيراني، يتحدّث مقاتلو حزب الله أحياناً بازدراء عن جيش نظام الأسد
عدم الثقة متبادل بين الحزب والجيش السوري. حتى السوريين الذين يدعمون نظام الأسد ليسوا سعداء للغاية بشأن بقاء حزب الله. الآن بعد استعادة الجزء الأكبر من البلاد من الثوار، هناك قسم معيّن من القوات في سوريا لا يفعل أيّ شيء – الكثير من مقاتلي حزب الله. قال نوار شعبان، المحلّل المقيم في تركيا: “هؤلاء المقاتلون يُحدثون بعض المشاكل في المناطق التي يوجدون فيها، ولا هم موضع ترحيب”. “الآن لا يرى السوريون الموالون للنظام أنّ وجود حزب الله ضروري في منطقتهم – يرون أنّ حزب الله ليس مضطراً للبقاء هناك في سوريا لأنه لا يوجد دور فعلي لهم”.
عدو “الشعب”؟
معارضة حزب الله تتعاظم في الوطن (لبنان). وسمعته تعاني لدى القاعدة الشيعية التقليدية نتيجة الأزمة المالية المستمرة في البلاد. لقد فقدت الليرة اللبنانية أكثر من ثلاثة أرباع قيمتها منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ما أدّى إلى ارتفاع حادّ في أسعار السلع المستوردة. كان مئات الآلاف من الأشخاص يفقدون وظائفهم حتى قبل جائحة فيروس كورونا. تسبّب نقص الدولار في فرض البنوك قيوداً تعسفية على عمليات السحب في الخريف الماضي. وعلى الرغم من عدم ثبوت مسؤوليته المباشرة، وسواء كان ذلك عادلاً أم لا، فقد توجّه اللوم إلى حزب الله فيما يرتبط بانفجار ميناء بيروت، الذي أودى بحياة ما يقرب من 200 شخص وتشريد مئات الآلاف. الحزب جزء من النخبة السياسية في لبنان. ولذا، يُنظر إليه على أنه يتحمّل بعض المسؤولية عن الإهمال العام والفساد الذي سمح بدخول آلاف الأطنان من المواد شديدة الانفجار إلى المرفأ، وتخزينها فيه بشكل غير سليم طوال سنوات. بعد الكارثة، حمل المتظاهرون المشانق في شوارع بيروت، وبنماذج من القادة السياسيين معلّقة على تلك المشانق، بمن فيهم حسن نصر الله زعيم حزب الله. (في وقت كتابة هذا التقرير، كانت التحقيقات في انفجار المرفأ ما زالت جارية).
وبينما يتقاضى أعضاء حزب الله ومقاتلوه رواتب بالدولار الأميركي، يتحمّل أنصاره العاديون وطأة تدهور العملة اللبنانية كما بقية أفراد المجتمع. إنّ توصّل الحزب إلى إمدادات من الدولارات الجديدة – من حيث لا يزال غير واضح تماماً – يضع حزب الله في مواجهة من لا يملكون. قالت لمياء: “لا يتقاضى الموظفون غير المتفرّغين رواتبهم بالدولار – حتى مناصرو حزب الله – وهم يكافحون، ويكافحون حقًا”. “لم يعد بعد اليوم حزب الشعب”.
على الأرض، كما هو الحال في الرهانات الشعبية، يمكن أن تؤدّي طموحات حزب الله إلى ركوب المخاطر. فمن خلال بناء علاقات مع المهرّبين المحليين ورجال الأعمال والسكان على طول الحدود السورية اللبنانية المليئة بالثغرات – بالقرب من القصير، البلدة التي انتزعها حزب الله من الثوار السوريين في وقت مبكّر من الحرب – ومن خلال إنشاء شبكته الأمنية الخاصة، بما في ذلك مراكز الاحتجاز، فإن حزب الله يسعى اليوم لتعزيز سيطرته كغاية في حدّ ذاتها. من خلال “العلاقات مع كيانات محلية قوية في سوريا”، كما يوضح المحلّل نوار شعبان، أنّ حزب الله “أمّن الآن وجوده لبضع سنوات، أو حتى أكثر”. وإذا نجحت هذه الاستراتيجية عسكرياً، فمن المحتمل أن تكون على حساب الأرواح البشرية: “قبل ذلك” قال شعبان، معبّراً عن آراء معارضي الحزب، “لاستهداف حزب الله في سوريا، كانت مواقعه معروفة. ولكن الآن بعد أن اعتمد حزب الله على الكيانات المحلية، فكيف يعرف أيّ المواقع يهاجم؟ “كلّ هذا يخلق إرباكاً “شديد التعقيد وخطيراً جداً”.
معارضة حزب الله تتعاظم في الوطن (لبنان). وسمعته تعاني لدى القاعدة الشيعية التقليدية نتيجة الأزمة المالية المستمرة في البلاد. لقد فقدت الليرة اللبنانية أكثر من ثلاثة أرباع قيمتها منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2019، ما أدّى إلى ارتفاع حادّ في أسعار السلع المستوردة
مع استمرار مشاركته في القتال مع حزب الله في سوريا، أصبح شقيق جواد أكثر انطوائية. وعقب كلّ عدة أشهر من القتال في سوريا، كان يقضي فترات الراحة القصيرة في المنزل في حالة عزلة. تابع جواد متأملاً: “كلما أصبح جزءاً من حزب الله، يصير أكثر انغلاقاً”. “لقد كان من الغريب جدًا بالنسبة لي أن أرى هذا التحوّل يأخذ بأخي من كونه شخصاً ممتعاً إلى شخص غامض وسريّ. فكّرت، ماذا فعلوا به؟ ماذا رأى؟ ماذا الذي اختبره؟ ولم أحصل على هذه الإجابات أبداً لأنه كان سيرفض التحدّث فقط”.
إقرأ أيضاً: كيف انقلب العالم العربي على الحزب (2): ضريبة تمجيد “سليماني” الأسد
لقد عزّز فقدان شقيقه في سوريا معارضة جواد لحزب الله. قال: “الشيء الأول الذي يغضبني هو أنهم يستهدفون الشباب”. “ثم عندما يكبرون مع دمج تلك العقيدة في أذهانهم، فإنهم في الواقع يبدأون في تصديقها بأنفسهم”. لقد قرّر أنه لا يستطيع العيش في لبنان بعد الآن، وسيغادر في وقت ما. قال: “مهما كان القرار صعباً، إلا أنه سيفيدني”.
أحمد، السوري في تركيا، سينتقل قريباً أيضاً. سوف يستقرّ على الحدود السويسرية لفرنسا، في جبال مختلفة تماماً عن تلال مضايا حيث حاصره حزب الله. قال: “إنهم لا يهتمّون بأيّ شيء سوى بمصالحهم”.
لقراءة النص كامل اضغط هنا