لم تحمل الأنباء المعلنة حتى الآن عن الرئيس سعد الحريري المنهمك بتشكيل الحكومة الجديدة، أنه تلقّى أيّ اتصال بارز من العالم عموماً، أو من الخليج العربي خصوصاً. كذلك، لم يشهد بيت الوسط، بعد اجتياز الرئيس الحريري حاجز التكليف الخميس الماضي، أي زيارة لسفير عربي، وتحديداً لسفير المملكة العربية السعودية الوزير وليد البخاري، الذي كانت له زيارات لهذا البيت سابقاً في مناسبات شتى. فهل لهذا الأمر، الذي تصفه أوساط سياسية بـ”الصمت”، تفسير؟
إقرأ أيضاً: “الحريري الرابع”: لا مهرب من الحكومة السياسية
في آخر متابعة لموضوع تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة ،كما ورد في وكالة الأنباء السعودية (واس)، يوم السبت المنصرم الاتي: “اهتمت الصحف اللبنانية بالمساعي والمشاورات التي يجريها الرئيس المكلف سعد الحريري لتأليف الحكومة المنتظرة. ونقلت عن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو دعوته لدول العالم إلى تصنيف حزب الله كلياً منظمة إرهابية”.
هل من قراءة لما ورد في هذه السطور لوكالة الأنباء الرسمية السعودية؟
لم يعد خافياً أنّ الموقف العربي عموماً، والخليجي خصوصاً، سيتحدّد لاحقاً في ضوء ما ستنتهي إليه جهود الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، وهل ستكون هذه الحكومة مستقلة فعلاً، فلا تتضمّن تمثيلاً للأحزاب، لا سيما “حزب الله” الذي صنّفته دول الخليج وفي مقدّمتها السعودية “منظمة إرهابية”، كي يبنى على الشيء مقتضاه؟
من ناحيته، لم يعطِ الرئيس الحريري منذ الخميس الماضي، أي إشارة إلى أنه يتطلّع لاتصالات قريبة بالخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تمثّل قبلة المساعدات التي يمكن للبنان أن يطمح إليها كي يسير على طريق النهوض من أزمته الاقتصادية والمالية. وهو اكتفى ولا يزال بالقول إنه عازم على “تشكيل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين، مهمتها تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية”، كما ورد في البيان الذي تلاه بعد تكليفه مباشرة. لكنه خارج حدود “المبادرة الفرنسية”، لم يقل الحريري شيئاً.
لم يعطِ الرئيس الحريري منذ الخميس الماضي، أي إشارة إلى أنه يتطلّع لاتصالات قريبة بالخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تمثّل قبلة المساعدات التي يمكن للبنان أن يطمح إليها كي يسير على طريق النهوض من أزمته الاقتصادية والمالية
في معلومات لـ”أساس” من فريق العمل الرسمي الذي واكب مؤتمر “سيدر” أنّ هذا المؤتمر يجب أن يكون المنطلق الفعلي لدعم لبنان بعد تشكيل الحكومة الجديدة، الأمر الذي يفترض أنّ دول الخليج ستكون عنصراً فاعلاً في تمويل البرنامج الذي انتهى اليه المؤتمر في السادس من نيسان عام 2018، رغم أن المعلومات تتحدث عن “انتهاء سيدر مبدئياً” واستبداله بمؤتمر ماكرون الذي ينتظر تشكيل الحكومة.
وفي العودة إلى يوم المؤتمر في ذلك التاريخ، أورد الموقع الإلكتروني لـ”فرانس 24 ” أنّ “السعودية قرّرت تجديد قرض بقيمة مليار دولار كانت قد قدّمته للبنان في السابق، من دون أن يتمّ استخدامه، بحسب نديم المنلا مستشار رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري. ومن جهة الدول الأوروبية، منحت فرنسا لبنان 550 مليون يورو من القروض بفوائد مخفّضة والهبات لتمويل مشاريع استثمارية في لبنان”، أي أنّ السعودية وحدها قدّمت قرضاً في ذلك الحين يقارب أقل من ضعفي ما قدّمته الدول الأوروبية مجتمعة في ذلك المؤتمر الذي لم يعد وارداً بشكله السابق، لا هو ولا الأرقام التي وردت فيه عن الهبات.
في سياق متصل، وفي الثاني من أيلول الماضي، أي في اليوم التالي لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الثانية والأخيرة للبنان، جرى توزيع نص “ورقة المبادرة الفرنسية” التي أعلن الرئيس الحريري التزامه العمل بموجبها. ومما جاء في هذه الورقة: “التدابير المطلوب اتخاذها فوراً في مهلة شهر: عقد اجتماع ثانٍ لمجموعة المتابعة المحلية لمؤتمر سيدر وإطلاق موقع إلكتروني مخصّص لمتابعة المؤتمر بكلّ أجزائه (مكوّنات المشاريع والتمويل والإصلاحات)، وفقاً لما ورد في الإطار المرجعي الخاص بمتابعة سيدر”.
في الثامن من الشهر الجاري وفي المقابلة التلفزيونية عبر قناة “mtv”، سأل مارسيل غانم الرئيس الحريري: “هل أنت ورؤساء الحكومات أردتم تنفيذ المبادرة الفرنسية وفق الشروط الأميركية والسعودية لإبعاد حزب الله عن هذه الحكومة نعم أم لا؟”، فأجاب: “لا أحد يعدّ مؤامرة على حزب الله. والكلّ يعلم في لبنان والمجتمع الدولي، أنّ سلاح حزب الله موجود، وهذا السلاح له تداعيات إقليمية .ولكي تحلّ هذه المشكلة عليك أن تحلّ المشكلة الإقليمية. هل كان أحد يطالب بنزع سلاح حزب الله؟”.
يجيب مصدر سياسي متابع للعلاقات اللبنانية – السعودية عبر “أساس”، قائلاً: “هناك مسؤولية يجب أن يتحمّلها اللبنانيون في مواجهة نفوذ حزب الله في بلدهم. وهذا النفوذ يستند إلى ترسانة من الأسلحة الإيرانية
هل هذا الجواب الذي قدّمه الحريري يرضي الخارج، وتحديداً السعودية؟
هنا لا بدّ من الإشارة إلى تصريحات متناقضة، أطلقها القيادي في تيار المستقبل مصطفى علوش، الذي بعدما أكّد في تصريح لـ”الأنباء الالكترونية أنّ “الاتصالات بين الحريري والرياض متوقفة”، عاد وتراجع عن كلامه في حوار مع “نداء الوطن”، معتبراً أنّ ما نُقل عنه أخذ من خارج السياق، وأنّه خلافاً لما أشيع، فإنّ الرئيس الحريري على تواصل وتشاور دائم مع القيادة في السعودية”. ما يؤشّر بوضوح إلى أنّ الحريري يعرف أنّ حركته لا تُحظى بغطاء سعوديّ.
ليس من مبالغة في القول إنّ صمت الخليج الآن عن مسار عودة الرئيس الحريري إلى السراي مجدّداً، هو ترجمة لما قاله العاهل السعودي
ويجيب مصدر سياسي متابع للعلاقات اللبنانية – السعودية عبر “أساس”، قائلاً: “هناك مسؤولية يجب أن يتحمّلها اللبنانيون في مواجهة نفوذ حزب الله في بلدهم. وهذا النفوذ يستند إلى ترسانة من الأسلحة الإيرانية، التي بفضلها مارس الحزب أدواراً في لبنان والمنطقة بدءاً من سوريا وصولاً إلى اليمن. ووصل الأمر بهذا السلاح، مدعوماً بخبراء ومقاتلين من الحزب، إلى حدّ تهديد أمن المملكة عبر الحدود اليمنية – السعودية، ما دفع الملك سلمان عبد العزيز في الكلمة التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 أيلول الماضي عبر الاتصال المرئي للقول: “إننا نقف إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق الذي تعرّض إلى كارثة إنسانية بسبب الانفجار في مرفأ بيروت، ويأتي ذلك نتيجة هيمنة حزب الله الإرهابي التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح مما أدّى إلى تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية. وإنّ تحقيق ما يتطلّع إليه الشعب اللبناني الشقيق من أمن واستقرار ورخاء، يتطلّب تجريد هذا الحزب الإرهابي من السلاح”.
ويخلص المصدر إلى القول: “هل هناك من حاجة في ضوء موقف الملك سلمان السؤال مجدّداً: ماذا تطلب المملكة من لبنان؟”.
ليس من مبالغة في القول إنّ صمت الخليج الآن عن مسار عودة الرئيس الحريري إلى السراي مجدّداً، هو ترجمة لما قاله العاهل السعودي.