بالمبدأ، الكلّ مأزوم. الكلّ يبحث عن حلّ يقيهم شرّ السقوط في مجهول الانفجار الكبير. وضع يدفعهم إلى تقديم التنازلات، كلّ على طريقته ووفق “مخزونه” من “الأوراق الصامدة” واعتباراته. يدرك المجتمع الدولي مدى سوداوية الوضع ومدى مأزومية القوى السياسية. ولذا، يلوّح بعصا الإصلاحات مقابل جزرة المساعدات التي يحتاجها لبنان لكي يحافظ على الحدّ الأدنى من استقراره.
إقرأ أيضاً: حكومة الحريري المحمّلة بثلاث أزمات
ولهذا، بادر رئيس الحكومة سعد الحريري فور تقديم نفسه مرشّحاً لرئاسة الحكومة، بعد ممانعة استمرت نحو عام من الزمن، ترك فيها الأكاديمي حسان دياب “يجرّب” حظه في التقاط كرة النار التي تأكل الأخضر واليابس. ومن ثَمّ ساير الآخرين في لعبة “الوكيل” مصطفى أديب الذي ترك لقدره في “صراع الكبار”، ما دفعه إلى التراجع سريعاً للعودة إلى مركز عمله في برلين.. بادر إلى التقدّم خطوة للأمام تحت عنوان التعاون.
يصرّ رئيس الحكومة المكلّف على الإكثار من تعبير “التعاون” في كلّ جلساته الرسمية وغير الرسمية. استخدمها مع رئيس الجمهورية ميشال عون حين التقاه بعد طول فراق، قبيل تسميته، وعاد وكرّرها أمام الكتل النيابية التي التقاها في مجلس النواب ضمن الاستشارات الملزمة، ولجأ إليها من جديد في لقائه يوم السبت مع رئيس الجمهورية.
يصرّ رئيس الحكومة المكلّف على الإكثار من تعبير “التعاون” في كلّ جلساته الرسمية وغير الرسمية. استخدمها مع رئيس الجمهورية ميشال عون حين التقاه بعد طول فراق، قبيل تسميته، وعاد وكرّرها أمام الكتل النيابية التي التقاها
حتى الآن، لم يوضح الحريري مقاصده من التعاون أو بالأحرى كيف يريد ترجمة هذا التعاون. الانطباع الأول المتكوّن لدى شركائه في الحكم، هو أنّ ما يسري على أيّ فريق سيسري على الآخرين، بمعنى أنّ التفاهم مع الثنائي الشيعي على الأسماء والحقائب التي ستسند إلى الوزراء الشيعة، سيتعمّم على بقية الأطراف، وتحديداً الفريق المسيحي الأكبر، “التيار الوطني الحر” ومعه رئاسة الجمهورية.
ولكن هذا المنحى ليس مضموناً. يقول المواكبون إنّ الحريري يخشى دخول بازار الأخذ والردّ على المفضوح وبشكل وقح، ما قد يغرقه في وحول المحاصصة المقيتة التي يرذلها الشارع. هو يعرف أنّ مندرجات التعاون تقتضي الوصول مع شركائه إلى تفاهمات حكومية. لكن الأسلوب والطريقة قد يصنعان كلّ الفرق.
وفق هؤلاء، لم يبد الحريري أيّ نية أو أي إشارة إلى إمكانية كشف كلّ أوراقه على طاولة المفاوضات. لا يزال حتى اللحظة يحاذر اللعب على المكشوف، ويحاول قدر الإمكان الحفاظ على ماء وجهه، أقله أمام الرأي العام.
يشير هؤلاء إلى أنّ ما بعض ما دار بين رئيس الحكومة المكلّف والكتل النيابية التي التقاها يوم الجمعة، يترك انطباعاّ أنّ الحريري يخاف العودة إلى القواعد الكلاسيكية في التأليف حين كان يتلقّى طلبات الكتل النيابية، ويسقطها على حكومته. يلفت هؤلاء إلى أنّ الرجل تحدّث أمام النواب عن دورهم التشريعي والرقابي وكأنّه يقول بطريقة غير مباشرة “بأنني سأتولّى التأليف وأنتم حاسبوني في المجلس”!
تفيد المعلومات أنّ المشاورات الثنائية لم تسلك بعد مساراً مشتركاً ولا يزال هناك تباعد بين الرئاسة الأولى والرئيس المكلّف، الأمر الذي قد يفرض جولات كثيرة من النقاش
ولهذا يصرّ على تسليط الضوء على دور رئيس الجمهورية في التأليف. بمعنى أنّه يعترف بشراكة الأخير، ولكن من دون سواه، والمقصود بسواه رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل. لم يبد الحريري أيّ رغبة أو إشارة في لقاء باسيل وجهاً لوجه للاتفاق على سلّة الأسماء المسيحية، كذلك باسيل. الاثنان يتركان الطابة عند رئيس الجمهورية.
وهذا ما عاد وكرّره رئيس الحكومة المكلّف على مسامع الرئيس عون خلال لقائهما يوم السبت. أكد أمامه أنّه متمسك بالتعاون معه، وبأنّه سيعود إليه في كلّ خطواته وبأنّه لن يتجاوز موقع الرئاسة الأولى. وهذا ما يؤكد وفق المواكبين بأنّ الحريري لن يتفاوض إلا مع رئيس الجمهورية… من دون أن يعني ذلك أنّ باسيل سيجلس مكتوف الأيدي. سينتظر على كوع أول تشكيلة سيضعها الرئيس المكلف على طاولة رئيس الجمهورية ليسجّل ملاحظاته وبصماته.
رغم بيانات النفي والتصويب التي سطّرها المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية على التسريبات التي طاولت لقاء السبت، فإنّ المواكبين يميلون إلى التأكيد على إيجابية اللقاء، أقله هو ليس موضع إشكالية بينهما، ولو أنّه لم ينخرط في تفاصيل التأليف. كان تأكيد من جانب الحريري على ضرورة نجاح مهمته لأنّ فيها نجاحاً للفريقين. وهو لن يقوم بأيّ خطوة الا بالتوافق معه. ومع ذلك، تفيد المعلومات أنّ المشاورات الثنائية لم تسلك بعد مساراً مشتركاً ولا يزال هناك تباعد بين الرئاسة الأولى والرئيس المكلّف، الأمر الذي قد يفرض جولات كثيرة من النقاش.