أثار منشور عضو مجلس بلدية بيروت مغير سنجابة الجدل في الأوساط البيروتية، إذ أعلن نجابة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك أنه “بتكليف من رئيس بلدية بيروت المهندس جمال عيتاني، تمّ اللقاء مع محمد الكلانكا. مدير العلاقات الخارجية في بلدية اسطنبول مكلّفاً من قبل رئيس بلدية اسطنبول السيد إمام أوغلو، وذلك لبحث سبل التعاون بين البلديتين للتخفيف عن بيروت عقب انفجار 4 آب”.
إقرا أيضاً: أذربيجان وأرمينيا (1): استنطاق الخرائط
لا يبدو أنّ منشور سنجابة “قطع” لا بالشكل ولا بالمضمون ولا حتى بأصول التكليف والتمثيل البلدي لدى بعض زملائه في المجلس، الذين رأوا أنّ هناك مغالطات في كيفية التكليف التي تحدّث عنها سنجابة، ونقلوا عن رئيس مجلس بلدية بيروت جمال عيتاني أنه لم يقم بتكليف لا رسمي ولا شفهي لسنجابة، للقيام بهذه المهمة، وأنه قام بذلك “من رأسه”، فماذا في التفاصيل ولماذا كلّ هذا الجدل حول الزيارة؟
حاولنا استصراح عيتاني مراراً في هذا الإطار، لكنه كما في كلّ مرة لم يكن على السمع، على الرغم من استلامه رسائلنا الصوتية والمكتوبة وسماعها وقراءتها. ويؤكد عضو المجلس البلدي سعيد فتحه أنّ سنجابة كان في زيارة خاصة إلى تركيا برفقة زوجته وابنته وصهره ووفد من رجال الأعمال اللبنانيين، وقام بلقاء أحد المسؤولين في بلدية اسطنبول، وتباحث معهم بالتعاون بموجب اتفاق تعاون موجود مسبقاً بين البلديتين “لكن لم يكن موفداً من البلدية، ولم يسافر على حساب البلدية، وليس بعلم المجلس، ولا بتكليف من الرئيس”.
لا يبدو أنّ منشور سنجابة “قطع” لا بالشكل ولا بالمضمون ولا حتى بأصول التكليف والتمثيل البلدي لدى بعض زملائه في المجلس، الذين رأوا أنّ هناك مغالطات في كيفية التكليف التي تحدّث عنها سنجابة
أما سنجابة الفائز بانتخابات 2016 على اللائحة الائتلافية، “لائحة البيارتة”، وكان مرشح “الجماعة الإسلامية”، ونائباً لنقيب المهندسين، فهو رجل أعمال يعمل في مجال العقارات. ولم تكن زيارته إلى تركيا الأولى من نوعها، فهو دائم التردّد إلى تركيا. وكان المبادر الأول إلى استقبال الوفود البلدية الآتية من تركيا أو من حركة “حماس” إلى بيروت على مدى السنوات الأربع الماضية. وكان يحاول دائماً تنسيق لقاءاتهم مع رئيس المجلس البلدي والمحافظ.
مصدر مهتمّ بالشأن البلدي البيروتي يؤكد لـ”أساس” أنّ هذه الزيارة غير بريئة، وذلك “انطلاقاً من لقاء سنجابة مع المحامي نبيل الحلبي على طاولة العشاء وتأسيسه لتجمّع من رجال الأعمال اللبنانيين تحت عنوان (رجال أعمال لبنانيين أصدقاء تركيا) منهم عاصم شوّا هشام مجدلاني، زكي العسلي، وأحمد صيداني، حسام شبيب، حسن عطار، سامر قريطم، ومحمد الحلبي”.
نواجه سنجابة بالكلام المنقول عن عيتاني، فيسخر من هذه المقاربة: “هل يعقل أنهم استقبلوني في بلدية اسطنبول على (طولي وجمالي)” ويوضح في حديثه لـ”أساس” أسباب اللغط الحاصل: “صحيح أنّ رئيس بلدية بيروت لم يكلّفني بزيارة اسطنبول في هذا التوقيت، وأنا بادرت إلى طلب الزيارة بسبب وجودي في اسطنبول، لكن هناك طلب من رئيس بلدية بيروت لمتابعة موضوع المساعدات منذ أن اتصل رئيس بلدية اسطنبول بعيتاني، وأبلغه نية مساعدة بلدية بيروت عقب انفجار المرفأ، وطلب مني عيتاني المتابعة والتنسيق ووصلني بالشخص المناسب في بلدية اسطنبول. ولديّ كلّ الإيميلات والرسائل النصية التي تثبت ذلك”، مؤكداً أنها ليست أول زيارة له في هذا الإطار، بل قام بزيارة أولى في أيلول الماضي، واجتمع بمدير مكتب مسؤول العلاقات الخارجية، بسبب غياب الأخير عن اسطنبول.
مصدر مهتمّ بالشأن البلدي البيروتي يؤكد لـ”أساس” أنّ هذه الزيارة غير بريئة، وذلك “انطلاقاً من لقاء سنجابة مع المحامي نبيل الحلبي على طاولة العشاء وتأسيسه لتجمّع من رجال الأعمال اللبنانيين
وينفي سنجابة أيّ علاقة للجماعة الإسلامية بالزيارة “حتى إنّ رئيس بلدية اسطنبول إمام أوغلو هو في الحزب المعارض، ولا ينتمي لحزب العدالة والتنمية. وصحيح أنني عضو في الجماعة، لكنني في البلدية أمثّل بلدية بيروت وأهل بيروت”.
لكن لماذا تركيا؟ يجيب سنجابة: “تركيا لأنها أصبحت مقصداً لكثير من اللبنانيين في المدّة الأخيرة، ويُسجّل أكثر من 250 ألف زيارة من لبنانيين لتركيا سنوياً”. ولا ينكر لقاءه بالمحامي نبيل الحلبي، ويؤكد أنّ هناك لغطاً بين العشاء الذي جمعه بالحلبي “كصديق شخصي أختلف معه بالسياسة”، وبين “الترويقة” التي جمعته بالملتقى حديث الولادة.
بدورها “الجماعة الإسلامية” تؤكد على أنّ الزيارة لم تكن بالتنسيق معها، لكن كانت بمباركتها. ويؤكد المسؤول السياسي في بيروت داخل “الجماعة الإسلامية” المحامي باسم الحوت أنّ سنجابة وضعهم بصورة الزيارة، وقاموا بمباركتها من بوابتها البحثية والإنمائية، وكونها تصب في مصلحة البلد. ولا يخفي الحوت امتعاضه من الجدل الحاصل حول الزيارة: “فهناك تكليف رسمي من رئيس بلدية بيروت، لكن بعد الجدل الحاصل طلب عيتاني من سنجابة سحب هذا المنشور، ورفض الأخير ذلك كونه يقوم بمهمة كلّفه بها عيتاني”.
لكن ماذا يقول أرمن البلدية عن هذه الزيارة في ظلّ الصراع المحتدم بين أرمينيا وأذربيجان؟
هاغوب ترزيان النائب الأرمني عن بيروت، وعضو مجلس بلدية بيروت سابقاً، يؤكد بدوره لـ”أساس” أنّ هناك مغالطات في منشور سنجابة لأصول العمل البلدي “فلا قرار مجلسي بتكليف سنجابة بزيارة تركيا. وعندما يتحدّث عضو مجلس بلدي باسم المجلس، فلا بدّ من قرار، وهذا الموضوع للانتظام العام، والتمثيل يكون لمجلس بلدية بيروت، علماً أنه لا يوجد قرار مجلسي لتمثيل المجلس في الخارج ولا حتى طلب شخصي من رئيس البلدية”.
ويعلّق ترزيان على شكل الزيارة، ويوضح أنه “عندما نكون أمام تمثيل أقله يجب أن يتمّ اللقاء مع رئيس البلدية وليس مع موظف حفاظاً على هيبة بلدية بيروت وموقع رئاسة المجلس”، متمنياً لو أنّ سنجابة قام بمبادرته هذه لتقديم المساعدات التدريبية واللوجستية لفوج إطفاء بيروت منذ سنوات. ولو كانت هذه المساعدات جدّية لكنّا وفّرنا على أنفسنا خسارة 10 أبطال من فوج إطفاء بيروت في انفجار المرفأ”، واصفاً مقاربة سنجابة في ما يخصّ الترحيب بهبات آتية من أرمينيا في حال حصلت، بالمقاربة “السخيفة” التي لا تستحق التعليق.
“الجماعة الإسلامية” تؤكد على أنّ الزيارة لم تكن بالتنسيق معها، لكن كانت بمباركتها
ولا يخفي آرام ماليان عضو مجلس بلدية بيروت الجو السلبي الذي ساد الأعضاء الأرمن من منشور سنجابة، ويؤكد أن “لا مشكلة بكلّ ما هو ضمن القوانين. فلا مشكلة بأن يتكلّف ويتحدّث باسم رئيس المجلس ويزور تركيا، لكن تحت سقف الأصول وقانون المجلس البلدي”.
ويؤكد في حديثه لـ”أساس” أنّ الأعضاء الأرمن سيكون لهم موقفهم من هذه الهبة في حال وضعت على جدول أعمال جلسة المجلس البلدي: “إما نرفض أو نتحفّظ أو نغادر الجلسة”. ويضيف: “نحن نرحب بالمساعدات من أيّ دولة، لكن موقفنا من هذه العلاقة معروف، ولن يتغيّر”.