يُعاين الرئيس “المخدوع” مصطفى أديب عن بعد وقائع العودة “السعيدة” لسعد الحريري إلى أحضان الأحزاب وشروطها لتتكلّل بحكومة اختصاصيين بـ”مباركة” من مُنِع السفير اللبناني حامل الجنسية الفرنسية من الاتصال بهم أو لقائهم والنقاش معهم بأيّ تفصيل حكومي!
قد يطول الوقت قبل أن تعلن مراسيم حكومة ستتخطّى الـ 14 وزيراً، وسيشارك الرئيس نبيه بري وحزب الله وجبران باسيل ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية وهاغوب بقرادونيان، وربما القومي (ردّاً للجميل) باختيار وزرائها “الاختصاصيين ونظيفي الكفّ”، وتتبنّى بياناً وزارياً لا يلغي “بند المقاومة”، وتسير بخطة عمل لن يكون الحريري متحرّراً من شروط من سيشاركه في وضعها في ملفات التدقيق الجنائي، والتفاوض مع صندوق النقد الدولي، وخطة الكهرباء، والخطة المالية العالقة، وقانون ضبط التحويلات المالية…
إقرأ أيضاً: “الحريري الرابع”: لا مهرب من الحكومة السياسية
لكن ليس الحريري، المتراجع عن معيار الوزراء المستقلين يسمّيهم هو دون غيره، فقط من قدّم التنازلات على أبواب ذكرى العام على استقالته من حكومة رفض الاستمرار بها للأسباب نفسها التي ستعيده رئيساً لرابع حكومات العهد.
ميشال عون وجبران باسيل تراجعا عن خط أحمر رسماه منذ لحظة استقالة سعد: “لا إمكانية للعمل مع هذا الرجل مجدّداً”، مع تفصيل يذكره كثيرون حين أظهر باسيل فوقية نافرة بوجه الحريري قائلاً له ردّا على خطابه عالي السقف في ذكرى 14 شباط الفائت: “مهما فعلت وقلت لن تستطيع أن تطالني. وكيف ما أنا كنت لن أقبل أن أكون مثلك. تفرّقنا بعض القيم والمبادئ، ولكن سيجمعنا التفاهم الوطني مرة أخرى. ذهبت بعيداً لكنك سترجع. لكن الفارق أنّ طريق العودة ستكون أطول وأصعب عليك”!
وفق مرجع سياسي أنّ حصر التسميات بين صاحبي التوقيع على مراسيم الحكومة ضرب من الخيال. والأدق القول إنّ القصة “منتهية” خصوصاً بين الحريري والفريق الشيعي. لكن أكثر من نقطة قد تستدعي تواصلاً بين الحريري و”الخليلين”
لم يخطئ باسيل. اعتراف الحريري من ضمن “فعل الندامة” الذي تلاه قبل أشهر باضطراره للتعامل مع رئيسين “رئيس الظلّ والرئيس الأصلي”، واتهامه باسيل صراحة بـ”إلغاء الآخرين وطلب رأس رفيق الحريري من جديد”، لم يمنعه من العودة إلى الموقع الذي حولّه العهد إلى أسير حسابات العهد. التحوّلات في الإقليم هائلة، والبراغماتية تلفح الجميع.
ويبدو، وفق مرجع سياسي أنّ “حصر التسميات بين صاحبي التوقيع على مراسيم الحكومة ضرب من الخيال. والأدق القول إنّ القصة “منتهية” خصوصاً بين الحريري والفريق الشيعي. لكن أكثر من نقطة قد تستدعي تواصلاً بين الحريري و”الخليلين”، من دون حسم إمكانية لقاء الحريري بباسيل حيث يفضّل الأول أن يتبلّغ الموقف من رئيس الجمهورية، وليس من نائب البترون”.
هذا يعني أنّ كوتا الأحزاب ستكون حاضرة داخل الحكومة وإن بشكل مبطّن، وهو الأمر الذي جاهر به باسيل علناً من مجلس النواب بإشارته إلى “أننا أمام حكومة سياسية تتطلّب احترام معايير محدّدة وموحّدة فيها”، في مقابل صمت تام من الرئيس المكلّف، إن حيال طلب حزب الله رفع “عديد” الحكومة إلى 24 وزيراً أو وضع باسيل الحريري أمام واقع حكومة تكنو – سياسية، ومجاهرة قريبين منه على الرغم من الإيجابية التي طرأت على خط بيت الوسط -ميرنا الشالوحي بأن “هناك وعوداً عجائبية للحريري في مدّة ستة أشهر”، مع دعوة واضحة له بـ “تغيير إدارته للأزمة التي أوصلتنا إلى الانهيار”!
وهنا تقول أوساط التيار الوطني الحرّ إنّ “الحديث عن تفاهمات مسبقة بين أيّ طرف وآخر حول جدول عمل الحكومة لا يعنينا. وقد كشف باسيل صراحة عن مخاوفه من عدم تمكّن الحكومة من تنفيذ الإصلاحات المطلوبة الواردة في الورقة الفرنسية وما لم يدوّن فيها. ونريد أيضاً أجوية صريحة حول الخطوط الحمر التي لا تزال موضوعة حول رياض سلامة، وموضوع توزيع الخسائر ومسؤولية المصارف حيالها، وقانون الكابيتال كونتول، وكشف أصحاب التحويلات المالية…”.
تقول مصادر قريبة من حزب الله، تحت سقف معلن ومعروف عكسه السيد حسن نصرالله في خطابه في 30 أيلول بعيد اعتذار مصطفى أديب
وتضيف الأوساط: “أمّا تسليم الرئيس المكلّف ببقاء حقيبة المالية بيد الطرف الشيعي، فهذا سيدفعه إلى معاملة أكبر كتلة مسيحية بالمثل وعدم تجاوز رأي رئاسة الجمهورية بتسليم أو بقاء حقيبة ما بيد الطرف المسيحي إضافة إلى رأي الفريق المسيحي الأقوى بأسماء الوزراء، وهذا ما نعنيه بالمعيار الموحّد”.
ويتردّد هنا أنّ باسيل لا يزال يعتبر أنّ “الداخلية من ضمن الحقائب القابلة للنقاش مع أيّ رئيس مكلّف على قاعدة أنّ حجبها عن الفريق المسيحي غير جائز، فيما توزيعة الحقائب لا تزال غير متفق عليها”.
وفيما بدا لافتاً إشارة النائب محمد رعد في يوم الاستشارات إلى أنّ الحزب والحريري قطعا شوطاً في التوافق على دور الحكومة، فإن مصادر معنيّة بالتأليف تؤكد أنّ “هذا التفاوض بدأ بالفعل قبل تكليف الحريري”. والمثير للاهتمام أنّ “الروداج” الأول له حصل حين كان مصطفى أديب لا يزال رئيساً مكلّفاً، وما سمعه الأخير من النائب علي حسن خليل ومساعد أمين عام حزب الله الحاج حسن خليل مع تسليم “الخليلين” يومها بأنهما كانا يتفاوضان مع سعد، وليس مصطفى. وقد استكمل النقاش بعد إعلان الحريري عن مبادرته عبر لقاءات بقيت بعيدة من الإعلام، تمّ التوافق فيها على استبعاد الأسماء المستفزّة والسير نحو تأليف سريع ينعكس ارتياحاً في الوضع المالي ويستكمل مسار انخفاض الدولار”.
ويجري ذلك، كما تقول مصادر قريبة من حزب الله، تحت سقف معلن ومعروف عكسه السيد حسن نصرالله في خطابه في 30 أيلول بعيد اعتذار مصطفى أديب حين قال: “نريد أن نشارك في الحكومة، ونختار نحن من يمثّل الشيعة فيها. فالهدف ليس أن يتمثّل الشيعة، وأن ينالوا هذه الحقيبة أو تلك، بل المطلوب معرفة مَن يتحكّم بقرار هؤلاء الشيعة”، ملمّحاً يومها إلى الحريري باعتباره الخيار الأفضل للحزب.
وتلفت المصادر إلى أنّ “جزءاً من مسودة الأسماء التي كان يحملها أديب، ولم يطلع رئيس الجمهورية عليها، شكّلت انطلاقة الحريري في اختيار فريق عمله، فيما مفاوضات الكواليس بين الحريري من جهة والثنائي الشيعي من جهة أخرى حول خطة الحكومة شهدت فعلاً مراحل متقدّمة من النقاش، وصلت الى حدّ قول قريبين من الحريري إنه لا خلاف مع الحزب برفض تسليم رقبتنا إلى صندوق النقد. كما أنّ كثيرين يجهلون أنّ صندوق النقد الدولي IMF نفسه لا يقترح إجراءات من دون الأخذ بالاعتبار بمدى قدرة شبكة الأمان الاجتماعي لأيّ دولة على تحمّلها”.