أكثر من 70 مليون دولار هي قيمة الردميات الناتجة عن أضرار مرفأ بيروت بعد تفجير 4 آب، إضافة إلى ملايين الدولارات الأخرى الناتجة عن أضرار الأبنية والمحلات والسيارات التي كانت خارج حرم المرفأ، في محيطه. ما يجعل كثيرين “يسنّون أسنانهم”، أملاً في السمسرات والبيع والشراء.
يمكن للعابر إلى جانب مرفأ بيروت لناحية جسر شارل الحلو أن يرى بسهولة مشهد الردميات الكثيرة وفي مقدمتها الحديد، كيف تراكمت “بالعلالي” بشكلٍ منظّم في مكان الانفجار.
إقرأ أيضاً: هل ينبعث مرفأ حيفا من تحت رماد مرفأ بيروت؟
فشهران ونصف الشهر مرّت على انفجار مرفأ بيروت، ولا زالت ردميات المرفأ مكانها، تجري هندستها ونقلها من مكان لآخر، من دون التخلّص منها. ومن بين هذا الركام يشتمّ مصدر مسؤول رائحة فساد آتٍ لا محالة، وطبخة سمّ وُضعت على نارٍ هادئة. كيف لا ويقدّر ركام الحديد فقط في المرفأ بما يقارب 70 مليون دولار، بحسب معلومات “أساس”.
يقدّر مصدر مسؤول، طلب عدم الكشف عن اسمه، كمية الردم في المرفأ بأكثر من مليون متر مكعب. الحديد المتراكم وحده يقارب 300 ألف طن تقريباً، من بينها الهنغارات، وبقايا السوق الحرة، وما يقارب بقايا 3000 سيارة، تزن كلّ منها طن تقريباً، وخمس سفن غارقة لديها قيمة حديدية كبيرة (لم تُستخرج بعد). قيمة الطن الواحد من الحديد الخردة يتراوح بين 200 إلى 220 دولاراً، ما يعني أنّ قيمة هذه الخردة تقارب 70 مليون دولار، هي القيمة التي ستتفاوت ملايين الدولارات فيها بين سعر وسعرٍ، بسبب الفارق الذي يسيل لعاب الكثيرين على تجييره لصالحهم.
يستبعد قيسي وجود شبهات في عملية تأخير عملية التخلّص من هذه الردميات: “القضية سهلة وليست معقدة، وبعد الانتهاء من تجميع الحديد وفرزه، سنطلق مزايدة لشراء الحديد. ومن يدفع أكثر سيأخذه”
المصدر المسؤول يعتبر أنّه لا قدرة للمتعهّدين على القيام بهذا العمل: “فالمشروع على مستوى دول لا على مستوى مقاولين، إلا في حال كان البعض يبحث عن مرقد سمسرة له على أنقاض المرفأ”. وبالإضافة إلى الحديد، هناك كميات من الزجاج أيضاً والردم “الباطون” الذي يمكن استعماله في تأهيل المرفأ. أما أهراءات القمح التي بقي فيها كميات كبيرة من الحديد، فلم يُتخذ القرار بعد بمصيرها، وهي من صلاحيات وزارة الاقتصاد.
مدير مرفأ بيروت بالتكليف باسم قيسي يؤكد لـ”أساس” أنّ المنطقة الحمراء في المرفأ (أي التي تعرّضت للضرر الأشدّ) رُفعت بالكامل منذ أكثر من أسبوعين، عبر الجيش اللبناني، ما يغطّي أكثر من 50% من المساحة الشاملة: “الجيش قام بعمل جبّار خلال وقت قصير جداً. وتمّ تنظيف أكثر من 70% من المرفأ حتى اليوم. لكن هناك بعض الهنغارات بقي فيها بعض البضائع لم يستلمها أصحابها، وبعضها الآخر للجمارك، هي التي تؤخر استكمال الأعمال، فلا يمكن هدمها حتّى تأتي شركات التأمين وتكشف، وتأتي بالردّ من الخارج، لحفظ حقّ التاجر”.
الكميات تحتاج إلى أسبوعين أو ثلاثة لتحديد حجمها بدقّة: “ولو حدّدناها بالطنّ، فهناك بينها الباطون الذي يزن كثيراً، ولو حسبناها بالمتر المكعب، فهناك فراغات وليس سهلاً فصل الحديد عن الباطون. وهذا ما فعلناه قدر الإمكان، لكن بشكل غير نهائي”.
ويستبعد قيسي وجود شبهات في عملية تأخير عملية التخلّص من هذه الردميات: “القضية سهلة وليست معقدة، وبعد الانتهاء من تجميع الحديد وفرزه، سنطلق مزايدة لشراء الحديد. ومن يدفع أكثر سيأخذه”. أما ردميات الباطون وقصة الباطون و”الجبسن بورد”، فقد تكفّلت الأمم المتحدة مع الاتحاد الأوروبي بفرز ما يمكن فرزه باليد، كمساعدة للبنان، على حدّ تعبير قيسي: “وسيطحنون الردم هذا إلى أحجار صغيرة يمكن استعمالها في ردم الحوض مكان الانفجار. وسيقدّمون لنا جهازاً لفرز الباطون عن الحديد أيضاً”، مؤكّداً أنّ تأخر عملية التخلّص من الردميات لم تتسبّب بعرقلة وتأخير العمل في المرفأ لأنّ محطة المستوعبات تعمل بشكل طبيعي. أما البضائع العامة التي كانت تحتاج لمستودعات، فلا مكان لتخزينها، ولذلك نستعيض عن تخزينها بالتسليم المباشر”.
هذا بالنسبة لردم المرفأ، لكن ماذا عن الردم المحيط بالمرفأ؟
أما الردم المحيط بالمرفأ، الناتج عن الأضرار، فبحسب معلومات “أساس”، تمّ توزيعه على ثلاث “بوَر” قرب نهر بيروت، تتراوح مساحاتها بين 150 ألفاً إلى 200 ألف متر مربع، بين زجاج، وحديد، وباطون، وأحجار، وخشب، وأمور منزلية، وأقمشة، ومفروشات، غير مفرزة. وقد تزيد كميتها من 10 إلى 20 ألف متر مكعب لأن هناك بعض السكّان لا زالوا يعملون في بيوتهم على إزالة الردم. وتحتاج هذه الكميات الجديدة إلى مساحة لا تقل عن 200 ألف متر مكعب، الأمر الذي كان محطّ جدل وتفاوض في المرحلة السابقة. أما الثروة الحقيقية في الردم الناتج عن أضرار محيط المرفأ، فهي في الزجاج، وهو موجود في بورة في البيال بكميات كبيرة شبه صافية. ويقدّر المصدر المسؤول هذه الكميات بـ15 ألف طن من 30 ألف مبنى، ويقدّر طنّ الزجاج المكسّر الواحد بـ 120 دولار، أي أنّ ثمنها قد يصل إلى مليوني دولار.
تبدو أرقام الركام مرعبة، وأرقام أرباحها أيضاً. وهي يمكن، إذا ما استُثمرت بشكل صحيح، أن تكون كفيلة بإعادة بناء جزء ولو يسيراً من المرفأ
بعد سلسلة مفاوضات متعثّرة على مدى شهر ونصف الشهر، يكشف محافظ بيروت القاضي مروان عبّود لـ”أساس” عن نجاح مفاوضات تأمين أرض لتجميع هذه الردميات ومعالجتها، لنقلها إلى الشويفات، حيث هناك أرض تملكها البلدية، وإلى مطمر الناعمة. كما تمّ الاتفاق الثلاثاء في 14 تشرين الأول على اعتماد قطعة أرض تابعة لشركة المرفأ، فيها شاحنات وقاطرات تابعة لنقابة أصحاب الشاحنات، كان عددها 300 “والجيش تولّى إدارة التفاوض وتأمين إخراج القاطرات، وأبلغنا بعد اجتماع مع رئيس مجلس الوزراء أنّ الموضوع انتهى ويمكننا استعمالها، وسنباشر بالعمل فوراً على إخلاء شوارع بيروت من الردميات، ونقلها من المكبّات إلى هذه الأرض وإطلاق العمل بمعالجتها”.
لكن من سيقوم بعملية المعالجة؟
يؤكد محافظ بيروت أنّ هناك شراكة مع الجامعة الأميركية والمنظمات الدولية لتأمين تمويل لمعالجة الردميات المقدّرة بـ128 ألف طن، لفرزها، وطحنها، واستعمالها لردم المقالع.
تبدو أرقام الركام مرعبة، وأرقام أرباحها أيضاً. وهي يمكن، إذا ما استُثمرت بشكل صحيح، أن تكون كفيلة بإعادة بناء جزء ولو يسيراً من المرفأ. وهي، وإن كانت تقريبية، إلا أنّها قد تضع سقفاً لسمسرات من “سنّوا أسنانهم”. وعلى أمل الإسراع بالتخلّص من الردميات قبل الشتاء الذي قد يزيد الركام بلّة، ونصبح في مكان آخر.