خلال مباريات الملاكمة، يعمد الملاكمون إلى الالتحام للحظات بعد جولة من تبادل اللكمات. غالباً يحصل ذلك من أجل الاستراحة لهنيهات ولالتقاط الأنفاس، لكن هذه اللحظات لا تخلو أيضاً من تسديد بعض اللكمات، من باب تسجيل المزيد من النقاط الخاطفة و”بالسرقة” إذا صحّ القول.
هذا التشبيه تحديداً، بات يحكم العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ”، الذي لا يألو جهداً ولا يمرّر مناسبة إلاّ ويستغلّها في تسجيل المزيد من النقاط السياسية من هنا أو هناك على حساب حليفه، لتبدو الصورة وكأنّ الطرفين يتبارزان لا يتحالفان.
إقرأ أيضاً: الحزب لعون: أنت تطبّع مع إسرائيل
هذه اللكمات بدت واضحة جداً في سلوك “عائلة العهد”، في مواقفها السياسية وفي آرائها الشخصية، التي جاء ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل ليلقي الضوء عليها بشكل صريح جداً. آخر هذه اللكمات، الخلاف على شكل الوفد المفاوض في “خيمة الترسيم” بالناقورة على حدود لبنان مع “إسرائيل”. وكان لافتاً إصرار الرئيس ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل، على أن يضمّ الوفد مدنيين اثنين، ونجحا في ذلك على الرغم من معارضة ثنائي “حزب الله” و”حركة أمل”، الذي أظهره “بيان السحور” الشهير، الذي صدر مع بزوغ فجر المفاوضات.
غانتس اعتبر خلال زيارة أجراها إلى شمال إسرائيل في إطار الإشراف على تدريبات هجومية للجيش الإسرائيلي، أنه سمع “أصواتاُ إيجابية تأتي من لبنان وتتحدّث حتّى عن السلام مع إسرائيل، وتعمل معنا في قضايا مثل الحدود البحرية”
هذه اللكمة استتبعتها ابنة الرئيس ورئيسة “الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية” كلودين عون روكز، بكلام أطلقته خلال مقابلة عبر قناة “الجديد” في 25 تشرين الأول الفائت، إذ قالت بشكل صريح: “أنا لا أمانع أن تقوم الدولة اللبنانية بإجراء سلام مع إسرائيل، بعد الترسيم وضمان الموارد. أنا أدافع أولاً عن مصالح بلدي لبنان. وهل المطلوب أن نبقى في حالة حرب؟ أنا لا خلاف عقائدي لديّ مع أحد، لكنّه خلاف سياسي”، مشيرة إلى أنّها “مع استراتيجية دفاعية لنكون كلنا مع بعضنا، بعد حلّ مشاكل ترسيم الحدود وتحرير مزارع شبعا”.
هذا الكلام وصلت أصداؤه سريعاً إلى إسرائيل، فتلقّفته ثاني أقوى شخصية سياسية لدى العدو، وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الذي قال مغازلاً هذا الموقف: “إنّ أصواتاً إيجابية تتحدث من لبنان عن سلام مع إسرائيل”.
غانتس اعتبر خلال زيارة أجراها إلى شمال إسرائيل في إطار الإشراف على تدريبات هجومية للجيش الإسرائيلي، أنه سمع “أصواتاُ إيجابية تأتي من لبنان وتتحدّث حتّى عن السلام مع إسرائيل، وتعمل معنا في قضايا مثل الحدود البحرية”.
حتى قبل إطلاق المفاوضات كان لعائلة عون مواقف مشابهة. في مقابلة مع تلفزيون “BFM” الفرنسي، وبعد انفجار المرفأ بأيام قليلة. يومها كانت جريمة المرفأ ساخنة والمفقودون تحت الأنقاض، فيما الفاعل كان مجهولاً، ولم تكن إسرائيل مستثناة من التهمة. ويومها قال الرئيس ميشال عون في 15 آب الفائت، رداً على سؤال، عمّا إذا كان لبنان مستعداً لصنع السلام مع إسرائيل إنّ إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل “يعتمد على أمور عدّة. لدينا مشاكل مع إسرائيل، يجب أن نحلّها أولاً”، مطلقاً العنان لموجة من الذهول على مواقع التواصل الاجتماعي في حينه بسبب كلمة ça dépend الفرنسية الشهيرة التي اعتُبرت مواربة ضمنية لـ”باب التفاوض”.
اليوم، يحاول البعض التخفيف من وطأة هذا الكلام كله على “حزب الله”، فيضعه في إطار تنسيق “عائلة العهد” مع الحزب وتبادل الأدوار معه، لكن الحقيقة بخلاف ذلك بكثير
وطبعاً كلنا يذكر مقابلة وزير الخارجية جبران باسيل، مع قناة “الميادين” من بيته في اللقلوق في 26 كانون الأوّل 2017، التي قال خلالها: “إنّ الخلاف مع إسرائيل ليس أيديولوجياً، ونحن لا نرفض أن يكون هناك وجود لإسرائيل، ومن حقّها العيش بأمان”. يومها، وصفته القناة بأنّه “مهندس السياسة الخارجية اللبنانية، وأثبت أنّه لاعب أساسي على الساحة اللبنانية”. باسيل عاد وتراجع عن الكلام معتبراً إياه مجتزأً وأنّ موقفه من إسرائيل لم يتغيّر. ربما الظروف لم تكن ناضجة بعد لإطلاق هذه المواقف.
المكتب الاعلامي للوزير باسيل: ان موقف لبنان وسياسته الخارجية وموقف الوزير باسيل من سعي لبنان الى السلام العادل والشامل وفق منطوق قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع بدءاً من القرار 181 وصولاً الى القرار 1701 لن تغيّره هذه الحملة المشبوهة
— Gebran Bassil (@Gebran_Bassil) December 28, 2017
اليوم، يحاول البعض التخفيف من وطأة هذا الكلام كله على “حزب الله”، فيضعه في إطار تنسيق “عائلة العهد” مع الحزب وتبادل الأدوار معه، لكن الحقيقة بخلاف ذلك بكثير، خصوصاً بعد تطبيع دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين اللتين فتحتا الأبواب واسعاً للحديث بأريحية وفق هذا المنطق، ثم إعلان السودان موعد توقيع معاهدة سلام شامل مع إسرائيل، وحديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استعداد أكثر من 5 دول عربية لتوقيع اتفاقيات مع إسرائيل بعد الانتخابات الاميركية.
هو واقع جديد فرض نفسه على المنطقة بكاملها، وكان “جمهور الممانعة” أفضل من عبّر عن هذا الواقع إبان “ثورة 17 تشرين الأول”، يوم قال: “في شي أكبر منّي ومنك عم بصير”!