على الرغم من إقامته المديدة في الولايات المتحدة الأميركية منذ العام 1987، إلا إنّ الطبيب المتخصّص في علاج أمراض السرطان فيليب سالم، ما زال مهتماً بأوضاع لبنان، يتابع شؤونه، ويقرأ السياسة الدولية والإقليمية من زاوية تأثيراتها على وطنه الأم. فالبروفيسور سالم، أحد الكوادر التاريخية للحزب الجمهوري، يتناول في حديثه إلى “أساس” الانتخابات الرئاسية المرتقبة بعد أقلّ من أسبوعين، فلا يغوص كثيراً في احتمالاتها، لكنّه يستقرئ السياسات المتوقّعة للمرشّحين الرئيس دونالد ترامب ومنافسه المرشّح الديموقراطي جو بايدن حيال المنطقة ولبنان. ويرى أنّ هناك فرقاً كبيراً في مقاربة الرجلين للأوضاع الإقليمية واللبنانية لاسيّما لجهة فوارق تعاطيهما مع الملف الإيراني، وخصوصاً لناحية الحزم تجاه المخطّطات التوسعية لإيران، وكذلك منظومتها الصاروخية.
إقرأ أيضاً: فيليب سالم لـ”أساس”: لقاح كورونا آخر هذه السنة ومنظمة الصحة العالمية فاسدة
أمّا في الملف اللبناني البحت، فهو يرى أنّ العقوبات على “حزب الله” وحلفائه أتت أكلها ودفعتهم إلى القبول باتفاق الإطار لترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل، كما يعتبر أنّ الرئيس ميشال عون و”التيار الوطني الحرّ” هم تحت مظلّة “حزب الله”.
البداية من ملف الانتخابات الأميركية: “لغاية اليوم، جو بايدن متقدّم على دونالد ترامب بثمانية إلى عشر نقاط. لكن هذه النتيجة تتغيّر بسرعة، والصورة قد تختلف جذرياً أسبوعاً قبل الانتخابات”، معرباً عن اعتقاده أنه “بشكل عام، ستكون نتيجة الانتخابات متعادلة، أي إنّ كلّا من المرشّحين سيحصل على 50 في المئة من الأصوات، إلا في حال فجّر ترامب مفاجأة”.
وعن الصراع القانوني المحتمل حول نتائج الانتخابات: “قد يحصل ذلك، ولهذا السبب كان همّ الرئيس ترامب أن يملأ الشغور بعد وفاة القاضية روث بادر غينسبرغ، لذلك استعجل باختيار السيدة إيمي كوني باريت، لتشغل مقعداً في المحكمة العليا، أعلى هيئة قضائية في الولايات المتحدة”.
يقّلّل سالم من أهمّية التقارير الواردة عن احتمالات حصول انقسام حاد أو حتّى حرب أهلية في أميركا على خلفية الصراع الانتخابي، ويشير إلى أنّه “قد يحصل شيء من هذا الأمر، لكنه سيكون محدوداً. أمّا الحرب الأهلية، فغير واردة بتاتاً”.
أميركا لا يمكن أن تقبل بعدم استقرار الخليج ودول النفط لأنه إذا تمكّنت إيران من السيطرة على منابع النفط في الشرق الأوسط، فستسيطر على الاقتصاد العالمي. اليوم أميركا هي المسيطرة على الاقتصاد العالمي ولا تستطيع أن تخسر هذه القدرة، ولذلك يهمّها أمن إسرائيل وأمن الخليج
يتناول طبيب السرطان الشهير إصابة ترامب بـ”كوفيد 19″ ومفاعيلها السياسية، فيبدأ بالحديث عن العلاج الذي خضع له الرئيس الأميركي: “أنا ضدّ العلاج التقليدي الذي تحترمه أنظمة التأمين وتكون الأدوية جميعها مقبولة من قبل الـ FDA (إدارة الدواء والغذاء)”، لافتاً إلى أنّ “ترامب تلقّى أفضل علاج، وهو علاج غير مقبول من الـFDA، وما زال اختبارياً، وهو Monoclonal antibody، أي الأجسام المضادة”.
يضيف: “هذا الدواء لم تعطِ الـFDA الضوء الأخضر بشأنه. وعلى الرغم من ذلك، تشير الأبحاث إلى أن Monoclonal antibody ينفع المريض”.
وعن سياسة ترامب في المنطقة عشيّة “الثلاثاء الكبير” يقول: “ترامب ينظر إلى الشرق الأوسط من زاوية أنّ إيران هي المسؤولة الأولى عن عدم الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط. وهناك أربع قضايا نزاع بين إدارة ترامب وإيران: الأولى أن تصنع إيران قنبلة نووية، وهذا أمر مرفوض قطعاً بالنسبة لرئيس الجمهورية، والثانية أن تمتلك إيران صواريخ باليستية قادرة على العبور من قارة إلى قارة، وهذا أمر مرفوض أيضاً، وثالثاً أنّ أمن اسرائيل وأمن الخليج مقدسّ بالنسبة لترامب، ورابعاً التمدّد الإيراني في العالم العربي”.
ويشرح البروفيسور سالم القضية الثالثة بإسهاب: “السياسات التقليدية الأميركية كانت تنظر إلى الشرق الأوسط من زاوية أنّ أولى أولوياتها هي أمن اسرائيل، ومن دون أدنى شكّ فإنّ ترامب يلتزم أيضاً هذه السياسات، لكنه يركّز على أمر لم يكن معظم الرؤساء قبله يعيرونه أهمية مماثلة، وهو أمن الخليج العربي حيث منابع النفط”.
يضيف: “أميركا لا يمكن أن تقبل بعدم استقرار الخليج ودول النفط لأنه إذا تمكّنت إيران من السيطرة على منابع النفط في الشرق الأوسط، فستسيطر على الاقتصاد العالمي. اليوم أميركا هي المسيطرة على الاقتصاد العالمي ولا تستطيع أن تخسر هذه القدرة، ولذلك يهمّها أمن إسرائيل وأمن الخليج”.
أمّا بشأن النقطة الرابعة، فهو يرى أنّ “ترامب يقف بقوة ضدّ تمدّد إيران في العالم العربي سواء في العراق أو سوريا أو لبنان، وكذلك في غزّة واليمن. لكن إيران تتراجع في العراق. وهي تتراجع في سوريا تحت الضغط الروسي. ولكنها ما زالت قوية في لبنان وفي غزة”.
برأيي سالم أنّ “التمدد الإيراني في غزة يسبّب مشكلة لإسرائيل. وكذلك تمدّدها في لبنان هو مشكلة لإسرائيل، وللولايات المتحدة الأميركية أيضاً”.
ويتابع: “آخر ورقة تخسرها إيران هي لبنان، ولذلك نلاحظ أنّ لبنان اليوم هو في عين العاصفة، أي عاصفة الحرب الباردة بين أميركا وإيران. وما نشهده في بلدنا من ويلات، له جذور في الفساد، وفي عدم الولاء للبنان. لكن هناك قسم كبير من الأعراض التي نعاني منها، هي نتيجة الضغط الاقتصادي التي تنفّذه أميركا ضدّ إيران، ومحاولتها تجفيف الموارد المالية لحزب الله”.
هناك حالة جديدة في الشرق الأوسط ستقلب المعادلات، هي قضية السلام العربي مع إسرائيل، وسبب هذا السلام هو الخوف من إيران
ويكمل: “إذا فاز بايدن في الانتخابات، فمن المؤكد أنّه لن يسمح لإيران بامتلاك القنبلة النووية وسيعود إلى الاتفاق القديم، وهو مهتم بأمن إسرائيل والخليج. لكن هناك نقطة تشكّل فارقاً كبيراً بين ترامب وبايدن، وهي أنّ الأخير لا تهمّه الصواريخ البالستية لأنها لم تكن جزءاً من الاتفاق النووي، والتمدّد الإيراني في الشرق العربي خارج الاتفاق ايضاً”.
لذلك يرى البروفيسور سالم أنّه “من مصلحتنا أن تبقى أميركا ضدّ التمدّد الإيراني في الشرق العربي، إذ إنّنا كلبنانيين ليس لدينا مشكلة مع إيران، بل مشكلتنا الهيمنة الإيرانية بواسطة السلاح على القرار السيادي اللبناني. لهذه الناحية، هناك فرق كبير بين بايدن وترامب بالنسبة إلى لبنان”.
يضيف: “أحد مرتكزات سياسة ترامب هو السلام العربي الإسرائيلي، ورأينا كيف أنّ السياسة الأميركية التقليدية لم تصل إلى مكان على الإطلاق، كما لم يكن المفاوض الأميركي موضع ثقة في العالم العربي، لذلك لا باراك أوباما ولا جورج بوش ولا أيّ رئيس إميركي سابق استطاع أن يعقد اتفاق سلام مع أيّ دولة عربية غير مصر والأردن، مع العلم أنّ السلام بين إسرائيل والأردن ومصر هو سلام فولكلوري، بينما السلام الذي عقده ترامب بين الإمارات وإسرائيل هو سلام حقيقي، لأنّ هناك بينهما تجارة، وتبادل معلومات، وقضايا تتعلّق بالتكنولوجيا والتربية ومكافحة الإرهاب”.
لذلك يرى سالم أنّ “هناك حالة جديدة في الشرق الأوسط ستقلب المعادلات، هي قضية السلام العربي مع إسرائيل، وسبب هذا السلام هو الخوف من إيران”، معتبراً أنّ “ترامب وعلى الرغم من الأخطاء التي ارتكبها لجهة دعمه اللامتناهي لإسرائيل، فهو كرجل أعمال عرف كيف يعقد صفقة في الشرق الأوسط لم يتمكّن أسلافه من فعلها”.
هنا ينتقل الطبيب الذي بدأ حياته المهنية في الجامعة الأميركية قبل أن يغادر إلى الولايات المتحدة الأميركية، إلى الموضوع اللبناني من زاوية إقليمية، فيشير إلى أنّه “من الأمور التي قد نكون استفدنا منها في لبنان، العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أميركا على إيران لأنّها جعلت الثنائي الشيعي أي “حزب الله” وحركة “أمل” يقبل بإطار المفاوضات لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل”.
برأيه أنّهما “قبلا هذا الاتفاق تجنّباً للعقوبات الاقتصادية، ويبقى أن نرى إن كان هذا الأمر عملاً تكتيكياً إلى حين وصول رئيس آخر إلى البيت الأبيض أو ربما هو عمل حقيقي فيه إرادة لترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل”.
وهل تستمرّ العقوبات الأميركية على حلفاء “حزب الله”؟
“إذا فاز ترامب فالعقوبات ستستمر، فهو كرجل أعمال يؤمن بفرض عقوبات اقتصادية على خصومه أكثر من خوض حروب ضدّهم. وكلنا نرى أثر هذه العقوبات التي ستدفع إيران إلى القبول باتفاقية نووية جديدة كما يريد الرئيس الجمهوري”.
وهل يمكن أن تطال العقوبات فريق الرئيس عون؟
“أعتقد أنّ الرئيس ميشال عون و”التيار الوطني الحر” يقفان تحت مظلّة “حزب الله” الذي هو تحت مظلّة الحرس الثوري الإيراني. فمثلاً الرئيس نبيه بري أبلغ بأنّ هناك عقوبات عليه شخصياً، ولذلك فهو تقدّم بطرح القبول بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل”.
من جانب آخر يؤيد البروفيسور سالم طرح البطريرك بشارة الراعي عن الحياد: “لكنني أسمّيه الحياد الفاعل وليس الحياد الناشط، لأنّ المرء قد يكون ناشطاً جداً، ولكن قد يكون غير فاعل وهذه نقطة مهمّة”.