لم يعد بالإمكان “ترقيع” حالة التخبّط التي يعيشها “تكتل لبنان القوي”. التباين بين رئيس التكتل جبران باسيل وبعض أعضائه وتحديداً العونيين منهم، صار جلياً ولم يعد بالمقدور إخفاؤه. خصوصاً أنّ هذه التمايزات ليست ابنة ساعتها، وتعبّر عن مسار طويل من الاختلافات في الرأي نتيجة اعتراض بعض النواب، ولو أنّ عددهم محدود، على سلوك رئيس “التيار الوطني الحرّ”.
إقرأ أيضاً: تكليف الحريري الخميس والتشكيل حكاية أشهر
بدأت الحكاية حين نسج جبران باسيل لوحة تحالفاته النيابية على قاعدة تأمين أكبر عدد من المرشّحين الفائزين، بمعزل عن أيّ ضمانات جدّية قد تبقيهم في بيت الطاعة السياسي. خصوصاً أنّ مواقف البعض منهم معروفة ويصعب لجمها أو ضبطها. يومها لم يكلّف باسيل نفسه عناء تأمين ضمانات انضباط هؤلاء في المستقبل. جلّ ما خطّط له في تلك اللحظة، هو الخروج من معمودية الانتخابات بأكبر تكتل نيابي مسيحي يسمح له بتبوؤّ قائمة المرشّحين للانتخابات الرئاسية والإمساك بعصا فيتو غليظة تتيح له عرقلة أيّ ترشيح خصم.
ولهذا لم يكن مفاجئاً مشهد التشققات يتسلّل إلى صفوف تكتل لبنان القوي، إن لناحية الاستقالتين اللتين سجّلها كلّ من ميشال معوض ونعمة أفرام، أو الطلاق النهائي الذي اختاره شامل روكز، أو الانسحاب الكامل الذي نفّذه النائب ميشال ضاهر… والحبل على الجرار.
تشير المعلومات إلى أنّ الكتلة الأرمنية تتعرّض منذ مدّة لملاحظات توجّهها قيادة حزب الطاشناق المركزية بسبب ذوبان الفرع اللبناني للحزب في المعجن السياسي لتكتل لبنان القوي من دون الأخذ بالاعتبار خصوصية الفريق الأرمني ومصالحه
يوم الأربعاء الماضي تبرّعت كتلة الأرمن في التصدّي لمشروع اتهام باسيل في دفع رئاسة الجمهورية إلى تأجيل الاستشارات، من خلال تبنّي مطلب الدعوة للتأجيل. لكن العارفين بأحوال التكتل يجزمون أنّ الاندفاعة الأرمنية جاءت لتغطي شيئاً من عورة الخلاف العميق بين رئيس التكتل والكتلة الأرمنية كون الأخيرة في طريقها لمنح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري أصواتها.
أكثر من ذلك، تشير المعلومات إلى أنّ الكتلة الأرمنية تتعرّض منذ مدّة لملاحظات توجّهها قيادة حزب الطاشناق المركزية بسبب ذوبان الفرع اللبناني للحزب في المعجن السياسي لتكتل لبنان القوي من دون الأخذ بالاعتبار خصوصية الفريق الأرمني ومصالحه. ولهذا من المتوقع أن ينحو الطاشناك إلى مزيد من التمايز عن حليفه البرتقالي مع الوقت.
أما خروج نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي عن الصف البرتقالي إلى رحاب التنظير العلني لمصلحة عودة الحريري إلى السراي، فقصة غير مستجدة، وتعود إلى أشهر خلت حين راح الفرزلي يسطّر الفتاوى التي تمهّد الطريق أمام العودة، ولو أنّ هذا التغريد خارج السرب العوني يرتبط بمحاولة الفرزلي حجز موقعه على اللوائح الزرقاء في منطقة البقاع الغربي في الاستحقاق النيابي المقبل.
في حال لم يقتنع باسيل بهذا الخيار، خصوصاً وأنّ الحسم لن يحصل إلا قبيل ساعات من الموعد المحدّد، فمن غير المرجّح وفق المعلومات رصد أصوات تمايز تخرق جدار التضامن النيابي في تكتل “لبنان القوي”، لا سيما من جهة النواب العونيين الذين يحملون بطاقات حزبية
المهم هو السؤال المحوري: كيف سيتصرّف تكتل “لبنان القوي” يوم الخميس المقبل إذا ما ثبّت رئيس الجمهورية موعد الاستشارات؟
حتى الآن، ثمّة ضغط يمارسه بعض النواب لكي يضع التكتل أصواته في عهدة رئيس الجمهورية للتصرّف بها وفق مقتضيات المصلحة الوطنية، وهو أقلّ الخيارات كلفة وفق منظور هؤلاء النواب كونه يترك باباً خلفيا للتفاوض مع رئيس الحكومة المكلّف على الحصة المسيحية. لأنّ الذهاب بعيداً في الخصومة مع الحريري، سيضع التيار خارج الحكومة نهائياً في وقت يستحيل عليه لعب دور المعارضة.
لكن في حال لم يقتنع باسيل بهذا الخيار، خصوصاً وأنّ الحسم لن يحصل إلا قبيل ساعات من الموعد المحدّد، فمن غير المرجّح وفق المعلومات رصد أصوات تمايز تخرق جدار التضامن النيابي في تكتل “لبنان القوي”، لا سيما من جهة النواب العونيين الذين يحملون بطاقات حزبية. هؤلاء لن يحرقوا مراكبهم سريعاً. لكنّ الأكيد، أنّ دخول البلاد مدار الانتخابات النيابية، سيزيد من حدّة الخلافات الداخلية طالما أنّ رأي جبران باسيل هو الغالب، وستعلو الأصوات الاعتراضية، ولكن هذه المرة سيُسمع ضجيجها في الخارج.