أصوات عدّة ارتفعت اليوم مندّدة بقرار الإقفال التام بسبب تصاعد مؤشّر عدادا الإصابات الجديدة بفيروس كورونا، أوّلها جاء من نقابة المطاعم ومن اتحاد النقابات السياحية، وصولاً إلى جمعية الصناعيين التي أعلن رئيسها زياد بكداش في حديث صحافي أنّ الجمعية لن تلتزم بقرار ?الإقفال? التام في حال صدوره عن الجهات المعنيّة، مبرّراً موقفه بأنّ هذا الموضوع سيؤدّي إلى “خربان بيوت”.
هذا التنديد اقترن بتحذيرات عدّة صدرت عن اختصاصيين اقتصاديين، ومحورها الخوف من تزايد “الخسائر”، والتحذير من عدم قدرة الاقتصاد اللبناني على تحمّلها. وقد جاء بعدما دعا رئيس الجمهورية ميشال عون المجلس الأعلى للدفاع كي ينعقد اليوم الثلاثاء، على أن يكون على رأس بنوده، ملف كورونا والتوصيات المنادية بالإقفال.
مصادر وزارة الصحة تؤكد في هذا السياق لـ “أساس”، أنّ لديها توصيات محدّدة وهي الإقفال. وفيما يتعلّق باعتراض القطاعات الاقتصادية، وإشهار بعضها بعدم الالتزام، تقول المصادر: “نحن لسنا شرطة كي نطبّق الإغلاق. هذه مسؤولية قوى الأمن وليست مسؤوليتنا”، موضحة أنّ “كلّ دول العالم تتجّه عند ارتفاع الإصابات إلى الإقفال. واليوم أرقامنا في لبنان أصبحت كبيرة بالنسبة لقدرتنا”.
“يخنقون البلد اقتصادياً”، بهذا القدر من الاعتراض يلّخص الخبير الاقتصادي نسيب غبريل قرار الإقفال، موضحاً أنّنا “في أزمة عميقة منذ أيلول 2019. وهذه الأزمة تعمّقت في العام 2020 مع جائحة كورونا، دون أن تترافق لا مع إجراءات من قبل السلطة التنفيذية لتخفيف الأزمة ولا مع إصلاحات. ووفق آخر التقديرات التي أصدرها المعهد الدولي للتمويل منذ أسبوعين، فإنّ حجم الاقتصاد اللبناني تراجع خلال هذه المدة من 53 مليار دولار إلى 30 مليار دولار”.
مصادر وزارة الصحة تؤكد في هذا السياق لـ “أساس”، أنّ لديها توصيات محدّدة وهي الإقفال
ولفت غبريل إلى أنّ “هذه الخسائر ستتفاقم مع الإغلاق التام، خاصة إذا قمنا بالمقارنة بين القرارات المتخذة في لبنان والمتخذة في سائر دول العالم. على سبيل المثال، فرنسا عند اتخاذها قرار بالإقفال لمدة شهر، قامت الحكومة هناك بالمقابل بضخّ 20 مليون يورو لدعم الاقتصاد، بينما نحن في لبنان لم نتخذ أيّ إجراء لا لدعم الاقتصاد والشركات، ولا حتى لإبقاء العمال والموظفين في وظائفهم”.
وفيما يحذّر غبريل من تفاقم الانكماش الاقتصادي في لبنان، خصوصاً بعدما قدّر صندوق النقد الدولي نسبة الانكماش الحقيقي في العام 2020 بنسبة 25%، وقدّرها المعهد الدولي بـ27%، يوضح في المقابل أنّ السبب الذي يتذرّع به المعنيون لهذا القرار ليس مقنعاً: “مثل إفساح المجال للجسم الطبي كي يزيد من إمكاناته، إذ كان يجب الانتباه إليه في أوّل الصيف عند تخفيض الإجراءات. ففي حينه، كان على هؤلاء التفكير بموضوع المستشفيات والقدرة الاستيعابية. مع العلم إلى أنّ مشكلة المستشفيات مرتبط بالتمويل. ولذا، فإنّ الإقفال لن يغيّر في المعادلة شيئاً”.
ولا يستبعد الخبير الاقتصادي أن تفوق الخسائر اليومية التي سيتكبّدها الاقتصاد اللبناني جرّاء الإقفال 50 مليون دولار: “نحن في بلد لا سلطة تنفيذية فيه، فكيف سيثق المواطن أو القطاع الخاص بهذه القرارات؟”. وفي الختام يعتبر غبريل أنّه “لو طبق الإجراءات بصرامة وفرضت الغرامات بحق المخالفين، لما وصل لبنان إلى هذه المرحلة”.
فرنسا عند اتخاذها قرار بالإقفال لمدة شهر، قامت الحكومة هناك بالمقابل بضخّ 20 مليون يورو لدعم الاقتصاد، بينما نحن في لبنان لم نتخذ أيّ إجراء لا لدعم الاقتصاد والشركات، ولا حتى لإبقاء العمال والموظفين في وظائفهم
لا ينكر وزير الصحة الأسبق الدكتور محمد جواد خليفة حالة الإرباك، مشيراً في حديث لـ”أساس”، إلى أنّ “التخبّط هو السائد في البلد، والمبرّرات التي يساق لها بأنّ الإقفال هو لتجهيز القطاع الصحي لم تعد منطقية. إذ ما لم يتمّ تجهيزه منذ عام ومنذ بداية أزمة كورونا، لن يجهَز في يوم أو اثنين”.
ويشدّد خليفة على أنّ الأهم من الإقفال هو الاستراتيجية: “إذ لا مركزية للقرار في لبنان، وكلّ وزارة لديها خطّتها، ما أدّى إلى تضارب وتناقض في التصريحات”، محمّلاً مسؤولية هذا الإرباك لـ “خلايا الأزمة”.
إقرأ أيضاً: الحكومة تتهرّب من الإقفال التام.. ومناعة اللبنانيين صامدة
وسأل وزير الصحة الأسبق عن مبرّرات التأخر في تجهيز القطاع الصحي: “ستنتهي الأزمة، وما زلنا نتحدّث بتجهيز هذا القطاع. لماذا لم يقوموا بذلك منذ عام، مع العلم أنّ الإمكانات المادية موجودة نتيجة القرض المعطى من البنك الدولي وقيمته 40 مليون دولار”.
ووفق خليفة، فإنّه لو طُبقت الإجراءات بحزم وصرامة لما وصلنا إلى مرحلة الإقفال، موضحاً أنّ “الوضع في لبنان ليس سليماً. هناك من يتصل ويشكو من عوارض الفيروس، ولا نستطيع تأمين له سرير. وحينما نصف له دواء لا يجده في الصيدليات. أنا لا أنادي بعدم الإقفال، وإنّما أطالب باستراتيجية واضحة يُبنى عليها هذا القرار، خاصة وأنّ التبرير المعطى والمرتبط بالجهوزية الصحية، لا يعد منطقياً”.
نحن إذاً أمام اقتراب الإقفال العام، والتام، وأمام بوادر عصيان من الهيئات الاقتصادية.