بولتون يتذكر (4): ماكرون حاول “إنقاذ” الاتفاق النووي الإيراني

مدة القراءة 10 د

 

جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي يعتبرها مارقة. رئيس مؤسسة غايتستون، وهي مجموعة تفكير، وباحث سابق في مؤسسة أنتربرايز المرتبطة بالمحافظين الجدد. عمل كمحامٍ، ودبلوماسي، ومستشار سابق للأمن القومي. ما بين عامي 2001 و2005 عمل في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن في ملف نزع السلاح. واستلم منصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة بين عامي 2005 و2006. وفي إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب عمل مستشاراً للأمن القومي بين عامي 2018 و2019، ثم استقال لخلافات في الرأي مع الرئيس. وفي أواخر حزيران العام الحالي، صدر له كتاب “الغرفة التي شهدت الأحداث مذكرات البيت الأبيض”The Room Where It Happened: A White House Memoir”، والذي تضمّن انتقادات لاذعة لسياسات ترامب، وكيفية إدارته قوة عظمى في مواجهة أزمات حادة.

“أساس” ينفرد بنشر مقتطفات من الكتاب على حلقات، بالاتفاق مع دار نشر “شركة المطبوعات للتوزيع والنشر”، التي حصلت على حقوق الترجمة والنشر بالعربية.

 

إقرأ أيضاً: بولتون يتذكر (3): هكذا “نجا” الأسد من ترامب بعد هجومه الكيماوي

في يوم الإثنين الذي تلا الهجوم على سوريا نيسان/ أبريل 2018، سافرت مع ترامب إلى فلوريدا، حيث اصطحبني للمرة الأولى على متن المروحية الرئاسية من الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض إلى قاعدة أندروز المشتركة. ثم استقلينا الطائرة الرئاسية إلى ميامي. كانت وجهتنا قريبة من هياليا، وذلك للمشاركة في حملة تعزّز جهود ترامب لخلق مناخ أعمال إيجابي. كان العدد الأكبر من الحاضرين والذي تخطّى الخمسمئة شخص، من الأميركيين الكوبيين والفنزويليين، وعندما قدّمني ترامب في سياق الضربة الأخيرة على سوريا، رُحبّ بي بتصفيق حار، وقوفاً. سأل ترامب متفاجئاً: “هل تعطونه كلّ الفضل؟ تعرفون أنّ هذا يعني نهاية عمله”. يا لها من مزحة. كان السيناتور ماركو روبيو Marco Rubio قد بشّر بهذه الحفاوة في وقت سابق، عندما أثار موضوع ترشيحي كمستشار للأمن القومي: “إنّه يوم سيّء [للرئيس الفنزويلي] مادورو و[الرئيس الكوبي راؤول] كاسترو، ويوم عظيم لقضية الحرية”. لقد عملت لفترة طويلة على تلك المسائل، وكان الجمهور يعرف ذلك حتى ولو كان ترامب يجهله. حلّقت الطائرة الرئاسية بعد ذلك إلى بالم بيتش، ثم توجهنا بالسيارة إلى مارآلاغو. كنت أواصل التحضير لقمّة ترامب ورئيس الوزراء الياباني، آبي، مع التركيز الشديد على برنامج الأسلحة النووية لكوريا الشمالية، وهو الهدف الرئيسي لرحلة آبي.

 

ترامب وبيرل هاربور

حتى المهمة البسيطة المتمثّلة في إعداد ترامب لزيارة الرئيس الياباني شينزو آبي [استقال في آب/ أغسطس 2020] كانت شاقة، وشكّلت مؤشراً لِما سيأتي. قمنا بترتيب جلستَي إحاطة، إحداهما تناولت بشكل عام كوريا الشمالية والقضايا الأمنية، والأخرى حول القضايا التجارية والاقتصادية، بما يتوافق وجدول اللقاءات بين آبي وترامب. على الرغم من أنّ اجتماع آبي – ترامب الأول تمحور حول المسائل السياسية، إلّا أنّ قاعة الاجتماع كانت مليئة بالأشخاص المعنيين بالسياسة التجارية والذين عرفوا أنّه ثمة جلسة إحاطة بهذا الشأن، فحضروا. تأخر ترامب، لذلك قلت إنّنا سنجري مناقشة قصيرة حول التجارة، ثم ننتقل إلى موضوع كوريا الشمالية. لكن، اتّضح أنّ ذلك الترتيب كان خاطئًا.

أثناء الاجتماع، كان الإعلام يهتمّ بموضوع آخر. ففي الساعات المحمومة قبل الضربة السورية، وافق ترامب بشكل أولي على فرض المزيد من العقوبات على روسيا

انفعل ترامب حين سمع تعليقاً مفاده أنّه ليس لدينا حليف أفضل من اليابان، فأخذ يصيح مندّداً بهجوم اليابان على بيرل هاربور [عام 1941 خلال الحرب العالمية الثانية]. منذ تلك اللحظة، راحت الأجواء تتأزم. لم يمضِ وقت طويل حتى وصل آبي، وانتهت جلسة الإحاطة. أخذت [كبير موظفي البيت الأبيض] جون كيلي جانبًا لمناقشة جلسة الإحاطة غير المثمرة هذه، فقال: “ستشعر بالإحباط الشديد في وظيفتك هذه”. أجبت: “لا، أنا لست محبطاً؛ طالما أنّ هناك الحدّ الأدنى من قواعد النظام. هذه ليست مشكلة ترامب. بل مشكلة موظفي البيت الأبيض”. وردّ كيلي قائلاً: “لست بحاجة إلى موعظة منك”، فأجبت: “أنا لا أعظك، بل أخبرك بالحقائق. وأنت تعلم أنّها صحيحة”. أطرق كيلي مفكراً ثم قال: “كان من الخطأ السماح لهم [جماعة التجارة] بالدخول”، واتفقنا على حلّ المشكلة في المرة المقبلة. لكن في الحقيقة، كان كيلي على حق وكنت أنا المخطئ. كانت تلك مشكلة ترامب، ولم يتم حلّها أبدًا.

 

عقوبات روسيا وزلّة هالي

أثناء الاجتماع، كان الإعلام يهتمّ بموضوع آخر. ففي الساعات المحمومة قبل الضربة السورية، وافق ترامب بشكل أولي على فرض المزيد من العقوبات على روسيا. كان وجود موسكو في سوريا حاسماً لتعويم نظام الأسد، وربما تسهيل القيام (أو على الأقل السماح) بهجمات بالأسلحة الكيميائية، وغيرها من الفظائع. لكنّ ترامب غيّر رأيه بعد ذلك. فقد قال لي في وقت مبكر من صباح يوم السبت: “لقد أوضحنا وجهة نظرنا، ويمكننا “أن نضربهم بقوة أكبر إذا لزم الأمر لاحقًا”. علاوة على ذلك، كانت الولايات المتحدة قد فرضت في 6 نيسان/ أبريل، عقوبات مهمة على روسيا، وفقًا لما يقتضيه “قانون مكافحة أعداء أميركا من خلال العقوبات”، والذي كرهه ترامب لأنّ روسيا كانت المستهدفة فيه. كان ترامب يعتقد أنّ الاعتراف بتدخل روسيا في السياسة الأميركية، أو في العديد من البلدان الأخرى، سواء في أوروبا أو أماكن أخرى، قد يعني اعترافاً ضمنياً بتواطئه مع روسيا في حملته للعام 2016. وهذا الرأي خاطئ من حيث المنطق والسياسة. كان يمكن لترامب أن يكون متشدّداً أكثر في التعامل مع روسيا لو أنّه هاجم الجهود التي بذلتها للتلاعب بالانتخابات، بدلاً من تجاهلها، خاصة وأنّ الإجراءات الملموسة مثل العقوبات الاقتصادية، والتي اتخذتها إدارة ترامب كانت في الواقع، صارمة للغاية. أمّا بالنسبة لتقييمه لبوتين نفسه، فهو لم يعطِ أبداً رأياً به، على الأقلّ ليس أمامي. لم أسأل يوماً ترامب عن رأيه به، ربما خوفاً ممّا قد أسمعه. لقد بقي موقفه الشخصي بالزعيم الروسي لغزاً.

إقرأ أيضاً: بولتون يتذكّر (2): إيران وكوريا في أوّل حديث مع ترامب

لكن، في أحد برامج صباح الأحد الحوارية، قالت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هالي Nikki Haley إنّ وزارة الخزانة ستعلن فرض عقوبات على روسيا يوم الإثنين. على الفور، ارتفعت الرايات الحمراء وانطلقت أجراس الإنذار. قال جون ليرنر Jon Lerner، المستشار السياسي لهالي: “كانت زلّة لسان منها (ويقصد هالي)”. ويا لها من زلّة لسان تحبس الأنفاس! فاتصلتُ بعد وقت قصير بسفير موسكو في الولايات المتحدة، أناتولي أنطونوف، والذي كنت أعرفه منذ إدارة بوش الإبن. لم أكن لأخبره بما حدث بالفعل، لذلك قلت له فحسب إنّ هالي ارتكبت خطأً بريئًا. كان أنطونوف رجلاً معزولاً في ذلك الوقت، لأن الناس في واشنطن راحوا يخشون من أن يُضبطوا وهُم يتحدثون إلى الروس، لذلك دعوته للّقاء في البيت الأبيض.

 

ترامب وماكرون وميركل والاتفاق النووي

كان تركيزي الآن منصباً على إيران، والفرصة السانحة التي سيقدّمها القرار المقبل حول تعليق العقوبات، في 12 أيار/مايو، لفرض قضية الانسحاب. كان بومبيو اتصل بي في فلوريدا، مساء الثلاثاء، وأمعن في استجوابي حول ما يجب فعله بشأن الاتفاق النووي الإيراني. لم أتمكن من معرفة ما إذا كان لايزال قلقاً بعد عملية تأكيد تعيينه (في مجلس الشيوخ) الصعبة، والتي كانت مفهومة تماما، أو إذا كان يخضع لضغط مسؤولين في وزارة الخارجية ممّن يشعرون باضطراب متزايد جرّاء انسحابنا المحتمل في نهاية المطاف.

لكن مع زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون والمستشارة الألمانية ميركل الوشيكتين للبيت الأبيض، سوف تُتاح فرص كثيرة لإجراء مناقشة كاملة حول هذه القضايا. وكان يجب أن يعرفا مسبقًا بأنّ ترامب ينوي الخروج من الاتفاقية هذه المرة. على الأغلب.

وصل ماكرون في 24 نيسان/أبريل، في أول زيارة دولة خلال إدارة ترامب، ولقي حفاوة، لا بدّ أنّها أثارت إعجاب الفرنسيين. لسوء حظّ الصحافة، لم يحدث أيّ خطأ. أجرى ماكرون وترامب لقاءً ثنائياً في المكتب البيضاوي، بعد جلسة الأسئلة والصور المألوفة مع الصحافة. وصف ترامب صفقة إيران بأنّها “جنونية” و”سخيفة” وما شابه. وتساءلت عمّا إذا كان الناس سيأخذونها على محمل الجدّ هذه المرة. مع إجلاء حشد الصحافيين من المكتب البيضاوي، تحدث ترامب وماكرون بمفردهما لفترة أطول بكثير ممّا كان متوقعًا، وكما أخبرني ترامب لاحقًا، قد قضى سواد الحديث، بشرح الأخير لماكرون مسألة خروجنا من الصفقة الإيرانية. حاول ماكرون إقناع ترامب بعدم الانسحاب لكنّه فشل. وبدلاً من ذلك، عمل ماكرون على إقحام ترامب في إطار تفاوضي أوسع يشمل “الركائز الأربع” التي تمّت مناقشتها في الاجتماع الموسّع في غرفة مجلس الوزراء، بعد اللقاء الثنائي (والركائز الأربع هي: برنامج إيران النووي حاليًّا؛ وكيفية التعامل معه غداً؛ برنامج إيران للصواريخ الباليستية؛ والسلام والأمن الإقليميان). كان ماكرون سياسيًا محنّكاً، يحاول أن يحوّل هزيمة واضحة إلى شيء بدا إيجابيًا إلى حدّ ما، من وجهة نظره. وقال ماكرون متحدّثًا خلال الاجتماع باللغة الإنكليزية بشكل شبه كامل، وبطريقة لا لبس فيها حول الاتفاقية: “لا أحد يعتقد أنّها صفقة كافية”. سأل ترامب رأيي في الصفقة الإيرانية. قلت إنّها لن تمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية، وإنّه لمستحيل “إصلاح” العيوب الأساسية في الاتفاقية.

كان واضحاً بالنسبة إليّ أنّ ترامب يعتبر ألمانيا أسيرة روسيا. وقد استخدم أيضاً عبارة سمعتها لاحقاً في مناسبات لا تعدّ ولا تحصى، قائلاً إنّ “الاتحاد الاوروبي أسوأ من الصين إلا أنّه أصغر مساحة”

أما القمة التي جمعت ترامب بميركل في السابع والعشرين من نيسان/ أبريل، فكانت أشبه “بزيارة عمل” أكثر منها “زيارة دولة”. فلم تتسم بالفخامة كتلك التي جمعت ترامب بماكرون. دام اللقاء بين ترامب وميركل خمس عشرة دقيقة فحسب، قبل الاجتماع الموسّع في غرفة مجلس الوزراء، حيث استهل ترامب حديثه بالتذمّر من “تغذية ألمانيا للوحش” (والمقصود هنا روسيا) وذلك من خلال خطوط أنابيب نورد ستريم 2. ثم انتقل إلى الاتحاد الأوروبي، معتبراً أنه يعامل الولايات المتحدة بصورة رهيبة. كان واضحاً بالنسبة إليّ أنّ ترامب يعتبر ألمانيا أسيرة روسيا. وقد استخدم أيضاً عبارة سمعتها لاحقاً في مناسبات لا تعدّ ولا تحصى، قائلاً إنّ “الاتحاد الاوروبي أسوأ من الصين إلا أنّه أصغر مساحة”.

انتقل الحديث إلى موضوع إيران بشكل عَرَضيّ. فطلبت منّا ميركل الإبقاء على الاتفاق، ولكنّ ترامب تعامل مع كلامها بلا مبالاة.

 

*نشر في الأصل بلغته الإنكليزية بعنوان: THE ROOM WHERE IT HAPPENED.
Copyright (c) 2020 by John Bolton
حقوق النشر بالعربية (c) شركة المطبوعات للتوزيع والنشر ش. م. ل.
جميع الحقوق محفوظة (c)

 

مواضيع ذات صلة

بولتون (21): تحرّرت من المنصب بعدما اتهمني ترامب بالتسريبات!

  جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي…

بولتون يتذكر (20): ترامب تلاعب بأوكرانيا لأغراض انتخابية

  جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي…

بولتون يتذكر (19): ترامب يريد “سفّاحي” طالبان في البيت الأبيض

  جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي…

بولتون يتذكر (18).. ترامب عن ماكرون: يخرّب كلّ شيء يلمسه!

  جون بولتون، من أبرز صقور المحافظين في الولايات المتحدة، ومن دعاة تغيير النظام في إيران وسوريا وفنزويلا وكوبا واليمن وكوريا الشمالية من البلدان التي…