الردّ الإيراني: “السنّة” سيخسرون أيضاً

مدة القراءة 4 د


لم يكن الردّ الإيراني على اغتيال قاسم سليماني استثنائياً. كان أقل من المتوقع، وأخفض بكثير من الحملات التي شنّتها إيران وحلفاؤها. والتعاطي الأميركي مع الردّ الإيراني، كان أيضاً يصبّ في خدمة إيران لا ضدّها. شكل الردّ وظروفه وحجمه يوضح أنّ ثمّة تنسيقاً قد حصل بين الطرفين بشكل غير مباشر، أرسى هذه المعادلة، التي بلا شك ستؤسس لمرحلة سياسية جديدة في المنطقة. مرحلة سيدفع العرب وأصحاب الأرض الثمن الأكبر خلال مفاوضات إيرانية أميركية كانت سابقاً تحصل بالحديد والنار والدم العربي، والآن ستتحول إلى مخاض سياسي على تقاسم مناطق النفوذ.

بعيد اغتيال سليماني رفع الإيرانيون، ديماغوجيتهم المعروفة، شعار طرد القوات الأميركية من المنطقة. لكنّ الإنسحاب الأميركي هو خيار مطروح في كل السياسات الأميركية، منذ العام 2007، وبعد لقاءات كثيرة عقدت بين قاسم سليماني ومسؤولين أميركيين في العراق خلال تلك الفترة.

شعار “أميركا أولاً” الذي رفعه الرئيس الأميركي دونالد ترامب هو استكمال لإنسحابات أوباما من الشرق الأوسط والتوجّه نحو الصين. وهو عبارة عن استراتيجية أميركية عميقة لا علاقة لها بكل تفاصيل المنطقة وتشعّباتها. لكنّ إيران تلعب على وتر هذا الإنسحاب لتدّعي تحقيق انتصار لا تمانع واشنطن استثمار طهران له.

المعركة الحقيقية في الشرق الأوسط ليست بين الإيرانيين والأميركيين. العلاقة بينهما في حقيقتها تتكامل موضوعياً وفي تقاطع المصالح بينهما، على حساب العرب، أصحاب الأرض، الأكثر عدداً وعديداً وثروات، وهم الأساس “القومي العربي” الذي يدخل في صراع إجتماعي وديمغرافي جدّي مع المعادلة التي يريد الغرب إرسائها في المنطقة. بعيد الردّ الإيراني الهزلي في قاعة عين الأسد، سارع الأميركيون ليعلنوا عن الإنسحاب من الكويت.

لاحقاً صدر توضيح بأنّ الخبر غير صحيح، ولكنّ الأساس هو اعتبار الإدارة الأميركية، أنّ بقاء القوات الأميركية في المنطقة يجب أن يكون مدفوع الثمن. هذه هي العصا التي تريد واشنطن إمساكها من الوسط: تخويف العرب من الإيرانيين لتستمرّ معاهدات الدفاع والحماية، واستمرار إيران في لعب دورها بما يتطابق مع المصالح الإستراتيجية الغربية في المنطقة. وأساساً تقاطع المصالح يعود الى إجتياح العراق وإنهاء صدام حسين، مقابل تسليمه لإيران. السيناريو نفسه تكرّر في سوريا، وفي لبنان وحتى في فلسطين.

تراجع دور السنّة في المنطقة، عندما حشروا نفسهم في طائفيتهم كسائر الطوائف الموجودة، بينما دورهم التاريخي كان بوصفهم “الأمّة” العربية بكل مكوناتها

معركة إيران مع العرب تاريخية، وهي تسعى لأن تعود شرطي المنطقة، دورها سيكون على حساب العرب وليس على حساب أي أحد غيرهم. يتخّذ الصراع طابع حماية الأقليات بوجه الأكثرية السنية أنظمة وشعوباً ونفطاً. فتظهر المنطقة أمام مشروع إيراني، يقابله مشروع إسرائيلي، ومشروع تركي. بينما العرب بلا أيّ مشروع، حوّلوا أنفسهم إلى أنظمة بعيدة عن تطلعات الشعوب. ووفق المعادلة “المذهبية” فإنّ مشكلة المشروع العربي أنّ خزّانه السنّي الإعتدالي قد حوّل نفسه إلى طائفة. وهذا أساس في تراجع الدور.

تراجع دور السنّة في المنطقة، عندما حشروا نفسهم في طائفيتهم كسائر الطوائف الموجودة، بينما دورهم التاريخي كان بوصفهم “الأمّة” العربية بكل مكوناتها، خارج حسابات الدين والمذاهب أمام رحاب عربية متنوعة، تقوم على ثقافة الإختيار لا ثقافة الإنتماء الديني والمذهبي أو العرقي.

مذهبة السنّة وحصارهم، هو الذي مكّن إيران من تحقيق ما تريده، وهذا المسار بدأ بتصفية رموز “السنّة العرب المعتدلين” من صدام حسين بما يمثّل والذي بعد إسقاطه تشظّى العراق طائفياً ومذهبياً فسيطرت عليه إيران، إلى اغتيال ياسر عرفات الزعيم الأبرز في العالم العربي، وبعده تشرذم الوضع الفلسطيني وأفسح في المجال أمام إنهاء القضية الفلسطينية في صراعات داخلية بين منظمة التحرير وحركة حماس بدعم إيراني. وصولاً إلى العام 2005، واغتيال رفيق الحريري في لبنان، كرمز وطني وعربي معتدل فخرج الجيش السوري مقابل دخول الإيرانيين وفرض وصايتهم عليه. واستكمل المشروع في ضرب الثورة السورية وتثبيت ركائز النظام السوري الذي في أساسه التعبير الحقيق لاختزال تحالف الأقليات بوجه الأكثرية، وهو ما تجلّى في تهجير السوريين وتغيير الديمغرافية السورية برمّتها.

هذه المهمات التي نفذتها إيران. هي وحدها التي تبرّر يهودية إسرائيل وقوميتها، وتقضي على حلّ الدولتين، وما تنامى معها من نزعات أقلوية أو عرقية إنفصالية، أو حتى مذهبية. وهي وحدها التي كانت الممهد الأساسي للإعلان عن صفقة القرن والتحضير لإطلاقها أو تنفيذها. صفقة كهذه بلا شك سيكون العرب فيها أضعف الضعفاء، ولكن سيتم تحميلهم مسؤوليتها، بسياسة خبيثة تستند إلى دفعهم نحو إسرائيل في مواجهة إيران، بينما الحقيقة أنّهم في مواجهة حقيقية مع الطرفين.

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…