تصفية سليماني “المنتظرة”: فرح سنيّ في لبنان؟

مدة القراءة 5 د


نزل خبر تصفية قاسم سليماني على الشارع السنّي في لبنان وكأنّه كان منتظراً منذ سنواتٍ طويلة. فالرجل قاد حروب تدمير الحواضر السنية من بغداد إلى دمشق، ودعم استمرار خنق الكيان اللبناني بقوّة سلاح “حزب الله” وقهر النفوذ الإيراني، وقاد عمليات الإبادة والتهجير الطائفية والمذهبية في سوريا، وأسهم في قصف مكّة المكرمة التي يدعو سليماني إلى جعلها تحت “إدارة إسلامية” ونزعها والمدينة المنورة من إدارة المملكة العربية السعودية.

سلسة طويلة من ذكريات الحزن والغضب والثأر، ولو على طريق انتظار جثة الخصم لتطفو على نهر الصراعات.. كانت حاضرة في الوجدان السني، الذي عكّره استنكار حركة “حماس
 لتصفية سليماني واعتباره “شهيداً” من قبل جناحها العسكري (كتائب القسام)، لتنشأ موجة رفضٍ عارمة لهذا الموقف المتجاهل لمشاعر أهالي ملايين الضحايا، من الذين أسقطتهم خطط سليماني الوحشية في سوريا والعراق واليمن.

حضرت في اللحظات الأولى الروايات الدينية عن جواز إبداء الفرح بمصارع الظالمين وجرى استحضار المعادلات القرآنية عن الصراع بين الفرس والروم، وفرح المؤمنين بغلبة الروم، واستذكار موقف الخليفة الأوّل أبو بكر الصديق (رضي الله عنه)، بسجوده شكراً لله عند بلوغه خبرَ مصرع مسيلمة الكذاب.

وكان يوم الجمعة محطة تعبئة وتعزيزٍ للرواية الدينية المجيزة للفرح بتصفية شخص لعب دور حصّاد الموت في أذهان الجمهور السني الممتدّ من المحيط إلى الخليج، ومن شبعا إلى عكار.

  •  النخب السنية: أين البوصلة؟

لكن في أجواء النخب السنّية، كانت التساؤلات مختلفة.

فهناك وعيٌ بمقدار العجز السنّي المحليّ والإقليمي، على جميع المستويات، ضمن واقعٍ ممزّق ومخترق، وعاجز عن حماية نفسه، بعد سلسلة حروب مدمّرة  حاصرته من الداخل بتنظيمات التطرف والإرهاب، ومن الخارج بميليشيات الإرهاب الإيراني، وصولاً إلى لحظة انسداد الأفق، ثم انفتاحه مع انطلاق الثورتين الشعبيتين في العراق ولبنان، ضد الطبقتين الحاكمتين في هذين البلدين، واللتين شكلتلا مزيجاً من الفساد المعتدي على الدولة، ومن التسلّط ورهن السياسات الخارجية لصالح المحور الإيراني في المنطقة.

 كان قاسم سليماني العدوّ الأول لثورتي العراق ولبنان. ففي بغداد، حمّله ثوار ساحة التحرير مسؤولية قتل وإصابة آلاف المتظاهرين الرافضين لاستمرار نهج الفساد وتحويل العراق إلى ساحة صراع دوليّ.

وفي لبنان، كان سليماني في الضاحية الجنوبية قبل تصفيته بـ72 ساعة، متمّماً مسار الإنقضاض على الثورة اللبنانية، بعدما ثابر الثنائي الشيعي على تنظيم غزوات الإعتداء على الثوار خلال التظاهرات السلمية وعلى خيم ساحتي الشهداء ورياض الصلح، وتواصل مساعي “حزب الله” لوأد الثورة، التي جعلته للمرة الأولى يواجه حالة وطنية منيعة في وجه سلاح الطائفية والمناطقية.

  •  المبادرة المفقودة

تدرك النخب السنية أنها في موقف المتفرج داخل مشهدٍ كبيرٍ يتصارع فيه الأقوياء من أجل مصالحهم، وليس من أجل مصالح بلدان هذا الشرق المنكوب والمنهوب، ويسود نقاشٌ واسع حول ضرورة الخروج من العجز والوصول إلى المبادرة التي تستجيب لحاجة المجتمع السني في لبنان، وتعيد صياغة موقفه من هذه التحوّلات الكبيرة، بعدما أصبحت القوى السياسية القائمة فاقدةً للوزن وللتوازن، وبعدما بات المجتمع السني منقسماً بين فئات أربع:

ــ كتلة تيار المستقبل: وهي تعاني من تخبّط الرئيس سعد الحريري في خياراته الإستراتيجية والسياسية على حدٍ سواء.

ــ كتلة نواب “حزب الله” السنية: وهي الممثلة في “اللقاء التشاوري” والنواب الذين يأتي الحزب بهم في مناطق نفوذه.

وتحت هذه الكتلة، تبدو اختراقات “حزب الله” في الجسم السني، من خلال حركاتٍ وتجمعاتٍ بعضها واجهةٌ سياسية، وبعضها الآخر أمني، وهي تمتدّ من بيروت إلى عكار، مروراً بطرابلس وصيدا..

ــ النواب المستقلّون: وأبرزهم النائبان نهاد المشنوق وفؤاد مخزومي. والمشنوق رغم اعترافه بعدم القدرة على أن يكون في صفوف الثوار، غير أنه يلازم في مواقفه خطّ الثورة ويعتبره البوصلة التي يجب اعتمادها للخروج من المأزق الذي دخله البلد.

أما النائب المخزومي، فهو بذل جهوداً لإقناع الكتل السياسية بتسميته وفق سيناريو يرجّح قبوله من الساحات، لكنه فشل في التوفيق بين المسارين المتناقضين للسلطة والثورة.

ــ الحركات والجمعيات الإسلامية: وهي تبدو أيضاً عالقة في برازخ سياسية وعقائدية لم تستطع الخروج منها نحو مقاربةٍ تستطيع الإستجابة لطبيعة المرحلة وما تشهده من تقلبات وتحوّلات.

  •  العروبة الجامعة

ربما يكون أسوأ ما يواجه السنّة اليوم، وجود من يستطيع أن يتعايش مع مستوى القتل والإجرام الحاصل على يد سليماني وميليشياته، ومن يستطيع التأقلم مع هدم أركان الدولة والوطن، بذريعة الممانعة والمقاومة، بينما طريق القدس لم تعرف من يسلكها منذ سنواتٍ طوالٍ طوال.

أما اللقطة الأهم في كل هذا الصخب، فهو أن أهل السنة بعامتهم وخاصتهم، لم يحوّلوا تصفية قاسم سليماني إلى محطة تحريضٍ مذهبية (سنية شيعية)، لأنهم واعون بأن إيران تستغل الشيعة العرب لمشروعها الإمبراطوري الفارسي، ولأنهم شاهدوا إنتفاضة الشيعة العرب في العراق العربي، ضد فساد طبقة إيران الحاكمة، وتفريطها بالسيادة الوطنية، كما ثاروا هم مع سائر اللبنانيين، ضد هيمنة السلطة التي يقف على رأسها “جنديٌ في جيش ولاية الفقيه”.

 

مواضيع ذات صلة

تركيا في الامتحان السّوريّ… كقوّة اعتدال؟

كان عام 2024 عام تغيّر خريطة الشرق الأوسط على أرض الواقع بعيداً عن الأوهام والرغبات التي روّج لها ما يسمّى “محور الممانعة” الذي قادته “الجمهوريّة…

ردّاً على خامنئي: سوريا تطالب إيران بـ300 مليار دولار

 أفضل ما كان بمقدور إيران وقياداتها أن تقوم به في هذه المرحلة هو ترجيح الصمت والاكتفاء بمراقبة ما يجري في سوريا والمنطقة، ومراجعة سياساتها، والبحث…

إسرائيل بين نارين: إضعاف إيران أم السُنّة؟

الاعتقاد الذي كان سائداً في إسرائيل أنّ “الإيرانيين لا يزالون قوّة مهيمنة في المنطقة”، يبدو أنّه صار من زمن مضى بعد خروجهم من سوريا. قراءة…

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…