توقفت العديد من الأوساط السياسية والإعلامية أمام غياب أيّ اشارة إلى الوضع اللبناني في الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي خصّصه لتأبين قائد فيلق القدس الفريق قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، ورفاقهما.
فلماذا غاب لبنان عن هذا الخطاب؟ وهل يعود السبب إلى أنّ السيد نصر الله لم يرد أن يدخل الوضع اللبناني ضمن الحديث عن تطوّرات المنطقة ومحور المقاومة والردّ على عملية الاغتيال التي طالت سليماني وأبو مهدي المهندس؟ أم أنّ هناك أسباباً أخرى محلية تقف وراء هذا الغياب وحرص السيد نصر الله على عدم التطرق إلى الوضع اللبناني الداخلي؟ وهل هذا التغييب يشّكل مؤشّراً لإيجابيا أو سلبياً بشأن الوضع اللبناني؟
من خلال متابعة آخر خطابين للسيد حسن نصر الله بعد اغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس يمكن تسجيل النقاط التالية:
أوّلاً: إنّ السيد حسن نصر الله كان يتحدث في الخطابين باسم “محور المقاومة” وليس باسم حزب الله فقط، ولذا كان هناك تركيز على دور محور المقاومة في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية والردّ على عملية الاغتيال، وكان المطلوب استعادة زمام المبادرة واستيعاب نتائج عملية الاغتيال وكيفية الردّ عليها، وهذا يتطلب رؤية شاملة حول المنطقة بعيدا عن تفاصيل الوضع اللبناني الداخلي.
قد يكون غياب إيّ إشارة إلى الوضع اللبناني في خطاب نصر الله هدفه إعطاء المجال لمعالجة المشكلات التي تقف عائقا أمام هذا التشكيل
ثانياً: كان واضحاً أنّ الأمين العام لحزب الله أراد تحييد لبنان عن المعركة الدائرة في المنطقة بين أميركا ومحور المقاومة، والإشارة إلى أنّ الردّ سيكون إيرانيا بشكل أوليّ، وأنّ الساحة الأولى التي ينبغي أن تواجه الأميركيين هي العراق، وأنّ عمليات الردّ ستستهدف الوجود العسكري الأميركي في المنطقة. وكل ذلك يؤكد تحييد لبنان عن المواجهة الدائرة في المنطقة في هذه المرحلة، وهذه نقطة إيجابية لصالح لبنان واللبنانيين.
ثالثاّ: تشير مصادر مطّلعة على أجواء حزب الله ومتابعة لاهتماماته اللبنانية في هذه المرحلة، على أن الأولوية لدى قيادة حزب الله هي في تشكيل الحكومة ومعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وأنّ الحزب يريد الإسراع في إنهاء هذا الملفّ لأنّ المدخل لحلّ الأزمات هو تشكيل الحكومة وانطلاقة العملية السياسية. ولذا عمد حزب الله إلى تقديم كلّ التسهيلات لتشكيل الحكومة. وهذا ما تؤكّده أيضاً مصادر مقرّبة من الرئيس المكلف الدكتور حسان دياب. ولذا قد يكون غياب إيّ إشارة إلى الوضع اللبناني في خطاب نصر الله هدفه إعطاء المجال لمعالجة المشكلات التي تقف عائقا أمام هذا التشكيل.
رابعاً: قد يكون سبب غياب الحديث عن لبنان في خطاب السيد نصر الله الأخير حالة الاستياء الشديدة التي تسود أجواء قيادة الحزب بسبب الخلافات بين حلفائه في قوى 8 آذار (التيار الوطني الحرّ، تيار المردة، حركة أمل، اللقاء التشاوري) وخلافات هؤلاء مع الرئيس المكلّف الدكتور حسّان دياب. وهذا ما اشار إليه مؤخّراً النائب اللواء جميل السيد في تغريدة له.
إذن، فإنّ غياب لبنان عن خطاب السيد نصر الله يحمل إشارة ايجابية إلى أنّ لبنان لن يكون ساحة مواجهة بين إيران ومحور المقاومة من جهة، وبين أميركا من جهة أخرى في هذه المرحلة. لكنّه في الوقت نفسه يكشف عن حالة الخلافات التي تسود بين أفرقاء قوى 8 آذار حول الملفّ الحكومي، ما دفع السيد نصر الله إلى عدم توجيه أيّ إشارة لهذا الملفّ في هذه المرحلة، بانتظار حلّ هذه المشكلات، أو ربما بسبب الربغة في تجنّب المزيد من التوترات الداخلية التي قد تطيح بالرئيس المكلّف أيضاً.