لبنان لن يتحمّل 3 سنوات أخرى مع ميشال عون

مدة القراءة 4 د


مجنون من يعتقد أنّ الشعب اللبناني بكل أطيافه سوف يستطيع تحمّل ثلاث سنوات أخرى من هذا “العهد القوي”، عهد الرئيس ميشال عون كما تحمّل السنوات الثلاث الأولى. ستقوم طبعاً احتجاجات عارمة في كلّ البلاد على التفقير والتجويع والتعتيم وسياسات التجاهل واضمحلال دور الدولة، ولكن لن يُعدَم على الدوام من يتصدّى ويُعلن أنّ الصورة ليست بهذه القتامة، وستنشط “الدولة العميقة” في القمع أمنياً وقضائياً بذريعة الحؤول دون اكتمال مشهد الفوضى مع قفز سعر الدولار إلى مستويات لا يجرؤ أحد اليوم حتّى على تخيلها. وسيغرق هذا البلد “المُصَومَل” أكثر فأكثر إلى قعر لائحة الدول المتخلفة والفاشلة.
ليس افتراضاً أو تكهّناً هذا الكلام. واضح أنّ التحرمات الشعبية لن يكون في مستطاعها، مهما تضخّمت واتّسعت، أن تشقّ طريقاً إلى خارج حلقة البؤس والفوضى، ما لم تتوقّف عن إطلاق الأسهم النارية في الهواء وما لم تجرؤ على التصويب في اتّجاه محدّد. وما دام الفرع اللبناني لـ”حزب الله” الإيراني غير قابل للمساءلة، فليكن هذا الاتجاه نحو قصر بعبدا، حيث حليفه المسؤول الأول أمام الدستور والناس والتاريخ.
في بعبدا رأس الهرم، ومن هناك يبدأ التغيير الحقيقي للأوضاع والإصلاح.
والحال أنّ الواقفين في الشارع، ومعهم جميع الأطراف السياسيين، وحتّى المتحالفين مع العهد والمستفيدين منه، باتوا على اقتناع بأنّ لبنان يحتاج حالياً إلى رئيس جديد للجمهورية، نشيط وحاضر وقادر على جمع اللبنانيين لمواجهة الكارثة التي يعيشونها، متعالٍ عن المناكفات والنزاعات، يأتي إلى الحكم برجال دولة يوحون بالثقة ولا يتلهّفون للسلطة والمال والظهور بأيّ ثمن، نقيض الفاشلين المغرورين الذين جاء بهم هذا العهد، مفوّضاً صلاحيات الرئيس خلافاً للدستور وكل الأعراف إلى شخص آخر قريب له يستفزّ كيفما تحرّك وتكلّم، ويجعل رأس الدولة في غربة عن كلّ ما يجري حوله وفي البلاد.

لا دولار واحد سوف يُرسل إلى لبنان من الغرب أو الشرق ما دامت دولته توحّدت مع الفرع المحلي لـ”حزب الله” الإيراني

لعلّ أقصى مظاهر الغربة هذه، ما ينقله بعض الذين رافقوا الرئيس ميشال عون في رحلته الميمونة إلى مقرّ الأمم المتحدة حيث ألقى كلمة في 25 أيلول الماضي، وفحواها اقتناع عميق بأنّ العالم، الولايات المتحدة والسعودية ودول أوروبا، لا يمكن أن تترك لبنان ينهار لأنّ انهياره يشكّل خطراً عليها، وبالتالي ستهرع هذه الدول في نهاية الأمر إلى نجدته وإمداده بما يحتاج إليه من أموال ومساعدات تكفيه للنهوض مالياً واقتصادياً من جديد. والوهم الآخر أنّ لبنان يمرّ بظروف صعبة، لكنّ الأموال سوف تبدأ بالتدفق عليه في الشهرين الأولين من السنة 2020 مع بدء التنقيب عن النفط في مياهه.
هذان الوهمان بالطبع لا يصنعان حلاً. فلا دولار واحد سوف يُرسل إلى لبنان من الغرب أو الشرق ما دامت دولته توحّدت مع الفرع المحلي لـ”حزب الله” الإيراني، ولا النفط في حال استخراجه سيدرّ أموالاً قبل تسع سنوات.
وبعدما أخفقت مغامرة التسوية مع هذا الحزب واستقال رئيس الحكومة سعد الحريري، وفي غياب القدرة على التأثير في توجهات “حزب الله” وارتباطاته، على الأرجح لن يكون هناك مفرّ من مطالبة بتغيير شامل يبدأ بالمسؤول الأوّل ولا ينتهي عنده. والأفضل أن تأتي المطالبة من طائفته أولاً ومرجعياتها الدينية كي لا تتكرّر سابقة حركة 14 آذار مع الرئيس إميل لحود التي دفعت ثمنها “انتفاضة الاستقلال 2005” دم قيادات وإحباطات ساهمت في إيصال لبنان إلى دماره. وللجميع خير عبرة من موقف البطريرك الراحل بولس المعوشي حيال عهد الرئيس كميل شمعون. لولاه لكان لبنان انقسم انقساماً تعذّر تخطيه في 1958.

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…