قد تضطر السلطة ما ظهر منها وما بطن، وما كان ممثّلاً أو وصياً من الدويلة على الدولة، أن يعمدوا جميعاً إلى الاتصال بصحيفة “الوسيط”، لنشر إعلان في صفحة الوظائف المطلوبة، يفيد أنّه “مطلوب وعلى وجه السرعة شبكة إرهابية تابعة لتنظيم داعش في الشمال”.
إقرأ أيضاً: يا سيّد دع الناس تعيش..
.. لهفة السلطة وإعلامها المتعدّد الألوان من البرتقالي إلى الأصفر على كشف وتأكيد وجود خلايا داعشية في الشمال، وتحديداً طرابلس، توازي لهفتهم، وهم يراقبون كلّ يوم باخرة التنقيب عن النفط في الشاطئ اللبناني، ضمن البلوك “المسيحي”، كما كان أنصار التيار الوطني الحر يسمّونه في مجالسهم الخاصة. إلا أنّ الخشية كلّ الخشية أن يصاب المتلهّفون بالخيبة مرة ثانية، كما أصيبوا بها مع شركة “توتال”، وما أدراك ما شركة “توتال”. تلك الشركة الفرنسية الوحيدة التي استمرت بالعمل في ايران أيام الخميني رغم الحظر والعقوبات، الأميركي منها وغير الأميركي. إلا أنّ ما يطمئنهم، أنّ البحث عن الشبكة الإرهابية لا رقابة أجنبية عليه. يحتاج فقط لمجموعة من الشباب ما بين لبناني وسوري وفلسطيني وقد أرخوا لحاهم وارتادوا مسجداً من المساجد مرّة أو مرّتين ليُرشّحوا لتشكيل هذه المجموعة المصنّعة المتخيّلة.
هناك من يسعى لشيطنة الشمال وطرابلس وفي كلمة أوضح لشيطنة السُنّة عند الرأي العام المسيحي. فقد شعرت السلطة الحقيقية التي تهيمن على البلد أنّ المجال العام المسيحي والسُنّي قد التقيا على خلاصات موحّدة لأزمات البلد، وللحلول المتصوّرة من مواقف البطريرك بشارة الراعي إلى كلمة المفتي عبد اللطيف دريان بمناسبة رأس السنة الهجرية
هناك سعي لاستحضار داعش وأخواتها، والمفارقة أنّ هذا الاستدعاء لم يقتصر فقط على شمال لبنان، بل حصل بالوقت نفسه في سوريا مع الاعتداء المفاجئ على أحد أبرز خطوط الغاز في ريف دمشق، حيث سارع إعلام النظام إلى وصف الحادث بالعمل الإرهابي، فيما كلّ الغارات الإسرائيلية شبه اليومية، توصف في كثير من الأحيان بالماسّ الكهربائي..!
كلّ هذا السياق لا يعني أنه لم يحصل اعتداء إرهابي مسلح على بلدة كفتون، وذهب ضحيته ثلاثة من خيرة شبابها، ولكن السياقات التي تؤخذ فيه هذه الحادثة تؤشر بوضوح على وجود مآرب أخرى للذين يقفون خلف ما حصل، هي أشبه بالحقيبة التي تمّ الاشتباه بها ليل الأحد الفائت في منطقة ساقية الجنزير ببيروت أمام منزل موسى هزيمة نجم حزب الله في مرفأ بيروت، ليتبيّن لاحقاً أنها تحتوي على مناشف. فالأسئلة لا تطرح على خلفية لماذا وجد في الحقيبة مناشف؟! بل تطرح حول من هي الجهة التي أبلغت القوى الأمنية عن الاشتباه بالحقيبة؟!
هناك من يريد القول للمجتمع الدولي من خلال الاعتداء على خط الغاز في ريف دمشق أنّ داعش ما زالت تشكّل خطراً في سوريا، وما زالت الحاجة ملحّة لإيران وميليشياتها المتعدّدة الجنسيات لمواجهة داعش. وهناك من يريد القول من خلال حادثة كفتون إنّ داعش تشكّل تهديداً للمسيحيين في لبنان، ووحده اتفاق مار مخايل وحزب الله استطراداً، قادر على حمايتهم من التكفير الإرهابي.
لقد قُتِل شباب مسيحيون من فوج إطفاء بيروت في انفجار المرفأ أكثر بكثير مما قُتِل على يد التكفير الإرهابي من عين علق وصولاً إلى القاع
لم يكن إرهاب داعش وأخواتها حالة أصيلة أو متجذّرة في لبنان، بل لطالما كان حالة “غبّ الطلب”، أو كما يقال بلغة الشارع “ديليفري سياسي” يُطلب عند الحاجة، ثمّ يُسَفّر بالباصات المكيّفة عند انتفاء الحاجة له.
إضافة لكلّ ما ذكر، هناك من يسعى لشيطنة الشمال وطرابلس وفي كلمة أوضح لشيطنة السُنّة عند الرأي العام المسيحي. فقد شعرت السلطة الحقيقية التي تهيمن على البلد أنّ المجال العام المسيحي والسُنّي قد التقيا على خلاصات موحّدة لأزمات البلد، وللحلول المتصوّرة من مواقف البطريرك بشارة الراعي إلى كلمة المفتي عبد اللطيف دريان بمناسبة رأس السنة الهجرية. وإنّ الغطاء المسيحي الذي تحقّق لهذه السلطة منذ العام 2006، تداعى وسقط ولم يعد ذا شأن في المعادلة السياسية.
أزمة هذه السلطة المهيمنة، أنها تقرأ في كتاب قديم. وهي لن تصل إلا إلى نتائج بائدة لا طائل منها. هناك زلزال كبير ضرب لبنان في 4 آب. هناك تهجير تعرّض له البيارتة وتحديداَ البيارتة المسيحيون، من منازلهم وشوارعهم ومناطقهم. فأعيدوهم إلى منازلهم أولاً، ثمّ تحدّثوا عن حمايتهم…
لقد قُتِل شباب مسيحيون من فوج إطفاء بيروت في انفجار المرفأ أكثر بكثير مما قُتِل على يد التكفير الإرهابي من عين علق وصولاً إلى القاع.