لماذا فشلت المعارضة الشيعية؟ (1/2)

مدة القراءة 5 د


عند كلّ حدث مهم في لبنان، تتجّه الأنظار نحو المعارضة الشيعية اللبنانية المستقلة عن حزب الله وحركة أمل. ويدور السؤال حول دور هذه المعارضة وماذا ستفعل في مواجهة الثنائي الشيعي القوي والممسك بالسلطة والممثّل الأقوى، والوحيد، للشيعة اللبنانيين في مجلسي الوزراء والنواب.

لكن بعد هدوء الحال وتراجع حدّة الأحداث يكتشف المراقبون أنّ المعارضة الشيعية كانت مجرد “فقاعة إعلامية”، لم تنجح بالتحوّل إلى تيار شيعي شعبي قادر على تغيير المعادلة السياسية الداخلية.

فلماذا تفشل المعارضة الشيعية اللبنانية في التحوّل إلى قوة فاعلة؟

هل بسبب ما يُقال عن الضغوط الأمنية والسياسية والإعلامية التي تتعرّض لها؟ أم بسبب عدم السماح لهذه المعارضة بالتحرّك بحرّية في البيئات الشيعية وعدم امتلاكها القدرات المالية والإعلامية واللوجيستية؟ أم هناك أسباب أخرى لهذا الفشل المتكرّر؟

بعض القوى القومية واليسارية أو الشيوعية أو أعضاء مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في البيئات الشيعية تتمايز عن حزب الله وحركة أمل لكنّها لم تتحوّل إلى “معارضة شيعية” مستقلة

للإجابة عن هذا السؤال لا بدّ من تحديد مَن هي المعارضة الشيعية اللبنانية؟ وكيف تعاطت هذه المعارضة مع أهم المحطّات السياسية والانتخابية في لبنان؟

المعارضة الشيعية هي مجموع الشخصيات والمجموعات الشيعية التي تعترض على سياسات حركة أمل وحزب الله الداخلية والخارجية وتدعو للوقوف بوجه سياساتهما. من هذه الشخصيات على سبيل المثال لا الحصر، لأنّنا لا نستطيع إحصاء كلّ هؤلاء: الأمين العام السابق لحزب الله الشيخ صبحي الطفيلي، مفتي جبل عامل السابق العلامة السيد علي الأمين، رئيس “المركز العربي للحوار” الشيخ عباس الجوهري، السيد محمد علي الحسيني، رئيس “التيار الشيعي” الشيخ محمد الحاج حسن، الصحافي لقمان سليم، الصحافي علي الأمين، الصحافي مصطفى فحص، الوزير السابق إبراهيم شمس الدين، الدكتورة منى فياض، الدكتور حارث سليمان، المحامي عباس ياغي، رئيس “تيار الانتماء” أحمد الأسعد، أبناء السياسي الراحل كاظم الخليل، الشيخ محمد علي الحاج، وهناك عدد كبير من الشخصيات الأكاديمية والصحافية والدينية التي تختلف مع حزب الله أو حركة أمل وتنشط في أطر مختلفة ولا يمكن تعدادها جميعها. كما أنّ بعض القوى القومية واليسارية أو الشيوعية أو أعضاء مؤسسات المجتمع المدني الناشطة في البيئات الشيعية تتمايز عن حزب الله وحركة أمل لكنّها لم تتحوّل إلى “معارضة شيعية” مستقلة.

كما وهناك شخصيات شيعية نشطت ضمن أطر سياسية أخرى تتعارض أحياناً مع الحزب أو تبتعد عن المعارضة بحسب اتجاهات أحزابها، مثل نائب رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” دريد ياغي أو أمين السر ظافر ناصر، أو النواب السابقين باسم السبع والمحامي صلاح الحركة وعقاب صقر وغازي يوسف. وتوجد تيارات وجهات مستقلة عن حركة أمل وحزب الله لكنّها لا تصنف كمعارضة شيعية مثل تيار مؤسسات المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله ورئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني والنائب والوزير السابق محمد يوسف بيضون  والعلامة السيد محمد حسن الأمين ورئيس “المجمع الثقافي الجعفري” العلامة الشيخ محمد حسين الحاج.

هل سبب فشل هذه الشخصيات الضغوط الأمنية أو الإعلامية أو الشعبية التي تتعرض لها، أو السبب الحصار هو السياسي والخدماتي الذي تواجهه أو بعض أشكال القمع؟

بعض رموز هذه المعارضة الشيعية التقت غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وانقسام لبنان بين قوى 8 آذار و14 آذار، وشكلّت ما سُمّي آنذاك “اللقاء اللبناني الشيعي” برئاسة العلامة السيد محمد حسن الأمين، وضمّ حوالي ثلاثمائة شخصية. وعقدت مؤتمراً هاماً في قاعة العاملية في بيروت ولقيَ اهتماماً كبيراً إعلامياً داخلياً وخارجياً، وكان يحظى بدعم كبير من تيار المستقبل وقوى لبنانية أخرى. لكنّ التحالف الرباعي بين حركة أمل وحزب الله وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي عشيّة الانتخابات النيابية أنهى هذه التجربة. كما أنّ اعتماد القوانين الإنتخابية على قاعدة الأكثرية لم يسمح لهذه القوى الشيعية المعارضة بالتمثّل في البرلمان اللبناني باستثناء بعض الشخصيات التي لقيت دعماً من قوى 14 آذار آنذاك في بعض الدوائر وليس كلّها، كالنائب السابق أمين وهبي (البقاع الغربي) وعقاب صقر في زحلة، وغازي يوسف في بيروت.

وقد جرت محاولات لجمع الشخصيات الشيعية المعارضة ولقيت بعض هذه الشخصيات دعماً مالياً وإعلامياً كبيراً في بعض المحطات السياسية والانتخابية، لكن محاولات جمع هذه القوى والشخصيات فشلت، وفي آخر انتخابات نيابية، ورغم اعتماد التمثيل النسبي والصوت التفضيلي، فإنّ هذه الشخصيات لم تحقّق أيّ خرق انتخابي، بل إنّ نتائجها الانتخابية كانت ضعيفة إجمالاً باستثناء بعض الخروقات في منطقة بعلبك – الهرمل.

فهل سبب فشل هذه الشخصيات الضغوط الأمنية أو الإعلامية أو الشعبية التي تتعرض لها، أو السبب الحصار هو السياسي والخدماتي الذي تواجهه أو بعض أشكال القمع التي تحصل أحياناً؟

قد يكون لبعض هذه الأسباب تأثيرها في تراجع أو ضعف هذه الشخصيات أو عدم تأثيرها، لكن في المقابل فإنّ بعض هذه الشخصيات تحظى باهتمام إعلامي مميز وهي حاضرة في القنوات الإعلامية، وبعضها تلّقى أحياناً دعماً مالياً كبيراً، لكنّها رغم ذلك لم تنجح في تحقيق أيّ إنجاز سياسي أو شعبي.

ولذا فالمشكلة في مكان آخر، وأهم إشكالية تواجهها المعارضة الشيعية حول طبيعة المشروع الذي تطرحه ومدى علاقتها بالجمهور وبالناس وكيفية مخاطبتها لهذا الجمهور.

مواضيع ذات صلة

تركيا والعرب في سوريا: “مرج دابق” أم “سكّة الحجاز”؟

الأرجح أنّ وزير الخارجية التركي هاكان فيدان كان يتوقّع أن يستقبله أحمد الشرع في دمشق بعناقٍ يتجاوز البروتوكول، فهو يعرفه جيّداً من قبل أن يكشف…

كنّا نخاف منه وصرنا نخاف عليه

قبل عام 1969 كان العالم العربي والإسلامي يتدافع نحو أخذ صورة مع جمال عبدالناصر، ثمّ بعد العام نفسه صار العرب والمسلمون ومعهم عبدالناصر يتدافعون للوقوف…

دعاية “الحزب” الرّديئة: قصور على الرّمال

لا تكفي الحجج التي يسوقها “الحزب” عن الفارق بين جنوب الليطاني وشماله للتخفيف من آثار انتشار سلاحه على لبنان. سيل الحجج المتدفّق عبر تصريحات نوّاب…

معايير أميركا: ملاك في أوكرانيا.. شيطان في غزّة

تدور حرب ساخنة في كلّ من أوروبا (أوكرانيا)، والشرق الأوسط (غزة – لبنان). “بطل” الحرب الأولى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، و”بطل” الحرب الثانية رئيس الوزراء…